نشرت
مجلة "إيكونوميست" مقالا تحدث فيه عن أخطاء الرئيس الأمريكي الأسبق
باراك
أوباما في
سوريا، لا سيما بعد "مجزرة
الكيماوي" في ريف
دمشق عام
2013.
وفيما
يلي المقال الكامل الذي ترجمته "عربي21":
قالت
فيه؛ إن قوات الرئيس السوري بشار الأسد وجهت ضربتها [قبل عشر سنوات] بعد الساعة
الثانية صباحا بقليل. وقال سكان الغوطة للصحفيين، إنهم سمعوا ضجيجا غريبا، كما لو
أن أحدا يفتح زجاجة بيبسي. وأوضح طبيب محلي، وهو يحبس دموعه، أن الكثير من الناس
لجؤوا إلى تحت الأرض، لكن الغاز كان أثقل من الهواء، وتجمع في الطوابق السفلية
والأقبية.
ولو
أنهم صعدوا الدرج بدلا من ذلك، لكانوا قد عاشوا. ولقي أكثر من 1000 شخص حتفهم في
تلك الليلة. وقام الطبيب بتوزيع حوالي 25 ألف أمبولة من الأتروبين و7000 أمبولة من
الهيدروكورتيزون على الفرق الطبية، حتى يتمكنوا من محاولة إنقاذ أولئك الذين كانوا
يعانون من آثار غاز الأعصاب.
أطلق
الأسد صواريخ مملوءة بغاز السارين على الغوطة في 21 آب/أغسطس 2013. وكان ذلك اليوم
الأكثر دموية في الحرب الأهلية السورية. لقد تحدى باراك أوباما، رئيس الولايات
المتحدة آنذاك، للعمل بناء على تحذيره بأن "الخط الأحمر بالنسبة لنا هو أن
نبدأ في رؤية مجموعة كاملة من الأسلحة الكيميائية يتم نقلها أو استخدامها. وهذا من
شأنه أن يغير حساباتي.".
بعد
عشر سنوات من الغوطة، يتذكر الناس "الخط الأحمر" الذي وضعه أوباما بشأن
سوريا، باعتباره لحظة حاسمة في رئاسته. وبدلا من توجيه ضربة فورية، قرر أولا أن
يطلب التصويت في الكونغرس، ثم وافق على عدم التحرك على الإطلاق إذا تدخلت روسيا
للإشراف على نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا. ويقول المنتقدون؛ إن إحجام أوباما عن
معاقبة الأسد قلل من مصداقية أمريكا، وأن العواقب لا تزال محسوسة حتى الآن.
وفي
حديثه مع "بي بي سي" الشهر الماضي، قال فرانسوا هولاند، الذي كان رئيسا
لفرنسا في ذلك الوقت؛ إن الأمر "كان سيئا بشكل خاص بالنسبة للشرق الأوسط.
وكان حاسما عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين الغرب وروسيا. وبالعودة إلى عام 2013،
أعربت مجلة الإيكونوميست عن أسفها لاختيار أوباما أيضا، وألقت باللوم عليه في "إضعاف
الغرب". لكن الأمر يستحق إعادة النظر في هذا الحكم. ورغم أنه ليس هناك من
يجادل في تآكل مصداقية الغرب على مدى العقد الماضي، فإن وابلا من صواريخ كروز التي
أطلقت على الأسد لم يكن لينقذه. وربما لم تكن لتنقذ الشعب السوري من المزيد من
الهجمات بغاز الأعصاب.
إن
"الخط الأحمر" الذي وضعه أوباما يشكل حالة غريبة من السياسة التي جاءت
عن طريق الصدفة، ثم نجحت ببراعة في شروطها الخاصة فقط لكي نتذكرها باعتبارها فشلا
تاريخيا. فهو يثير تساؤلات حول مدى قدرة القادة - أو ينبغي لهم - على وضع
المصداقية في قلب خططهم.
ومن
الغريب بالنسبة لمثل هذا السياسي الدقيق، أن أوباما تعثر في وضع خطه الأحمر. على
الرغم من أن المصطلح يشير إلى أنه استقر على إنذار نهائي بعد دراسة خياراته
بعناية، إلا أن الرئيس صدم مساعديه في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في 20 آب/ أغسطس
2012 عندما تحدث، على ما يبدو مرتجلا، عن العواقب إذا استخدمت سوريا الأسلحة
الكيميائية. ولم تنشر تصريحاته سوى عدد قليل من وسائل الإعلام، ربما لأن المسؤولين
أبلغوا على عجل بأنه من غير المرجح أن تتدخل الإدارة في سوريا.
لقد
تأخر المسؤولون كثيرا. أراد العديد من الأشخاص داخل الحكومة الأمريكية وخارجها،
بما في ذلك في لندن، أن تستخدم أمريكا القوة العسكرية لمنع الأسد من ارتكاب
الفظائع اليومية. لقد استغلوا كلمات أوباما. يقول ستيفن سايمون، المسؤول السابق في
إدارة أوباما ومؤلف كتاب "الأوهام الكبرى"، تاريخ جديد للسياسة
الأمريكية في الشرق الأوسط: "كانت القنبلة ستنفجر على الفور. لم يكن هناك
فتيل تأخير زمني مرتبط بهذا".
