قالت صحيفة "
فايننشال تايمز" إن "مخاوف خروج فلسطينيي
غزة تلبد سماء
القاهرة وتثير مخاوفها، فمع مغادرة مئات الآلاف من
الفلسطينيين منازلهم في شمال غزة إلى الجنوب، يتزايد القلق في
مصر من الأزمة الإنسانية التي قد تندفع عبر الحدود إليها".
وأضافت الصحيفة، في تقرير مراسيلها في القاهرة وبروكسل وبرلين، أن "مصر تشترك مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الحدود مع غزة المحاصرة، وتتعرض لضغوط من الولايات المتحدة والدول الغربية كي تسمح للفلسطينيين الذين يحملون جوازات أجنبية بالخروج من معبر رفح الحدودي".
وأكد التقرير "أن الخوف الأكبر لدى القاهرة هو أنه في حال استمرار هجوم الاحتلال الإسرائيلي على غزة وزيادة المعاناة الفلسطينية، ستجد مصر نفسها أمام ضغوط لكي تقبل تدفق اللاجئين إلى سيناء، وهي منطقة غير مأهولة بشكل كبير بالسكان وقاحلة وبتاريخ من عدم الاستقرار".
وتابعت
الصحيفة بأن "رسالة مصر للدبلوماسيين الغربيين كانت واضحة: مستعدة لنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة ولكنها ترفض الضغط عليها لقبول عدد كبير من الفلسطينيين".
وفي هذا السياق، حذّر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الإثنين، من "التهجير القسري" مشيرا إلى أنه "ليس هو الحل للأزمة الفلسطينية". وبلغة أكثر حدة قال مسؤول مصري بارز لنظيره الأوروبي: "تريدون منا قبول مليون شخص؟ حسنا سأرسلهم إلى أوروبا، ولو كنتم حريصين على حقوق الإنسان، خذوهم".
وقال المسؤول الأوروبي: "في الواقع، المصريون غاضبون جدا، بسبب الضغوط عليهم لقبول اللاجئين؛ لكن الضغط سيزداد مع خطط الدولة اليهودية لعملية طويلة وغزو بري في غزة، المنطقة الفقيرة والمحاصرة منذ 16 عاما ويعيش فيها 2.3 مليون نسمة".
وفرضت القوات الإسرائيلية الحصار على غزة منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وقتل فيها 1.400 شخص حسب المسؤولين الإسرائيليين. وقتل القصف الجوي ما يقرب من 3.000 شخص، بشكل تفوق على قتال استمرار 50 يوما في 2014. ومنعت إسرائيل وصول الإمدادات الكهربائية والماء والوقود والسلع إلى القطاع الذي تسيطر عليه حماس وأمرت نصف سكانه بالرحيل من مناطق الشمال المكتظة بالسكان إلى جنوبه، وتتحدث منظمات الإغاثة الدولية عن كارثة إنسانية.
وأثارت تحذيرات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للمواطنين في غزة وضرورة الجلاء عن الشمال، المخاوف بأنه يريد ترحيلهم إلى سيناء. فيما دعت بعض الدول الأوروبية علنا لفتح معبر رفح؛ وقال وزير إيطالي إن "على مصر إظهار قيادتها في العالم العربي".
وفي سياق متصل، يرى إعلام الدولة المصرية أن "إفراغ غزة من سكانها سينهي حلم الدولة الفلسطينية ويحلل إسرائيل من مسؤوليتها كدولة محتلة". وبالنسبة للقاهرة، فرحيل الفلسطينيين إلى سيناء سيكون كابوسا قد يطلق العنان للضغوط التي تريد تجنبها؛ إذ أن المنطقة كانت ساحة لتنظيم الدولة وتنقصه البنية التحتية في وقت تعاني مصر فيه من أزمة اقتصادية خانقة.
ويقول المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، مايكل وحيد حنا، إن "هناك أسئلة بدون أجوبة حول العدد المناسب للفلسطينيين في مصر أثناء الأزمة، كم العدد وما هي المدة؟ وحتى لو كانت حماية إنسانية مؤقتة، وبعد العملية الإسرائيلية فلن يتبقى للفلسطينيين ما يعودون إليه"؛ ملاحظا أن عمليات التهجير الفلسطينية السابقة أصبحت دائمة.
وقضى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن عقودا بدون أي أمل بالعودة إلى قراهم وبلداتهم؛ بينما يلاحق الفلسطينيين والعرب شبحُ النكبة التي هجر فيها نصف الشعب الفلسطيني عام 1948، وهناك حوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني موزعون في الشرق الأوسط، حسب الأمم المتحدة، ظل موضوع عودتهم مسألة عالقة في مفاوضات التسوية بعد أوسلو.
وقال حنا إن "هناك عوامل أمنية في ذهن المصريين فقد قاتلت تمرد تنظيم الدولة في شمال سيناء وكان ترابطها مع المتطرفين في غزة قضية رئيسية، ولا تريد مصر مراقبة مجتمع منفي يريد أفراد منه قتال إسرائيل من أراضيها".
ومع استمرار المفاوضات حول المعابر الإنسانية، سمحت مصر للحافلات والشاحنات بالتجمع على الطرق قرب الحدود، لكن لا شيء تحرك بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح لها بالعبور. وقال مسؤول المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيثس، إن "لدى مصر حق بناء منذ البداية على المساعدات، لكن القاهرة وضعت خطا بشأن التدفق الفلسطيني عبر المعبر".
إلى ذلك، يقول المصريون: "نحن جاهزون في ظروف معينة ونقل المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولكننا وتحت أي ظرف، لن نسمح للأشخاص بدون جنسية مزدوجة بالخروج من غزة إلى مصر"، حسبما قال دبلوماسي غربي. مضيفا: "يقول الإسرائيليون العكس: نحن مستعدون للسماح بخروج الناس من غزة وبأعداد كبيرة ولسنا مستعدين للسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ونحن عالقون بسبب هذا".