تعرض
فيلم "غولدا" الذي يحكي عن تفاصيل تعامل رئيسة وزراء
الاحتلال السابقة،
غولدا مائير، خلال أحداث
حرب أكتوبر 1973، لانتقادات واسعة، سواء على مستوى أحداثه ورؤيته والحقائق التي يقدمها، أو على مستوى الإنتاج الفني والسنمائي، من كبرى المواقع المتخصصة.
يجري ترويج "غولدا" على أنه "فيلم تشويقي تدور أحداثه خلال 19 يومًا متوترة من حرب 1973، ويجب على رئيسة الوزراء الإسرائيلية، التي تواجه احتمال التدمير الكامل لإسرائيل، أن تتغلب على الصعاب الساحقة، والحكومة ومجلس الوزراء المتشككين، إضافة للعلاقة المعقدة مع وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر".
وذكرت
صفحة الفيلم على موقع شركة "بليكر ستريت" الموزعة له أن "هذه التحديات تأتي مع وجود حياة الملايين على المحك، إلا إن قيادتها الصارمة وتعاطفها ستقرر في النهاية مصير أمتها وتترك لها إرثا مثيرا للجدل حول العالم".
بينما قدم موقع
IMDB المخصص في بيانات الأفلام "غولدا" على أنه قصة عن "المسؤوليات والقرارات الدرامية وعالية المخاطر التي واجهتها مائير، المعروفة أيضًا باسم سيدة إسرائيل الحديدية، خلال حرب يوم الغفران".
وتعرض الفيلم للانتقاد حتى قبل بدء عرضه بالولايات المتحدة في 25 آب/ أغسطس الماضي، ورغم تبني منظمة "أونست ريبورتنغ" الآراء التي رفضت أداء الممثلة البريطانية الشهيرة والحائزة على الأوسكار، هيلين ميرين، للدور باعتبار أنها ليست يهودية، إلا أنها لم تهاجم الفيلم، بل دافعت عن بعض أحداثه التي تتمشى مع السردية الإسرائيلية.
وقالت المنظمة إن فيلم "غولدا"، الذي سيصل إلى دور السينما في بريطانيا في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، أي مع ذكرى حرب 1973، "أصبح وسيلة لنشر الكراهية".
تشويه حقائق
تبدأ أهم أحداث الفيلم بإعلان "مائير" أن "إسرائيل" تتعرض لهجوم من مصر وسوريا يهدد بقاءها، دون الإشارة إلى أن حرب أكتوبر ككل كانت جزءا من حرب قائمة أصلا منذ سنوات، وأن سيناء والجولان وفلسطين كانت محتلة من الدولة الناشئة حديثا.
وقالت المحاضرة في برنامج الدراسات الثقافية الأمريكية في جامعة "ويسترين واشنطن"، ندى إيليا: إنه "من الواضح أن المخرج غاي ناتيف لم يكن يريد أن يُظهر لنا الكثير من الإنسان الذي يقف وراء الأسطورة أو فقط تلك السمات البشرية التي يمكن أن تجعلها أسطورة بشكل أكثر".
وأضافت إيليا في
مقال لها على موقع "ميدل إيست آي" أن "السرد الصهيوني يتخلل الفيلم بشكل كامل، ويظهر ذلك في عبارة "هذا هو عام 1948 مرة أخرى" التي قالتها غولدا في الفيلم"، مضيفة أن "المشهد أراد إظهار أن "إسرائيل" هي التي تعرضت للهجوم عام 1948 وليس فلسطين".
وأوضحت أن الفيلم يزعم أن العرب، في إشارة إلى المصريين والسوريين؛ دون ذكر الفلسطينيين أبدا، لا يحزنون على موتاهم، في حين أن "وفاة كل جندي يهودي يُقتل في المعركة يثقل كاهل روحها"، مشيرة إلى "تزين الفيلم بافتراءات صهيونية مهينة أخرى".
وذكرت أن "التأثير العام للفيلم هو عكس ذلك تماما، فنحن نرى دولة راغبة في استخدام طاقتها النووية للاحتفاظ بالأراضي التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني، وسياسي متلاعب راغب في انتزاع الأسلحة من الولايات المتحدة، حتى عندما تبدو تلك الدولة مترددة في تقديم هذه الأسلحة دون قيد أو شرط"، في إشارة إلى الضغط الإسرائيلي الهائل الممارس على الولايات المتحدة لدعمها عسكريا، بعدما تضررت ترسانتها من الضربات المصرية والسورية.
وبينت أن هذا على عكس صورة "القائد الأخلاقي البطولي الذي أراد المخرج والمنتجون بالتأكيد إثارة إعجابنا به".
وذكرت أنه "رغم أن المقصود من كل ذلك بلا شك تعزيز الدعاية الإسرائيلية، إلا أن فيلم غولدا فشل في ذلك".
أما الناقد والمخرج، أمير العمري، فقد وصف الفيلم بأكمله على أنه "عمل أحادي قصد به استعادة ذكريات تلك الحرب من وجهة نظر المحتل، واستدرار العطف مجددا على الكيان المحتل الذي يواجه حاليا شبه انتفاضة ضد سياساته المتطرفة، وهو المبرر الوحيد الذي نراه لظهور هذا الفيلم البائس حاليا".
وأضاف العمري في
مقال له: "كلما تصاعد الرأي العام وانتبه إلى التجاوزات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، يظهر عمل دعائي يقصد منه الدعاية لإسرائيل واستدرار التعاطف معها".
وأوضح أن الفيلم "يسير في خط شبه وثائقي، ليحاول إعادة تجسيد مسار الأحداث التي سبقت ولحقت بحرب أكتوبر، من وجهة نظر الاحتلال بالطبع، وهي أحداث معروفة كتب عنها الكثير، ونشرت في مذكرات القادة الإسرائيليين، وصنعت عنها أفلام وثائقية كثيرة".