والأكثر
من ذلك، أن أوباما نفسه تردد، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2012 وآذار/ مارس 2013،
اتُهم الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. في المرة الأولى وصف أوباما هذه
الأسلحة بأنها "غير مقبولة على الإطلاق"، وفي المرة الثانية وصفها بأنها
"تغير قواعد اللعبة". ومع ذلك، وبعد بناء التوقعات، بعد ثلاثة أسابيع من
الغوطة، نفى الرئيس فجأة أن تكون مصداقيته على المحك، قائلا: "لم أضع خطا
أحمر. العالم وضع خطا أحمر".
بعد
فوات الأوان، يبدو أن خطأ أوباما كان أنه يريد الحصول على الأمرين في آن واحد.
وساعدت صياغة الخط الأحمر في تعزيز التحذير الأمريكي عندما بدا أن الأسد يفكر في
استخدام غاز الأعصاب لترويع شعبه. ومع ذلك، بعد هذه الفظائع، فإن الحزم الذي عكسته
التحذيرات أدى أيضا إلى زيادة تكلفة الظهور بعدم فعل سوى القليل جدا. من المعروف
أن ثيودور روزفلت، الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة، نصح القادة بأن
"يتحدثوا بهدوء ويحملوا عصا غليظة". استبدل أوباما الضجيج بالعصا، ودفع
ثمنا باهظا.
باستثناء
ذلك، إذا كان هدف أوباما هو منع سوريا من استخدام غاز الأعصاب، فقد نجح أيضا بما
يتجاوز التوقعات. وبعد أسابيع قليلة من الهجوم، كانت لدى روسيا خطة تقضي بإشراف
مفتشين دوليين على تفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا، إذا لم تضرب أمريكا.
ويعتقد
غريغوري كوبلينتز، خبير الأسلحة الكيميائية الذي يدرس في جامعة جورج ماسون في فيرفاكس
بولاية فيرجينيا، أن "اتفاق ضم سوريا إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية، كان أحد
أعظم إنجازات منع انتشار [الأسلحة الكيماوية] في القرن الحادي والعشرين".
وكان
لدى سوريا البرنامج الأكثر تقدما في الشرق الأوسط، الذي بنته لردع أي هجوم عسكري
تقليدي من جانب إسرائيل. وبتشجيع من روسيا والمساعدة الدولية والمساعي الحميدة
لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، دمرت 1300 طن من الأسلحة والسلائف الكيميائية،
و1200 ذخيرة، ودمرت 27 منشأة إنتاج. ويشير الدكتور كوبلينتز إلى أن 10 إلى 12
صاروخا قتلت أكثر من 1000 شخص في 21 آب/ أغسطس. وكان كل واحد منهم يحمل نحو 50
لترا من غاز الأعصاب يزن أقل بقليل من 55 كيلوغراما. وبالمقارنة، يعتقد أن غازات
الأعصاب التي دمرتها سوريا ربما كانت تزن 1000 طن، وهو ما يكفي لمهاجمة الغوطة
1800 مرة.
كان
السجل بعيدا عن الكمال. واصلت سوريا استخدام الكلور، بما في ذلك هجوم مميت للغاية
في عام 2018، الذي واجهه دونالد ترامب، خليفة أوباما، وبريطانيا وفرنسا بوابل من
صواريخ كروز. ويلاحظ الدكتور كوبلينتز أيضا أن سوريا احتفظت ببعض غازات الأعصاب -على الرغم من أنها جزء صغير من مخزونها الأولي-؛ لأن الأسد شن ثلاث هجمات أخرى بغاز
الأعصاب، على الرغم من أنها تسببت في أضرار أقل بكثير مما تسببت به في الغوطة. وفي
كل الأحوال، غطت روسيا على حليفتها، وألقت اللوم في الهجمات على قوات المتمردين.
خلال الجلسات الطارئة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أظهر سفير سوريا ازدراءه
من خلال تشغيل أغنية "Angry Birds" على هاتفه.
ولكن
من المؤكد أن السجل أفضل مما لو حاولت أمريكا وحلفاؤها إزالة الأسلحة الكيميائية
السورية من بعيد. يتذكر سايمون كيف كانت الأشهر الأولى من الحرب تدور حول كيفية
منع وقوع الأسلحة الكيميائية في الأيدي الخطأ. يقول: "لقد أمضيت الكثير من
وقتي في التعامل مع مجتمعات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية لتحديد مكان وجود
كل هذه الأشياء، وتتبع أو مراقبة مدى تعرض منشآت معينة لانتهاك قوات المعارضة
واستكشاف السبل مع قوات الولايات المتحدة حول كيف يمكن تدمير هذه المخزونات من قبل
الولايات المتحدة من جانب واحد، دون خلق خطر هائل على الصحة العامة".
