أثار مقترح برلماني
مصري يدعو البنوك المصرية للاستيلاء على الحصيلة
الدولارية للتجار والمصدرين، وتسليمها لهم بالعملة المحلية، استياء واسعا في الأوساط
الاقتصادية المصرية وعلى منصات مواقع التواصل الاجتماعي.
واقترح عضو مجلس النواب المصري، مجدي الوليلي، حظر سحب المصدرين والتجار للحصيلة الدولارية الخاصة بهم، إضافة للتنازل عنها لصالح الدولة، والحصول على ما يقابلها من العملة المحلية، على أن يتم ذلك داخل البنك، وبسعر الصرف الخاص به، وهو أقل من السوق الحرة (السوداء) بـ 10 جنيهات تقريبا عن كل دولار واحد (أي بحوالي الربع).
وطالب الوليلي، رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، ووزير المالية، محمد معيط، بالإسراع في وضع ضوابط وآليات واضحة للحصيلة التصديرية وعدم السماح بأخذها، قائلا إنه التقى مع وزير الصناعة والتجارة، أحمد سمير، وعرض عليه الأمر وستتم مناقشته ودراسته مع رئيس الحكومة.
وتأثر الاقتصاد المصري بالتبعات السلبية للحرب على أوكرانيا بارتفاع أسعار السلع الغذائية، وتذبذب سلاسل الإمدادات، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة، وسط استمرار المعاناة على صعيد ضعف التدفقات الأجنبية.
وتتوقع وزارة المالية، أن يبلغ عجز الميزانية 26.7 مليار دولار في السنة المالية 2024/2023، التي بدأت في أول تموز/ يوليو الماضي، بارتفاع من عجز تقديري قدره 723 مليار جنيه في 2023/2022، و486.5 مليارا في 2022/2021.
وقال النائب الوليلي: إن "مصر تواجه العديد من المشكلات اقتصاديا؛ بسبب العجز في التدفقات النقدية من العملة الأجنبية، وتأثير الأمر واضح وظاهر على تكدس الكثير من البضائع في الموانئ، وتكبدها لغرامات وأرضيات؛ مما يحملها تكلفة إضافية ترفع من سعرها النهائي للمستهلك".
وأضاف أن الدولة عليها التزامات مالية تجاه القروض المستحقة من الدين وفوائده والتزامات للسداد، معتبرا أنه يجب أن "تتضافر الجهود وألا تكون النظرة خاصة، وإنما عامة تخدم الدولة"، وذلك خلال مداخلة له على قناة "صدى البلد" المحلية.
وتقود مصر قائمة الدول العربية المدينة لصندوق النقد الدولي بإجمالي ديون مستحقة تبلغ 17.38 مليار دولار، في وقت تنظر فيه بدء مراجعة الصندوق لمؤشرات الاقتصاد المصري في آب/ أغسطس الجاري، وسط حالة عدم يقين بعدما خفضت وكالتا "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني للبلاد في آيار/ مايو الماضي مع نظرة مستقبلية سلبية.
"ليست مصادرة"
وذكر النائب الوليلي أن القرار المقترح يحتاج قرارات من مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة إضافة إلى وزير المالية، من أجل "التنازل عن الحصيلة التصديرية الدولارية الواردة للبنك داخل البنك".
واعتبر أن هذا الإجراء ليس مصادرة لأموال المصدرين، بل إنه سيتم إعطاؤهم ما يعادلها بالعملة المحلية، في وقت وصل فيه معدل التضخم السنوي العام في مصر لمستويات قياسية بـ 36.5% خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، وزاد معدل التضخم الشهري إلى 1.9% في الشهر ذاته.
وعند سؤال النائب عن الكيفية التي يفترض أن يعمل بها التجار والمصدرون، برر الوليلي أن هذا الإجراء ليس "بدعة إنما قرار عايشناه ونفذناه قبل ذلك"، مستشهدا بالقرار رقم 506 لعام 2005، الذي نص على التنازل عن 75% من الحصيلة التصديرية، على أن تتبقى الـ 25% موجودة في حساب المُصدر؛ لتغطية النفقات الدولارية المرتبطة بالنوالين، والاشتراك في المعارض، والعمولات للوسيط التجاري الخارجي.
