يحلو
للبعض أن ينتقي جزئية صغيرة من منظومة ضخمة قائمة على الباطل وغارقة في الباطل وما
زالت مصرّة على ممارسة الباطل بأسوأ أشكاله الممكنة، يأتي بهذه الجزئية ليحاكمك
عليها بقمّة الروح الإنسانيّة والأخلاقيّة. فواقع هذا الكيان منذ بدايته وحتى هذا
اليوم غارق في أحقر وأسوأ درجات الإجرام والسلوك البشري، ولا داعي للذهاب بضرب
الأمثلة وأشكال الإجرام التي لا تعدّ ولا تحصى، فقد قام على القتل وارتكاب المجازر
والتطهير العرقي واحتلّ
فلسطين.. وما زال قائما على هذا الباطل ومصرّا على أعتى
الممارسات البشريّة والتي آخرها إلقاء مئات الأطنان من المتفجرات والقنابل
الممنوعة دوليا، فسفورية وارتجاجية وفراغية، على بيوت السكّان الآمنين بطريقة غير
مسبوقة. فهل هناك رعب وإرهاب وتوحّش ودمار شامل لحياة الإنسان أبعد من هذا؟
لقد
نشأت المقاومة في سياق الردّ على
جرائم الاحتلال، وهو أمر طبيعيّ لكلّ أمّة أو شعب
وقع تحت الاحتلال أو العدوان، فما بالنا هذا الاحتلال الذي بلغ ما بلغ في الإمعان
بكلّ أشكال الجريمة، مدعوما بقوى الاستكبار العالمي التي ما زالت تمارس الاستعمار
بأشكال متعدّدة. ففرنسا مثلا ما زالت تفاخر وتحتفظ بجماجم ضحاياها خلال فترة
استعمارها للجزائر، وما زالت ترتكب جريمة الاستعمار في نهب ثروات دول أفريقية
وتتركها في حالة من الجوع والفقر المدقع، ثم تأتي لتنظّر على الناس في عالم القيم والأخلاق
وحقوق الإنسان.. وبريطانيا ما زالت تحتفل بوعد بلفور الذي كان سببا في نكبة
فلسطين، وأمريكا في كلّ تدخلاتها الخارجية تمارس أقسى أنواع الجريمة كما فعلت في
أفغانستان والعراق والصومال ودعمها اللامتناهي للاحتلال
الإسرائيلي.
هؤلاء
يتحدّثون عن
الأخلاق ويتباكون على حقوق الإنسان، وآخر من يحق له أن يتحدّث عن الأخلاق
هم هؤلاء، فأفعالهم وجرائمهم تفضحهم ولكنهم يجيدون التسويق الإعلامي لروايتهم
المضلّلة.. وتأتي هذه الدولة في هذا السياق الذي يمتاز بارتكابه لكلّ أشكال
الجريمة وبأعلى مستوياتها ثم تأتي بصلف عجيب لتتحدّث عن الأخلاق أو القيم
الإنسانية، ولتقوم أيضا بتمثيل دور الضحيّة وهي في دائرة الفعل تقوم بدور الجلاد
بأسوأ صورة عرفها البشر، تماما كما فعل شمعون بيريس مرّة بإدانة قناة الجزيرة
لأنها تبثّ صور قتل الأطفال، أمّا من يقتلهم فلا غضاضة في ذلك!!
اليوم
تقوم هذه الدولة باستهداف الأحياء السكنية في
غزة فتقتل المدنيين والأطفال والنساء
بأبشع الصور الممكنة، وهذا كما يسبّب لنا وللحسّ الأخلاقي الإنساني العالمي الحرّ
أعلى درجات الألم، إلا أنه يخبر بفشل ذريع في ميدان المعركة، مما يدفعها لأن تهرب
إلى هذه الأهداف السّهلة، هذا من شأنه أن يرفع من درجة الغضب والسّخط على هذه
الدولة فلسطينيّا وعربيّا وإسلاميّا وعالميا. وأهم شيء من هم في رأس الحربة
الفلسطينيين، فهذا سيؤكد في نفوسهم أن لا بديل أبدا عن مقاومة هذا المشروع الفاشي
ولا مكان له ولا مكانة إلا موقع النقيض التامّ..
لا
حلّ لهذا المشروع المجرم والذي من سماته الأساسية ممارسة الجريمة؛ إلا بتفكيكه،
وما نشهده من تطوّر نوعي على أداء المقاومة ربما يكون إيذانا بزوال هذا الكيان.