حظيت الأنباء المتداولة حول توجه شركة تركية نحو استئناف الرحلات السياحية إلى العاصمة السورية دمشق وبعض المدن الأخرى باهتمام المراقبين، وذلك نظراً لأن الخطوة "غير مسبوقة" منذ توتر العلاقات بين
تركيا والنظام السوري على خلفية اندلاع الثورة السورية في العام 2011.
وكانت
وسائل إعلام تركية قد أكدت أن شركة "فيست ترافيل" التركية للسياحة، فتحت باب الحجوزات لرحلة سياحية إلى
سوريا مدتها أسبوع في نيسان/أبريل 2024.
وأضافت صحيفة "حرييت" أن تكلفة الرحلة ستبلغ نحو ألفي دولار أمريكي.
وقال ممثل شركة "فيست ترافيل" إن الشركة كانت تنظم رحلات إلى سوريا منذ سنوات، ولكن مع اندلاع الحرب هناك عام 2011، اضطرت إلى تعليق الرحلات، مضيفاً: "الآن نستأنف الرحلات من جديد من لبنان إلى دمشق، ونحن نعمل مع الوكالات المحلية، فقد بدأت بلدان أخرى تسيير رحلات إلى سوريا، لذلك بدأنا نحن أيضاً".
وتابع وفقاً للصحيفة: "نراقب الوضع عن كثب في سوريا، وإذا لزم الأمر، سنعدل مسارات سفرنا، لن نسافر إلى مناطق في حال وجود مخاوف أمنية. سنختار طرقا بديلة ونتخذ الاحتياطات اللازمة كما سنبقى على اتصال مع السلطات المعنية للتحقق من المعلومات الأمنية قبل السفر".
وأشاد الممثل بالحضارة السورية وقال إن "التراث الفني والثقافي الغني لسوريا ينفتح على السياحة بعد حرب طويلة ومدمرة ومرهقة، ودمشق هي مركز مهم للحضارة الإسلامية، بمسجدها الأموي وقصر العظم، وسوق الحميدية وأكثر المدن تأثراً بالحضارة العثمانية في العالم".
وبدأ النظام السوري منذ العام 2018 بمنح تأشيرات سياحية، بعد إغلاق المجال منذ العام 2012.
نتيجة مسار التطبيع
من جهته، اعتبر الصحفي السوري المختص بالشأن التركي أحمد طالب الأشقر في حديث لـ"عربي21"، هذه الخطوة بأنها "تستكمل مسار التطبيع الذي بدأته الحكومة التركية مع النظام السوري".
وأضاف أنه رغم "التعثر الظاهر" في هذا المسار، إلا أنه يمكن اعتبار إعلان الشركة التركية عن استئناف الرحلات السياحية إلى سوريا، من المؤشرات على التقدم في التطبيع، بمعنى البدء برحلات سياحية وتنشيط التجارة للوصول إلى التطبيع الكامل والجلوس على طاولة واحدة.
لكنه لفت إلى الاحتجاجات ضد النظام السوري في الجنوب، والأزمة الاقتصادية، وقال: "ربما نشهد تغيراً في طريقة التعاطي التركي والعربي مع النظام، بحيث ستكون شروط التفاوض في حال استمرار الاحتجاجات مختلفة، ومن يعلم ربما لن يكون للأسد حصة وسيكون خارج اللعبة".
وفي آب/أغسطس أظهرت تركيا رغبتها بتطبيع علاقتها مع النظام السوري، وتوالت بعد ذلك الاجتماعات التي جمعت أكثر من مسؤول تركي بنظرائهم لدى النظام السوري برعاية روسية، ولم ينجم عن كل ذلك أي تقدم حقيقي، أو اتفاق بعد على لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان ورئيس النظام السوري بشار
الأسد.
ويبدو أن العديد من الملفات الخلافية، وفي مقدمتها الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، قد عرقلت تقدم هذا المسار.
تشكيك
في المقابل شكك الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، بما نقلته الصحيفة، وقال لـ"عربي21": "لم يصدر أي تعليق رسمي يؤكد هذا الخبر، وإنما هي توقعات من قبل شركات السياحة وتطلعات ربما تتحقق وربما لا حسب المعطيات والتطورات السياسية بين البلدين".
وتابع بقوله: "لا يوجد قرار قطعي رسمي باستئناف الرحلات السياحية، والأولوية بالنسبة لتركيا من المحادثات مع النظام السوري أمنها القومي ومحاربة التهديدات الإرهابية وفرض الأمن والاستقرار وعدم السماح بالتغيير الديموغرافي في سوريا".
وقال كاتب أوغلو إن "تركيا جادة في تطوير العلاقات من خلال فتح قنوات حوار لما فيه مصلحة البلدين والشعبين التركي والسوري وما تزال القنصلية السورية تعمل في إسطنبول لتلبية متطلبات السوريين المقيمين بتركيا، ولا يمكن منع مصالح الشعوب وإن كان هنالك خلافات سياسية بين الحكومات".
من جانبه، يرى الباحث والخبير الاقتصادي رضوان الدبس، أن الهدف من إعلان الشركة هو "الدعاية والترويج للتعافي الاقتصادي في سوريا".
وأضاف لـ"عربي21": أن "تسيير رحلات سياحية إلى بلد شبه مدمر ليس بالأمر اليسير"، وقال: "لا يمكن حالياً استئناف الرحلات السياحية بين تركيا والنظام السوري، دون تطبيع العلاقات بشكل كامل".
وقبل اندلاع الثورة السورية وصلت العلاقات التركية – السورية إلى أفضل مراحلها، نتيجة مسيرة نحو عقد من الانفتاح بين أنقرة ودمشق، وتحديداً منذ مطلع الألفية الثالثة بعد تسلم بشار الأسد السلطة ووصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة، حيث وصلت العلاقات الاقتصادية بين الجانبين إلى شبه التكامل، بعد أن تم تجاوز الخلافات بشأن أحقية ضم تركيا لإقليم لواء إسكندرون- هاتاي، والدعم الذي تقدمه سوريا لـ"حزب العمال الكردستاني".
لكن، بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، اختلفت تركيا مع طريقة النظام السوري في مواجهة الثورة، وبدأت باحتضان اللاجئين السوريين، ودعم "الجيش السوري الحر" الذي شكلته المعارضة، لتبدأ بذلك مرحلة من القطيعة والتوتر، واقتصرت العلاقات بين الجانبين على الجانب الأمني، حتى عُقد بموسكو في أواخر كانون الأول/ديسمبر الاجتماع الثلاثي (تركيا، روسيا، النظام السوري) على مستوى وزراء الدفاع.
وتركز تركيا حالياً في مقاربتها للملف السوري على ملف اللاجئين السوريين، وخطر التنظيمات الكردية التي تصنفها أنقرة "إرهابية" شمالي سوريا، إلى جانب الحسابات الاقتصادية، حيث تمثل سوريا بموقعها بوابة تركيا على العالم العربي.