أعلنت وزارة الخارجية
السعودية في 12 آب/ أغسطس عن تعيين سفير خادم الحرمين
الشريفين لدى الأردن نايف السديري؛ سفيراً فوق العادة وغير مقيم لدى دولة
فلسطين
وقنصلاً عاماً بمدينة القدس، بتقديم أوراق اعتماده إلى معالي مستشار الرئيس
الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية الدكتور مجدي الخالدي في مقر السفارة الفلسطينية
بالعاصمة الأردنية عمّان.
هذا الإعلان كان
ولا زال محل نقاش؛ فالبعض يرى فيه خطوة سعودية إيجابية لإسناد الفلسطينيين، ومحاولة
ولو متأخرة لإنقاذ حل الدولتين المبني على القرارات الدولية ذات الصلة، وعلى
فلسطينية شرقي القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، في وقت تتعرض فيه القضية إلى تراجع
مريع لا سيّما على المستوى العربي والدولي وبعد فشل مسار أوسلو وانكسار مقومات
نجاحه على كافّة الصعد؛ وأهمها مصادرة الاحتلال للأراضي الفلسطينية في الضفة
الغربية بشكل كبير لصالح الاستيطان في ظل حكومة يمينية متطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو
وشركائه في اليمين الصهيوني المتطرف سموتريتش وبن غفير، حيث لا يؤمن هذا المثلّث
لا بالدولة الفلسطينية ولا بالقومية الفلسطينية ولا بوجود الشعب الفلسطيني وحقه في
تقرير المصير، أي أنه يمكن تفسير الموقف السعودي على أنه خشبة إنقاذ أو محاولة
لإنقاذ ما تبقى من هياكل متداعية لمشروع التسوية السياسية والسلطة الفلسطينية
بصفتها أحد أهم مخرجات ذلك المسار على فشله وعلّاته.
لماذا الآن أُخذ هذا القرار بعد مرور نحو 30 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو؟ وهل السعودية قادرة على تغيير المسار أو إحياء الأموات (اتفاقية أوسلو/ حل الدولتين) بعد أن دُفنت بأيدٍ صهيونية، وصمت أمريكي غربي، وعجز عربي آخذ في الاتساع مع مرور الزمن؟ وكأن السائل أراد القول بأن تقدّم السعودية، الآن، بخطوات سياسية نحو الفلسطينيين قد يقابله تقدّم بخطوات تطبيعية نحو إسرائيل، وأن التقدّم الأوّل قد يُقصد به التغطية على التقدّم الثاني
على المقلب الآخر
يشكّك البعض في خلفيات ومآلات الخطوة السعودية، ويتساءل لماذا الآن أُخذ هذا
القرار بعد مرور نحو 30 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو؟ وهل السعودية قادرة على
تغيير المسار أو إحياء الأموات (اتفاقية أوسلو/ حل الدولتين) بعد أن دُفنت بأيدٍ
صهيونية، وصمت أمريكي غربي، وعجز عربي آخذ في الاتساع مع مرور الزمن؟ وكأن السائل
أراد القول بأن تقدّم السعودية، الآن، بخطوات سياسية نحو الفلسطينيين قد يقابله
تقدّم بخطوات تطبيعية نحو
إسرائيل، وأن التقدّم الأوّل قد يُقصد به التغطية على
التقدّم الثاني.
في سياق النقاش السياسي؛ يُلاحظ أن خطوة
تعيين سفير سعودي فوق العادة وغير مقيم لدى دولة فلسطين وقنصل عام بمدينة
القدس، جاءت متزامنة مع تواتر الأخبار والمعلومات على ألسنة أرفع المسؤولين
الأمريكيين والإسرائيليين الذين أكّدوا وجود مساعٍ واتصالات حثيثة لبناء جسر
التطبيع بين الرياض وتل أبيب؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد صرّح الرئيس
الأمريكي جو بايدن في 28 تموز/ يوليو
بقوله إنّ اتفاقاً ربما يكون في الطريق مع السعودية بعد محادثات أجراها مستشاره
للأمن القومي جيك سوليفان مع مسؤولين سعوديين في جدّة؛ بهدف التوصّل إلى تطبيع
للعلاقات بين المملكة وإسرائيل.