والنولون البحري (مصاريف الشحن) هو عبارة عن مقدار النقود التي يتم دفعها لمالك السفينة لنقل البضائع وتسليمها بأمان من ميناء الشحن إلى ميناء التفريغ أو المكان المتفق عليه في عقد النقل البحري.
ويمثل الاحتياطي النقدي الدولاري جانبا أساسيا في الاقتصادات القومية، ومعيارا لقوة أو ضعف الاقتصاد على الصعيدين الدولي والإقليمي، ويتم توفيره عبر طرق مختلفة أهمها: تعزيز الصادرات والاعتماد على الاستثمارات الأجنبية والسياحة، وكذلك الاستدانة من الشركاء الدوليين.
وذكر النائب الوليلي أن الدولة "تنمي مواردها من العملة الأجنبية عبر مجموعة من المصادر، وهي: التصدير والسياحة وقناة السويس والعاملون بالخارج.. المصدرون يبيعون حاليا
الحصيلة الدولارية الخاصة بهم في السوق السوداء، وهو ما يؤدي إلى تشجيع هذه السوق دون استفادة الدولة".
واعتبر أن هذا الأمر منتشر وليس مجرد حالات أو بهدف التحذير، قائلا: إن هذا الوضع "تسبب بوجود مصدرين في السوق ليست مهنتهم التصدير لمجرد الحصول على حصيلة دولارية، ويستخدمونها في الاستيراد".
وتعاني مصر من أزمة سيولة في عملة الدولار، خاصة بعد الحرب على أوكرانيا، ومنذ 2016 مع موافقة صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضا قيمته 12 مليار دولار، تم خفض قيمة العملة المصرية أربع مرّات، وسط أنباء عن تخفيض آخر سيتم خلال الشهور المقبلة.
وتضمنت تصريحات الوليلي أن مقترحه لا يتصدر على مجال التصدير، بل يجب تطبيقه على إيرادات قطاع السياحة أيضا، قائلا: "نحن الآن لسنا في مرحلة خاصة، نحن في حرب، ويجب أن نقف مع الدولة، والقضية أصبحت بالنسبة للدولة أكون أو لا أكون".
ويذكر أن الوليلي اقترح في 27 آب/ أغسطس 2022، تجميع 25 مليار دولار من المصريين بالخارج، عبر مساهمة 10 بالمئة منهم تبلغ 25 ألف دولار بالإيداع أو التنازل عنها بالسعر الرسمي للبنك المركزي، بدلا من الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
وتعود هذه المقترحات للتذكير بتجربة المصريين بالخارج مع أزمة شهادات استثمار البنوك التي اشتروها ضمن مشروع حفر تفريعة قناة السويس الجديدة ودفعوا نحو 64 مليار جنيه مصري (8 مليارات دولار) حينها.
وبسبب ذلك، عانى الكثير من المودعين في الحصول على فوائد أموالهم، التي خسرت الكثير من قيمتها مع قرار الحكومة المصرية تعويم الجنيه عام 2016 بطلب من صندوق النقد الدولي، ليخسر المودعون نحو نصف قيمة مدخراتهم، مع انخفاض العملة المحلية من نحو 8 إلى 20 ثم إلى 16 جنيها مقابل الدولار في ذلك الحين.
"مصيبة مش مقترح"
بدوره، وصف الإعلامي المصري، محمد محيي الدين، المقترح بـ "المصيبة"، متسائلا: "كيف سيعمل المصدر عندما تأخذ الدولارات الخاصة به؟".
واستنكر محيي الدين تبرير الوليلي للقرار للحد من دعم "السوق السوداء" قائلا: "إذا كانت السوق السوداء حراما فيجب منعها، لكن الحكومة تتعامل مع السوق السوداء، وكذلك وزارة المالية والبنك المركزي، والمُصدر يتعامل معها أيضا لأن سعر البنك مش مزبوط".
