في أول مقابلة له مع شبكة أمريكية كبرى منذ العام 2019، أجرى ولي
العهد السعودي محمد بن سلمان مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية لصالح برنامج
"تقرير خاص" الذي يقدّمه بريت باير، تمّ بثّها صباح يوم الخميس الماضي.
تطرّقت المقابلة إلى عدد من القضايا المهمّة على الصعيدين الداخلي والخارجي
للمملكة العربية
السعودية.
على الصعيد الخارجي، برزت بعض المواضيع ذات الدلالات
السياسيّة لعلّ أهمّها العلاقة مع الولايات المتّحدة الامريكيّة والتي كانت قد
دخلت مرحلة كبيرة من التوتر في بداية عهد بايدن، ومع اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا،
وأخيراً مع قرب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وذلك على خلفية عدد من الملفات
المهمّة لعل أبرزها أسعار الطاقة، والتنسيق السعودي ـ الروسي في هذا المجال.
علاوةً على ذلك، فقد تمّ مناقشة القضية الفلسطينية ومحاولات التطبيع
الجارية بين إسرائيل والسعودية. وفي الملف الإيراني تحديداً، سأل المذيع ولي العهد
السعودي عمّا إذا كان يشعر بالقلق إذا ما حصلت إيران على
سلاح نووي، ثم أضاف
سؤالاً آخر قائلاً "إذا ما حصلت إيران على سلاح نووي، هل ستحصلون عليه
كذلك؟"، فأجاب ولي العهد السعودي بأنّه "إذا حصلت إيران على سلاح نووي،
فسيكون علينا الحصول على سلاح نووي أيضاً"، معلّلاً ذلك بأنّه ضرورة للحفاظ
على الأمن وتوازن القوى.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، كيف ستحصل السعودية على سلاح
نووي إذا ما امتلكت إيران سلاحاً نوويا؟ خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ امتلاك
سلاح نووي يحتاج إلى قدرات ليست مالية فقط وإنما علمية وبشرية وسنوات طويلة من
تدريب الكوادر وتخريج العلماء بالإضافة إلى البنية التحتية والتقنية اللازمة
لإنتاج مثل هذه القنبلة والتي قد تمتد لعقود. بمعنى آخر، الحصول على الأسلحة
النووية عملية معقدة، تتأثر بعوامل عديدة، بما في ذلك المعاهدات الدولية،
والديناميات الإقليمية، والقدرات التكنولوجية. هذه المعطيات تثير علامات استفهام
حول آلية حصول الرياض على السلاح النووي إذا امتلكت إيران القنبلة النووية.
من الناحية النظرية الصرفة، هناك عدّة فرضيات حول كيفية حصول
السعودية على سلاح نووي مستقبلاً. خيار تطوير القدرات الذاتية محلّياً على سبيل
المثال يتطلب من المملكة أن تستثمر الكثير من الوقت والمال والجهد لتطوير برنامج
للأسلحة النووية. ستحتاج البلاد إلى أن تكون مستقلّة كذلك تماماً في عملية استخراج
أو استيراد المواد الخام الضرورية للمشروع بما في ذلك اليورانيوم، بالإضافة إلى
إتقان دورة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية لصنع أسلحة نووية، يليها مستويات
أخرى من تطوير قدرات على تصنيف القنبلة نفسها وأيضاً وسائل نقل القنبلة، أي في هذه
الحالة صواريخ بالستيّة قادرة على حمل رؤوس نووية. سيستغرق هذا المسار وقتًا
طويلاً حتى إذا ما افترضنا أنّ العناصر الأساسية متوفّرة له (وهي غير متوقرة في
حقيقة الأمر)، وسيسلّط الضوء على المملكة إقليميا ودولياً ويخضعها حتماً لعقوبات.
إن سعي المملكة العربية السعودية للحصول على أسلحة نووية سيكون له آثار جيوسياسية عميقة. ومن المرجح أن يكون هناك ضغط دولي شديد على المملكة، فهي دولة موقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وأي تحرّك في الاتجاه المعاكس سيكون بمثابة انتهاك لهذه المعاهدة وستكون له تداعيات دولية خطيرة.
هناك أيضاً خيار شراء قنبلة نووية، وهو الخيار الذي لطالما تمّت
الإشارة إليه في سياق الإفتراضات المحتملة ويتضمن سعي المملكة لشراء سلاح نووي أو
تكنولوجيا ذات صلة من دولة نووية. غالباً ما كان يتم طرح إسم باكستان كمُرشّح قوي
لتمكين المملكة من تطوير سلاحها الخاص أو بيع قنبلة نووية لها، لكن إذا كان هذا الاحتمال
ضعيفاً دوماً لاسيما بعد الكشف عن حلقة العالم النووي خان الذي ساعد عدداً من
الدول العربية والإسلامية على تطوير جزئيات مهمة في نشاطها النووي، فإنّه أصبح
اليوم أكثر ضعفاً وربما يكون معدوماً، لاسيما في ظل العلاقات السعودية ـ الهندية
المتنامية على حساب باكستان. ولذلك ربما يكون احتمال اللجوء إلى كوريا الشمالية
قائماً، لكن ومع ذلك، فإنّ مثل هذه الصفقة ستنطوي على عمل سري ومخاطر كبيرة للبائع
والمشتري معاً.
من الفرضيات النظرية أيضاً هو إمكانية أن تتعاون السعودية مع دولة
نووية صديقة لتطوير رادع نووي مشترك. وقد يشمل ذلك نقل التكنولوجيا أو التطوير
المشترك. هذا النهج من شأنه أيضاً أن يشكل انتهاكاً لمعاهدة حظر الانتشار النووي
ويخاطر بإمكانية خضوع الطرفين لضغط دولي وعقوبات على الجانب السعودي. وبموازاة
ذلك، هناك احتمال أن تلجأ السعودية مثلا إلى السوق السوداء لتأمين مواد نووية، وهي
طريقة محفوفة بالكثير من المخاطر والتحديات، بما في ذلك خطر التعرض للاحتيال،
وإمكانية الكشف الدولي، وخطر التعامل مع المواد النووية غير المؤمنة...الخ.
ويبدو الخيار الأكثر منطقيّة في هذا السياق، لاسيما إذا حصلت إيران
على سلاح نووي خلال فترة قصيرة، هو أنّ تسعى السعودية إلى الحصول على ضمانات
أمنيّة من حليف نووي، وتحديداً توفير المظلّة النووية للمملكة العربية السعودية.
هذا الخيار لا ينطوي في حقيقة الأمر على امتلاك الرياض للسلاح النووي، ولكنه قد
يردع الخصوم بسبب القدرات النووية للحليف.
في نهاية المطاف، وبغض النظر عن الفرضيات التي ذكرناها، فإن سعي
المملكة العربية السعودية للحصول على أسلحة نووية سيكون له آثار جيوسياسية عميقة.
ومن المرجح أن يكون هناك ضغط دولي شديد على المملكة، فهي دولة موقّعة على معاهدة
حظر الانتشار النووي، وأي تحرّك في الاتجاه المعاكس سيكون بمثابة انتهاك لهذه
المعاهدة وستكون له تداعيات دولية خطيرة. علاوةً على ذلك، فإنّ الديناميات
الإقليمية ستتأثّر بشدّة ممّا قد يؤثر على قرار الآخرين امتلاك نفس القدرات
النووية كذلك..