اعتلت الدهشة وجوه الكثير من زبائن إحدى
المكتبات المدرسية الواقعة بإحدى ضواحي محافظة الجيزة
المصرية، وهم يطالعون
أسعار
الكتب الخارجية والأدوات الدراسية التي قفزت أسعارها إلى مستويات غير مسبوقة؛ استعدادا للموسم الدراسي الجديد.
وتبدأ الدراسة في
المدارس الحكومية مع نهاية شهر
أيلول/ سبتمبر، ويبلغ إجمالي عدد الطلاب في مراحل
التعليم قبل الجامعي نحو 25.5
مليون طالب في أكثر من 60 ألف مدرسة، بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم
المصرية.
وتعد هذه المرة الأولى التي يواجه فيها
الأهالي الأسعار الجديدة للمستلزمات المدرسية، منذ بدء عملية خفض الجنيه أمام
الدولار بأكثر من 50% رسميا و75% بالسوق الموازي في آذار/ مارس 2022، حيث كان
التأثير طفيفا بسبب اقتراب انتهاء العام الدراسي.
ووقف المهندس الأربعيني محمد جمال
وبصحبته 3 أطفال في مراحل دراسية مختلفة وسط المكتبة التي تعج بالزبائن مشدوها، وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة وهو يطالع الأسعار الجديدة للأدوات المدرسية
المختلفة؛ كالحقائب والكراسات والأقلام والكتب الخارجية، وغيرها من الأدوات
الثانوية.
وبسؤاله عن سبب اندهاشه الشديد، أجاب في ذهول:
"لا أكاد أصدق أن هذه أسعار الأدوات المدرسية الجديدة، بعض الحقائب تخطى
سعرها الألف جنيه (32 دولارا)، وبعض الألوان الخشبية بـ 300 جنيه، وزجاجات حفظ
المياه والطعام وحافظة الأقلام بـ 200 جنيه للنوع الجيد، هذا كثير، كنا نشتريها
العام الماضي بنصف الثمن".
وأضاف لـ"عربي21": "لدي
3 أطفال في المدارس، ولا أدري كيف يمكن تدبر الأمر لفصل دراسي واحد فقط".
كم تنفق الأسر المدرسية على التعليم؟
ويشكل باب الإنفاق على المدارس والدروس
الخصوصية والأدوات المدرسية جزءا كبيرا من مصروفات الأسر المصرية، ويبلغ إجمالي
إنفاقها على التعليم في مراحل التعليم قبل
الجامعي، 482 مليارا و247 مليون جنيه، وفق إحصائيات 2019-2020، أي ما يعادل حينها
30 مليار دولار بسعر الصرف في ذلك الوقت.
بالعودة إلى الأدوات المدرسية والكتب
الخارجية، تشير بعض التقديرات إلى أن الأسر المصرية تنفق أكثر من 20 مليار جنيه
بالأسعار القديمة قبل إجراءات تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، ما يعني أنها قد
تصل إلى ضعف هذا الرقم هذه الأيام.
وإزاء ارتفاع الأسعار، تأخرت الحكومة
في الإعلان عن معارض "أهلا مدارس"، التي كانت تقيمه بمشاركة عشرات
الشركات في القاهرة وعدد من المحافظات بأسعار مخفضة وإن كانت بجودة أقل، حيث كانت
تبدأ فعاليات المعارض مطلع الشهر الجاري لإتاحة الفرصة لشراء المستلزمات الدراسية،
ولكن تم الإعلان عنها في النصف الثاني من الشهر الحالي بسبب عزوف الشركات عن
المشاركة.
وعلق سيد مصطفى، صاحب إحدى المكتبات في
محافظة الجيزة، على ارتفاع الأسعار بالقول: "هناك ارتفاع كبير في أسعار كل
شيء، بداية من القلم وحتى الكتاب؛ سواء المحلي أو المستورد، ونقوم بحجز البضاعة قبل
أن تنفد من مستودعات ومخازن الشركات أو المستوردين، الذين يفرضون أسعارا باهظة
بسبب ارتفاع تكلفة التصنيع والاستيراد".
وفي حديثه لـ"عربي21" أشار
إلى أن "بعض الأهالي لجؤوا إلى تقليص قائمة الطلبات المدرسية التي تفرضها
بعض المدارس الخاصة، ولجأ البعض إلى إعادة استخدام ما تبقى من العام الماضي".