وفي قياس جملة المصالح
المتوخّاة؛ يُفسَّر المسعى الأمريكي على أنه محاولة لضمان أمن إسرائيل ورعاية
مصالحها في المنطقة بإدماجها فيها، وتشكيل حالة إسرائيلية عربية في مواجهة إيران،
كما التخفيف من حدّة اندفاعة الرياض نحو الصين والشرق لتبقى في المربع الأمريكي الغربي،
ما يشكّل في المحصّلة رافعة للرئيس بايدن في سباقه الانتخابي القادم (2024) بدعم
من اللوبيات الصهيونية في مواجهة منافسه الرئيس ترامب.
أمّا جانب الاحتلال
الإسرائيلي، فقد بدا واضحاً حافزيته وحراكه مع واشنطن للتقدّم في هذا المسار، وإنْ
حصل ذلك التقدّم فسيشكّل أكبر اختراق إسرائيلي للمنطقة العربية منذ توقيع اتفاقية
كامب ديفيد في أيلول/ سبتمبر 1978، حيث سيُسرّع من
وتيرة التطبيع مع العديد من الدول العربية والإسلامية ودمج إسرائيل في المنطقة عبر
مسارات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية، ما يرسّخ أقدام الاحتلال و"شرعنة"
وجوده بغطاء عربي إسلامي، متجاوزاً بذلك العقبة الفلسطينية الكأداء، كما يريدها
ويخطط لها الاحتلال واليمين الصهيوني المتطرف.
الرياض وعلى افتراض أن الثمن الذي تطلبه من واشنطن، ترى فيه مصلحة وطنية للدولة وتثبيتاً لأركانها، إلا أنها تدرك أيضاً مستوى التحدّيات التي ستواجهها في هذا السياق
بالنسبة للسعودية وحسب
العديد من المصادر المنشورة، فقد طالبت واشنطن بالموافقة على حيازتها لمفاعل نووي
للأغراض السلمية على أن يجري تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وبيعها أسلحة أمريكية
متفوّقة، وتعهّد واشنطن بحمايتها من أي عدوان تتعرض له في مقاربة تجعلها بمصاف
الدول الأعضاء في حلف الناتو، وذلك كثمن للتطبيع مع إسرائيل.
الرياض وعلى افتراض أن الثمن الذي تطلبه من واشنطن، ترى فيه مصلحة وطنية للدولة
وتثبيتاً لأركانها، إلا أنها تدرك أيضاً مستوى التحدّيات التي ستواجهها في هذا
السياق، ومنها:
أولاً: كيفية الترويج
لهذا الأمر داخلياً وإسلامياً، وهي التي أخذت على نفسها تاريخياً الوقوف إلى جانب
عدالة القضية الفلسطينية، والدفاع عن القدس والأقصى قبلة المسلمين الأولى، وهي
الدولة التي تتشرّف بخدمة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة.
ثانياً: حكومة الاحتلال
الإسرائيلي هي الحكومة الأشد تطرفاً، والأكثر تنكراً لحقوق الشعب الفلسطيني،
وتنصلاً من الالتزام باتفاقيات أوسلو ومخرجاتها والقرارات الدولية ذات الصلة (242،
و338، و194). فكيف للسعودية أن تذهب بعيداً في التطبيع مع الاحتلال وهي التي
لطالما طالبته بالتزامه بمبدأ الأرض مقابل السلام، أي الانسحاب من كامل الأراضي
المحتلة عام 1967 مقابل السلام، وهو المبدأ الذي عبّرت عنه المبادرة العربية
للسلام في قمة بيروت لعام 2002، وهي مبادرة سعودية بالأصل، كانت ولا زالت تحظى
بإجماعٍ عربي في جامعة الدول العربية؟ فهل ستُقنع السعودية إسرائيل بالعودة إلى
مربع أوسلو الذي تجاوزته بقصدٍ وتخطيط، أم أن السعودية ستتجاهل القضية الفلسطينية
وتقفز عنها لصالح شؤون قُطْرية؟ أم أن هذا التحدّي سيكون سبباً وجيهاً في فشل مسار
التطبيع؟
ثالثاً: تفوّق إسرائيل
عسكرياً في المنطقة، وهو بُعد استراتيجي حرصت عليه تاريخياً، لما يشكله من ضمانة
وجودية لها على أرض فلسطين التاريخية، ما يعني أن مطالب الرياض من واشنطن ستثير
حفيظة تل أبيب، لا سيّما في ظل وجود حكومة صهيونية فاشية تتكئ على أفكار ومعتقدات
يمينية توراتية متطرفة، ما يشكل تحدياً جدّياً أمام الأطراف الثلاثة.
