في تطور لافت، بحث رئيس دولة
الإمارات، محمد بن زايد، مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الجمعة، في
أديس أبابا، "العلاقات الثنائية بين البلدين" فيما رحّب بن زايد بـ"الخطوة الإيجابية الخاصة بالاتفاق بين مصر وإثيوبيا على انطلاق مفاوضات
سد النهضة للتوصل إلى تسوية".
ولم تغب عن الاجتماع أزمة "سد النهضة" الذي تبنيه أديس أبابا على مياه النيل، وترفض الاتفاق بخصوصه مع مصر والسودان على قانون ملزم بشأن ملء وتشغيل السد؛ حيث أعرب بن زايد عن تمنياته أن تصل "المفاوضات" إلى "حلٍ مرضٍ لجميع الأطراف وبما يعزز التعاون فيما بينها، ويدعم الاستقرار في المنطقة".
وترى مصر أن سد النهضة يمثل خطرا وجوديا عليها حيث تخشى من تأثيره على منسوب نهر النيل الذي تعتمد عليه بنسبة تتجاوز 95% من أجل تأمين حاجاتها المائية، الأمر الذي تنفيه أديس أبابا وتؤكد أن السد سوف يخدم خطط التنمية لكافة الأطراف.
أي علاقة للإمارات بسد النهضة؟
في الوقت الذي عولّت فيه إثيوبيا، خلال انطلاقها في بناء سد النهضة على نهر النيل الأزرق قُرب الحدود الإثيوبية- السودانية في 11 نيسان/ أبريل 2011 على "تحقيق نهضة تنموية شاملة وإنتاج ستة آلاف ميغاوات طاقة كهربائية، أي ما يوازي ما تنتجه ست منشآت تعمل بالطاقة النووية"، فإن مصر ترى إنه سوف "يقلص حصة مصر من المياه بمقدار 22 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مما يدمر الثروة الزراعية والإنتاج الكهربائي لمصر".
وفي السياق نفسه، سبق لعدد من وسائل الإعلام، الكشف على أن "الإمارات قدمت دعما ماليا سخيا لإثيوبيا، بغرض تحديث منظومة جيشها الدفاعية، والحصول على منظومة "بانتسير إس 1" الروسية المتطورة للدفاع الجوي، من أجل استخدامها في حماية سد النهضة، الذي اكتمل بناء 70% منه، من أي تهديد"، فيما بثّ التلفزيون الرسمي الإثيوبي، في أذار/ مارس الماضي، مقطع فيديو عن دور المنظومة الروسية"، ما تم اعتباره من طرف عدة محللين سياسيين بأنه "رسالة للقاهرة".
وكانت صحيفة "العربي الجديد" قد أبرزت في تحقيق لها بعنوان "المشاركون في تعطيش مصر: تعرف على الشركات المساهمة في بناء سد النهضة"، أن تلك الشركات من عدة دول هي: إسرائيل، السعودية، الإمارات، إيطاليا، والصين وغيرها، مشيرة إلى أن "دور الإمارات لم يقتصر على حماية السد فقط، بل يتعلق الأمر ببنائه من الأساس".
وإثر فشل مفاوضات السد الإثيوبي، وفي الوقت الذي استبعد فيه المراقبون، شروع الدولة المصرية في أي عمل عسكري، اتفق رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، منذ منتصف تموز/ يوليو الماضي، على استئناف مفاوضات "سد النهضة"، ووضع إطار زمني للانتهاء منها خلال الأشهر الأربعة القادمة، الشيئ الذي وصفه المحللون بـ"الانفراجة".
سد النهضة.. إلى أين؟
عاد الملف من جديد إلى الواجهة، عقب لقاء بين رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد، ورئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، الثلاثاء الماضي، في أبوظبي، تبعه تواجد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في العاصمة الإماراتية، في اليوم التالي، لحضور القمة التشاورية مع زعماء مجلس التعاون الخليجي التي دعا لها بن زايد؛ فيما أثير النقاش بخصوصه أكثر، خلال بحث الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، سبل التعاون الثنائي، وقضايا إقليمية مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.
واستضافت
القاهرة، يوم الخميس 13 تموز/ يوليو 2023، فعاليات "مؤتمر قمة دول جوار السودان"، من أجل التوسط بين الطرفين "المختلفين" فيما يعتبر من أحدث المساعي الدولية الهادفة للحد من تفاقم الأزمة الإنسانية ولمنع اندلاع حرب أهلية.
وكان من بين المشاركين في القمة المنعقدة، رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي التقى بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، حيث بحثا مسألة "جمود المفاوضات الخاصة بأزمة سد النهضة وكيف يمكن تجاوزها".
واتفق الطرفان "المتنازعان" على ملف سد النهضة، على جملة من النقاط، أبرزها: "ضرورة الشروع في مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لملء سد النهضة وقواعد تشغيله، خلال 4 أشهر"، والتزام إثيوبيا بأنه "أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023-2024، عدم إلحاق ضرر ذي شأن بمصر والسودان، بما يوفر الاحتياجات المائية لكلا البلدين".
تنويه الإعلام الإثيوبي
بالتزامن مع تفاقم أزمة "سد النهضة الإثيوبي" التي تقف فيه أديس أبابا ضد الدولة المصرية التي قد تخسر مياه الري بالإضافة إلى عدد من الأفدنة الزراعية إثر الجفاف؛ تصدرت زيارة الرئيس الإماراتي إلى إثيوبيا، أنباء الصحف ووسائل الإعلام الإثيوبية، السبت؛ حيث قالت صحيفة "إثيوبيان مونيتور"، إن "توقيع دولة الإمارات وإثيوبيا مجموعة من الاتفاقيات في عدد من المجالات، تعكس رغبة البلدين في تعزيز العلاقات والتعاون الثنائي، خاصة من خلال مبادرات التنمية المستدامة".