وبشأن الأسعار الجديدة، أوضح مصطفى أن
"الزيادات لا تقل عن 50% في جميع الأدوات الدراسية الجديدة، وتصل إلى 75% في
بعض المنتجات الورقية كما في الكتب الخارجية"، وأشار إلى أحد الكتب قائلا:
"هذا الكتاب للصف الخامس الابتدائي كان يباع بـ 145 جنيها الآن يباع بـ 255
جنيها".
سؤال في البرلمان وزيادة في أسعار المدارس
والحافلات
وانتقلت أصداء أسعار الكتب الخارجية
والأدوات الدراسية إلى أروقة البرلمان المصري، ووجه أحد النواب سؤالا برلمانيا إلى
رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم بشأن أسباب لجوء الطلاب وأولياء الأمور للكتب
الخارجية وهجرة كتب الوزارة.
وانتقد ارتفاع أسعار بعض الكتب الخارجية إلى
أكثر من 700 جنيها، مشيرا إلى أن موازنة الدولة تتكلف طباعة كتب مدرسية بنحو 1.5
مليار جنيه (نحو 49 مليون دولار سنويا)، وسط توقعات بارتفاعها هذا العام بسبب
ارتفاع تكلفة الطباعة والورق دون أن يقرأها أحد.
وفيما يتعلق بمصروفات المدارس، أقرت
وزارة التربية والتعليم نسب الزيادة الجديدة في مصروفات العام الدراسي الجديد 2023-2024، وذلك في المدارس
الخاصة والدولية، بنسب تراوحت بين 10% و25% على الأقل.
وزادت مصاريف الحافلات المدرسية أكثر من 30%
بداية من العام الدراسي الجديد، رغم زيادتها العام في النصف الثاني من العام
الماضي بأكثر من 25% بعد قرار خفض الجنيه وزيادة أسعار البنزين، بحسب قائمة أسعار
العام الدراسي الجديد.
خفض الجنيه وتقييد الاستيراد
وأرجع نائب رئيس شعبة الأدوات المكتبية
بالغرفة التجارية، بركات صفا، "أسباب الشعور بالارتفاع الكبير في أسعار الكتب
الخارجية والأدوات المدرسية، إلى أنه الموسم الأول للأهالي في شراء المستلزمات
الدراسية لعام 2023/2024، ولم يشعروا بأي زيادة العام الماضي لأن قرار تعويم
الجنيه أو خفضه جاء بعد بدء الفصل الدراسي الثاني ثم جاءت إجازة الصيف، لذلك عندما
عادوا للموسم الجديد تفاجؤوا بالأسعار وكأنها ارتفعت دفعة واحدة".
وأوضح في تصريحات
لـ"عربي21": أن "طن الورق ارتفع من 15 ألف جنيه إلى 40 ألف جنيه،
وقفز سعر الدولار من 15 جنيها إلى 31 جنيها بالبنوك و40 جنيها بالسوق الموازي، إلى
جانب أن المصانع المصرية تبيع الورق بسعر أقل من المستورد بـ 10% ولا يغطي الإنتاج
الاستهلاك المحلي، وعندما تزيد التكلفة على المصنعين، فهي بذلك تزيد على
المستهلكين في نهاية المطاف".
واعتبر أن "انخفاض القوة الشرائية
للجنيه خلال عام أضعف قدرات المصريين على الشراء، وزاد من أسعار السلع المتعلقة
بالحياة اليومية للمواطنين، ونعتمد على الاستيراد بنسبة 60% من أجل تغطية
احتياجاتنا من الأدوات المكتبية، ونقوم بتغطية الـ 40% الباقية بالإنتاج المحلي، مع
الإشارة إلى أن 80% من مدخلات الإنتاج المحلي مستوردة بالأساس".
وتحتاج مصر إلى استيراد ما يقرب من 300
ألف طن ورق سنويا؛ لسد الفجوة بين حجم الاستهلاك البالغ 450 ألف طن والإنتاج
المحلي الذي لا يتخطى 170 ألف طن، كما تستورد أكثر من 60% من مستلزمات الدراسة من
الخارج.
للحد من أزمة نقص النقد الأجنبي التي ضربت
البلاد منذ آذار/ مارس 2022، فرضت مصر
قيودا على استيراد السلع من الخارج؛ بهدف تقليص فاتورة الاستيراد ولكنها أضرت
بالكثير من الصناعات المحلية، وزادت من التكلفة، وأدت إلى تراجع المعروض.