بدروها، قالت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام: "الأمر ليس أنه لا يمكن إنتاج الأفلام لمعالجة الإرث المعقد لزعماء العالم؛ وفي الواقع، نحن ندعم مثل هذه المساعي، لكن غولدا هو فيلم عنصري بشدة يهدف إلى الترويج للمشروع الإسرائيلي وقادته، وهو أمر من واجب دور السينما عدم عرضه".
وأشارت المنظمة إلى تصريحات مائير العنصرية التي قالت فيها: "لم يكن هناك شيء اسمه فلسطينيين، ولم يكن الأمر كما لو كان هناك شعب فلسطيني في فلسطين وجئنا وطردناهم وأخذنا بلادهم منهم، لم يكن لهم وجود".
وأضافت أن عنصرية مائير لم تقتصر على الفلسطينيين، فهي استخفت علانية باليهود من دول مثل إيران وليبيا ومصر وسوريا ووصفتهم بأنهم يعملون على “مستوى القرن السادس عشر، ولكي يتم قبول اليهود من هذه البلدان في المجتمع الإسرائيلي، فإنهم بحاجة إلى الارتقاء”.
تقييم سلبي
تعرض الفيلم لتقييمات سلبية واسعة، وحصل على تقييم 53 بالمئة فقط على موقع "
روتين توميتوز" الشهير في تقييم الأفلام مع علامة "فاسد"، وهي أقل درجات التقييم.
كما أن تقييم الفيلم على موقع
IMDB وصل إلى 6.3 من 10، والذي يعتمد بالأساس على تصويت الجمهور، كما أن هذا التقييم يعد منخفضا بالنسبة لأفلام السيرة الذاتية.
ويذكر أن فيلم "داركيست آور" الذي يروي أيضا أبرز لحظات رئيس وزراء بريطانيا الشهير، ونستون تشيرتشل، خلال الحرب العالمية الثانية، حصل على تقييمات إيجابية جدا على ذات الموقعين، وهو أيضا من بطولة نجم بريطاني شهير وحاصل على جائزة الأوسكار، غاري أولدمان.
وتضمنت مراجعة موقف "
هوليود ريبورتر" انتقاد الهيئة البصرية التي ظهرت فيها الممثلة هيلين ميرين، وذلك بوصها بالمغطاة حرفيًا من الرأس إلى أخمص القدمين باللاتكس والكتل، بدءا من الشعر المستعار الرمادي المفرق من المنتصف وصولا إلى الأطراف الاصطناعية الموجودة فوق زوج من أحذية "غولدا" اللافتة.
وجاء في المراجعة أنه بالكاد يمكن تمييز الممثلة هيلين ولا يمكن التعرف عليها، إضافة لطرح تساؤل عن ما إذا كان بإمكان صناع الفيلم تحريك الشخصية بتأثيرات بصرية وجعل الممثلة المرموقة تقوم بالصوت فقط.
وانتقد الموقع وجود الكثير من التدخين في الفيلم، لدرجة أنه يبدو أحيانًا وكأنه نوع من الترفيه المتخصص لمدمني التبغ.
أما صحيفة "
واشنطن بوست" فقد قيمت الفيلم بنجمتين فقط، قائلة إن السيناريو الذي كتبه، نيكولاس مارتن، كان مبالغا فيه عندما تضمن قول غولدا: "أنا سياسية، ولست جندية"، عندما تجاهلت بحسب الفيلم محاولات مستشاريها المنافسين، وزير الجيش موشيه ديان، ورئيس الموساد تسفي زامير، ورئيس الأركان العسكرية دادو إلعازار، ومدير المخابرات إيلي زيرا، لحملها على الالتزام بخطة العمل.
وأضافت الصحيفة أنه "في نقطة أخرى، بعد أن تحول تيار المعركة ضد إسرائيل، نشاهد مائير وهي تعصر يديها من الألم بقوة شديدة لدرجة أنها تسيل الدماء، وهي استعارة خرقاء للتواطؤ في مقتل الإسرائيليين".
وذكرت أن الفيلم تجاهل المرأة التي تقع في مركز القصة، ولم تحظ بشخصيتها وتناقضاتها إلا بقدر قليل من الاهتمام، وأنه لا يقدم صورة عميقة عنها، إنما مجرد "خدش للسطح".
بينما قالت شبكة "
سي إن إن" إن الإخفاقات الإسرائيلية في الحرب كانت مبنية على الثقة المفرطة للغاية، وعلى أن وزير الجيش موشيه ديان، "يحتقر تماما الصفات القتالية للجيوش العربية".
وأضافت الشبكة أن هذا الازدراء غير مبرر إلى حد كبير؛ كما قال أحد قادة السرية الإسرائيلية، إن القوات المصرية "قاتلت بتصميم وعملت بشكل جيد للغاية".
وذكرت أن الفيلم لا يفعل سوى القليل للاعتراف بجودة الجنود العرب، أو مدى مفاجأة الإسرائيليين لهم، مضيفا أن هناك أيضا القليل من النقاش حول الرئيس المصري، أنور السادات، الذي كان لامعا وشجاعا من عدة جوانب.
في حين قالت قناة Bad Movie Reviews، وهي قناة مخصصة لمراجعة الأفلام السيئة إن الفيلم "ممل وخافت وأحادي البعد".
ووجهة القناة انتقادات للفيلم بسبب تشويهه للحقائق التاريخية وعدم عرض النظرة العنصرية لغولدا تجاه العرب والفلسطينيين، لا سيما أن لها العديد من التصريحات بهذا الخصوص.