بالرغم من أن القضية الفلسطينية هي الحلقة الأضعف إلا أنها الأكثر خطورة وحساسية على طرفي المعادلة، فذهاب السعودية إلى التطبيع دونها يعدّ انتحاراً سياسياً سيقوّض مصداقيتها وصورتها على مستوى المنطقة والعالمين العربي والإسلامي، كما أن ذهاب إسرائيل وحكومة نتنياهو إلى مربع الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية للسلام، سيعدّ انتحاراً سياسياً لنتنياهو أمام حلفائه المتديّنين
رابعاً: كيفية إقناع
أعضاء الكونغرس الأمريكي، وخاصة الجمهوريين منهم بالموافقة على مطالب السعودية، لا
سيّما وأن الولايات المتحدة بدأت تتحضّر للسباق الانتخابي الرئاسي، وأي إنجاز في
مسار التطبيع سيُحسب لصالح الديموقراطيين والرئيس الأمريكي بايدن، فهل يفعلها
الجمهوريون ويضعون مرشحهم المفترض ترامب في مأزق؟ وهل السعودية يخدمها أن تكون
الإدارة الأمريكية القادمة ديمقراطية؟
خامساً: أي تقارب سعودي
إسرائيلي، سيشوّش على التقارب السعودي الإيراني حديث العهد برعاية صينية وسينسحب
تأثيره على الملف اليمني وأزمة السعودية في اليمن؛ وإذا كانت إدارة التوازن في
العلاقات بين الشرق والغرب صعبة فإن الأصعب هو صناعة معادلة شرق أوسطية متوازنة
تكون إسرائيل عنصراً فيها، لأن طبيعة سياسات إسرائيل قائمة على الاحتلال والتفوّق
والتنكّر للآخر، وفقاً لسياسة الأغيار التي ترى الآخر عبيداً في خدمة إسرائيل
والإسرائيليين، فما بالنا وإسرائيل تحكمها زمرة يمينية دينية متطرفة تفكّر
بإسرائيل الكبرى والتي تعدّ شمال السعودية جزءاً منها.
بالقدر الذي يبدو هذا
الأمر مثيراً للأطراف والمراقبين، إلا أنه مليء بالتحديات والحسابات المعقّدة،
وبالرغم من أن القضية الفلسطينية هي الحلقة الأضعف إلا أنها الأكثر خطورة وحساسية
على طرفي المعادلة، فذهاب السعودية إلى التطبيع دونها يعدّ انتحاراً سياسياً
سيقوّض مصداقيتها وصورتها على مستوى المنطقة والعالمين العربي والإسلامي، كما أن ذهاب
إسرائيل وحكومة نتنياهو إلى مربع الأرض مقابل السلام والمبادرة العربية للسلام، سيعدّ
انتحاراً سياسياً لنتنياهو أمام حلفائه المتديّنين في الحكومة (سموتريتش وبن غفير).
وإن كانت السياسة لا تعرف
المستحيل ولا تستسلم للتحديات، فهذا المسار يحتاج إلى مقاربات تبدو غاية في
الصعوبة، ما يعني حاجة الأطراف إلى بذل المزيد من الجهد والوقت في زمن تتسارع فيه
الأحداث، داخل فلسطين وخارجها، والتي قد تأخذنا إلى مسارات أكثر تعقيداً وليس
العكس.