وأثارت تصريحات الوليلي استياء واسعا في الأوساط الاقتصادية المصرية، وردودا غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، إذ أكد بعض المغردين أن الحكومة "لا تسعى لزيادة الإنتاج بقدر تحصيل الأموال من الناس".
وتضمنت التغريدات هجوما على الوليلي أيضا الذي تجاهل مشاكل الاقتصاد المصري عندما كانت البلاد تقترض بشكل كبير من الخارج.
خطة مشابهة
وسعى البنك المركزي المصري للحصول على فائض العملات الأجنبية لدى الشركات السياحية مقابل تقديم تسهيلات تمويلية، إذ ناقش مع رؤساء البنوك، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، كيفية استقطاب الحصيلة الدولارية لدى الشركات السياحية إلى القطاع المصرفي.
وتضمنت خطة البنك المركزي تقديم حوافز تتمثل في تسهيلات تمويلية للقطاع السياحي مقابل تنازل الشركات عن الفائض لديها من العملات الأجنبية للبنوك، إلا أن ذلك لم يحصل نتيجة الارتفاعات الكبيرة لأسعار الدولار في الأسواق غير الرسمية، بحسب صحيفة "البورصة" المصرية.
ونقلت الصحيفة عن أحد رؤساء الشركات السياحية قوله: "لا يمكن تصور أن تقوم شركة بالتنازل عن حصيلة العملات الأجنبية لديها بالأسعار الرسمية للبنك المركزي بينما هناك أسعار مختلفة للغاية في السوق الحرة".
وأظهرت بيانات للبنك المركزي المصري، الصادرة مطلع آب/ أغسطس الجاري، أن العجز في صافي الأصول الأجنبية زاد بمقدار 82.1 مليار جنيه (2.66 مليار دولار) في حزيران/ يونيو عن الشهر السابق، ليصل صافي الأصول الأجنبية إلى سالب 837.3 مليار جنيه (27.1 مليار دولار).
ويأتي هذا بينما بدأت بعض البنوك المصرية حاليا في تدبير عملة أجنبية للشركات غير المُصدرة، التي ليس لديها حصة تصدير، وذلك للقيام باستيراد مستلزمات إنتاج أو سلع كاملة الصنع من الخارج، إلا أنها تشترط قيام هذه الشركات بالتنازل عن عملات أجنبية لديها، تقارب ما سيقوم البنك بتدبيره لها لاحقا، دون سؤال الشركات عن مصدر العملة، بحسب مصادر تحدثت لقناة "العربية".
وساهمت هذه الخطوة في التخفيف من تراكم البضائع في الموانئ منذ عدة أشهر، في وقت من المفترض أنه لا يتم قبول فتح اعتمادات مستندية للاستيراد إلا بسداد قيمة الشحنات من حصيلة الصادرات والإفصاح عن مصدر العملات، وفقا لقواعد البنك المركزي المصري.
وأعلن البنك المركزي في نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، عودة العمل وفقًا لنظام "مستندات التحصيل" في تمويل جميع العمليات الاستيرادية بعد أن كانت قاصرة على معاملات معينة فقط.
وكان قد بدأ العمل وفقًا لنظام "الاعتمادات المستندية" في جميع التعاملات بداية شهر آذار/ مارس 2022، مع استثناء بعض السلع الأساسية الاستراتيجية.
ومستندات التحصيل هي أن يدفع المستورد للمورد الأجنبي جزءا من قيمة الشحنة وعندما تصل الشحنة تصل المستندات الخاصة بها، ومن ثم يحول المستورد باقي قيمة الشحنة، ويكون التعامل بين المستورد والمصدر بشكل مباشر، ويكون دور البنك وسيطا لتحويل الأموال فقط.
أما الاعتماد المستندي، فإنه يتمثل في فتح المستورد اعتمادا بكامل قيمة الشحنة المستوردة، وتعتبر الاعتمادات المستندية إحدى أدوات تمويل عمليات التجارة الخارجية من استيراد وتصدير، وتجري عن طريق البنوك، مما يضفي عليها الضمان والاستقرار نظرا لثقة المستورد والمصدر بوساطة البنوك في تنفيذ هذه الاعتمادات المستندية.