بالإضافة
إلى ذلك، فإن الحرب الأهلية السورية لم تضعف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. فقد
أدانت العديد من الدول روسيا بسبب محاولتها تسميم سيرجي سكريبال، العضو السابق في
الكي جي بي الذي يعيش في بريطانيا، في عام 2018 وأليكسي نافالني، زعيم المعارضة،
في عام 2020 باستخدام غاز أعصاب آخر يسمى نوفيتشوك. ولا يزال الحظر المفروض على
الأسلحة الكيميائية قائما.
ولكن
إذا كان البرنامج السوري قد تم تفكيكه في معظمه وكانت اتفاقية الأسلحة الكيميائية
سليمة، فلماذا تتأثر مصداقية الولايات المتحدة؟ إحدى الإجابات، كما تقول كيرين
يارهي ميلو، عميدة كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، هي أن الخيارات
السياسية لها جماهير أبعد بكثير من هدفها الضيق. وفي حالة أوباما، كان هذا الجمهور
مليئا بالأشخاص الذين شككوا بالفعل في عزمه. إن حديثه الصارم حول الخط الأحمر في
سوريا، قد طغى عليه رغبته المعلنة في كثير من الأحيان في أن تخصص أمريكا قدر أقل
من مواردها لضبط الأمن في الشرق الأوسط - بل والعالم ككل. لقد تورطت الولايات
المتحدة في أفغانستان والعراق. كما انتهى قرار "القيادة من الخلف" في
ليبيا لإسقاط معمر القذافي، بطلب من بريطانيا وفرنسا، انتهى إلى حالة من الفوضى.
واعتبر بعض القادة في إسرائيل والخليج أن محاولات أوباما للتوصل إلى اتفاق مع
إيران بشأن برنامجها النووي، كانت متسامحة للغاية.
يقول
الدكتور يارهي ميلو إنه بالإضافة إلى الحكم على القادة بناء على السياسات، فإن
القادة يكتسبون أيضا "سمعة الإشارة" التي تعكس سجلهم في تنفيذ التهديدات
والوفاء بالوعود. يختلف الخبراء حول قيمة هذه السمعة. ويزعم البعض أن القوى
الأجنبية تتخذ قرارات متشددة، استنادا إلى تقييمها لقدرات الزعيم ومصالحه في الوقت
الحالي، وليس على ماضيه. ومع ذلك، يشير بحث الدكتور يارهي ميلو إلى أن القوى
الأجنبية، في العالم الحقيقي، تستخدم السمعة كدليل. وتقول: "شخص مثل بوتين لا
ينخرط في هذا النوع من الحسابات المفرطة في العقلانية. إنهم يستخدمون مسارات
مختصرة. وتلك تعتمد في كثير من الأحيان على تجربتهم الشخصية في التفاعل مع ذلك
البلد".
سايمون
يعتبر أن سمعة أوباما [بعدم رده على الهجوم] غير عادل إلى حد كبير. ويشير إلى أن
الرئيس الأسبق بدأ في عام 2013 عملية واسعة النطاق لتدريب ودعم الثوار في سوريا، التي كانت أكثر أهمية بكثير من ضربة عقابية على هجوم الغوطة. وكان زعماء الشرق
الأوسط على علم بهذا الالتزام، ولكن لا يبدو أن ذلك حظي بالثناء منهم. علاوة على
ذلك، يصف كتاب سايمون كيف سعى كل رئيس أمريكي، منذ الولاية الثانية لجورج بوش
الإبن، إلى الحد من التزام أمريكا تجاه الشرق الأوسط. ومع ذلك، يتم التعامل مع الخط
الأحمر بشأن سوريا، باعتباره نقطة تحول.
إذا
نظرنا إلى الوراء عبر عقد من الزمن، فإن سجل أوباما يظهر مدى صعوبة الحصول على
المصداقية. وأصر أوباما على أنه ليس لديه أي ندم. في عام 2016، قال لمجلة أتلانتيك؛ إن "إسقاط القنابل على شخص ما لإثبات أنك على استعداد لإسقاط القنابل عليه هو
أسوأ سبب لاستخدام القوة".
ومع
ذلك، فإن النجاح في التعامل مع الأسلحة الكيميائية السورية قد طغى عليه الحقيقة
الأكثر عمومية المتمثلة في ضعف موقف أمريكا في الشرق الأوسط ــ جزئيا باختيارها.
وقد برز ذلك بوضوح مع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014. ومما زاد الأمر
سوءا، حقيقة أن الرجل الذي تدخل للتعامل مع سوريا بمباركة أوباما هو بوتين. ومنذ
ذلك الحين، عزز قبضته على البلاد، وسخر من ادعاءات أمركيا بالعمل كشرطي عالمي،
وأرسل قواته إلى أوكرانيا. لقد ظل الخط الأحمر عالقا؛ لأنه يشكل استعارة قوية لكفاح
أمريكا للتكيف مع عالم معقد.