وأشارت صحيفة "أديس ستاندرد"، على "حرص رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على التأكيد على أن العلاقات المتنامية بين البلدين متجذرة في الاحترام المتبادل العميق والرؤية المشتركة للتقدم المتبادل، ومواصلة التعاون والسعي لتحقيق التنمية المستدامة".
من جهتها أبرزت "أفريكان بيزنيس"، في تقرير لها، "أهمية الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها"، مشيرة إلى أنها "تهدف إلى تعزيز التعاون وتطوير الشراكات وتنويع المشاركة في مختلف المجالات، لدفع التنمية والازدهار في كلا البلدين".
التخزين الرابع لسد النهضة.. أي أضرار؟
وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن "إثيوبيا بدأت التخزين الرابع لسد النهضة بتاريخ 14 تموز/ يوليو 2023، وهو خطوة هندسية لا إرادية بعد زيادة ارتفاع الجانبين والممر الأوسط حتى مستوى يتراوح بين 620 -625 متر فوق سطح البحر، ولا تستطيع الحكومة الاثيوبية إيقافه سوى استمرار فتح بوابتي التصريف (60 - 70 مليون م3/يوم) أو إغلاقهما".
وأضاف خبير المياه المصري، عبر منشور في حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "أضرار التخزين بصفة عامة متعددة وهناك فرق بين وجود أضرار تعمل الدولة على عدم وصولها إلى المواطن، وعدم وجود أضرار على الإطلاق، وتقوم الدولة على ترشيد استهلاك المياه، وإنفاق عشرات بل مئات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الري والزراعة، وإعادة استخدام المياه بعد معالجتها، وتبطين الترع، والتوسع في إنشاء الصوب الزراعية وغيرها حتى نحافظ على احتياطى مائى جيد في السد العالى يضمن الأمن المائي للمواطنين".
وتابع: "تنقسم أضرار التخزين المائي في إثيوبيا إلى أضرار مائية واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية" في إشارة منه إلى أن "كمية المياه التي تّخزن فى سد النهضة قليلة أو كبيرة، هذا العام أو الأعوام القادمة هى مياه مصرية-سودانية، وهي الخسارة الأولى المباشرة، والتى لو استغلت في الزراعة لجاءت بعائد اقتصادي قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب".
وأشار إلى أنه "بالنسبة للسودان هناك ارتباك في تشغيل السدود، ومستقبلاً قلة الإنتاجية الزراعية نتيجة حجز الطمى فى سد النهضة، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وزيادة التكلفة الانتاجية للمحاصيل الزراعية للتوسع فى استخدام الأسمدة" مردفا: "بالنسبة لأثيوبيا هناك غرق للمزيد من الأراضى الزراعية، وبعض المناطق التعدينية، وعدم القدرة على توزيع الكهرباء عن طريق مصر لآسيا وأوروبا نتيجة التوتر وعدم الاتفاق".
أما بخصوص الأضرار السياسية، فيرى الخبير المائي أنه تتمثل في "استمرار إثيوبيا لفرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ قرارات أحادية وخرقها للمرة السادسة للاتفاقيات الموقعة بين مصر وإثيوبيا (اتفاقيات 1891، 1902، 1906، 1925، 1993) والأعراف الدولية، وإعلان مبادئ سد النهضة 2015، وتوصيات القمم المصغرة للاتحاد الأفريقى، وأخيراً البيان الرئاسي لمجلس الأمن سبتمبر 2021، بعد التخزين الأول (1-21 يوليو 2020) والثانى (4-18 يوليو 2021) وتشغيل التوربين رقم 10 في 20 فبراير 2022، والتوربين رقم 9 11 أغسطس 2022، والتخزين الرابع 14 في 2023".
من جهته، أوضح الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، تيمور خان، دور الإمارات الغامض في إفريقيا، بالقول: "لدى الإمارات مصلحة في الأمن الغذائي تدفعها نحو تطوير هذا القطاع في شرق أفريقيا"، مشيراً إلى أن "العوائد قصيرة الأجل على استثمارات الشركات الحكومية والخاصة الإماراتية بإثيوبيا ضرورة اقتصادية".
وأضاف خان في مقال له، نشره موقع "ستراتفور" الأمريكي المتخصص في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن "الشراكة بين الإمارات وإثيوبيا نتج عنها تأثير ممتد حقيقي"؛ في إشارة إلى أن "حجم الاستثمار الإماراتي في إثيوبيا يقدر بنحو 3 مليارات دولار"، وهو الشيء الذي أكدته كل من إحصاءات هيئة الاستثمار الإثيوبية ووزارة الاقتصاد الإماراتية في عام 2017.
وبحسب مساعد وزير الخارجية والتعاون الدولي للشؤون الاقتصادية والتجارية الإماراتي، محمد شرف، فإن أبوظبي تستثمر نحو 523 مليون دولار في إثيوبيا، ناهيك عن احتضانها لعدد متزايد من العمالة الإثيوبية، فيما تساهم عبر تحويلاتها المالية في إنعاش الوضع الاقتصادي لإثيوبيا، التي تعاني من قلة فرص العمل، في ظل عدد السكان الكبير المقدر بـ100 مليون نسمة.
وفي تموز/ يوليو الماضي، تعهدت الإمارات بتمويل مشاريع جديدة في إثيوبيا، حيث وقع صندوق خليفة لتطوير المشاريع ووزارة المالية الإثيوبية، على اتفاقية لدعم وتمويل المشاريع الريادية والابتكار في إثيوبيا بقيمة 100 مليون دولار أمريكي.