بينما خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع في أنحاء العالم
في 13 تشرين الأول/ أكتوبر للتعبير عن تضامنهم مع
الفلسطينيين، حظرت كل من ألمانيا
وفرنسا كل هذه الاحتجاجات.
وأطلقت الدولتان، وبهما أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في
دول الاتحاد الأوروبي، حملة لكبح الجماعات المؤيدة للفلسطينيين منذ أن اجتاح مسلحو
حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الحدود من غزة، وقتلوا أكثر من 1400 إسرائيلي في
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وتقول الحكومتان؛ إن القيود تهدف إلى وقف الاضطرابات
العامة ومنع معاداة السامية. لكن المؤيدين للفلسطينيين يقولون؛ إنهم يشعرون بأنهم
ممنوعون من التعبير علنا عن دعمهم أو عن قلقهم على الناس في قطاع غزة، الذي تديره
حماس، دون المخاطرة بتعرضهم للاعتقال أو فقد وظائفهم أو وضعهم كمهاجرين.
وقُتل أكثر من 3500 شخص في غزة منذ أن شنت إسرائيل
حملة قصف انتقامية، في حين تسبب الحصار الشامل الذي يمنع دخول الغذاء والوقود
والدواء إلى القطاع في أزمة إنسانية.
وقالت مسكة مجدوب، وهي طالبة فرنسية جزائرية تدرس
التاريخ وتبلغ من العمر 20 عاما: "نحن خائفون، قلقون من اتهامنا بتبرير
الإرهاب، في حين أننا نريد فقط دعم قضية إنسانية".
وكانت تتحدث خلال احتجاج محظور في باريس، يوم الخميس
الماضي، فرّقته الشرطة بالغاز المسيل للدموع ومدافع المياه.
وفرض وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان حظرا على
مستوى البلاد على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين الأسبوع الماضي، وأرجع الأمر إلى
خطر حدوث اضطراب عام. وتم حظر تسعة احتجاجات في باريس منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وفي مطلع هذا الأسبوع، أصدرت شرطة باريس حظرا على
"وجود وتنقل الأشخاص الذين يقدمون أنفسهم على أنهم مؤيدون للفلسطينيين".
وأصدرت منذ 12 تشرين الأول/ أكتوبر 827 غرامة واعتقلت 43 شخصا.
وفي ألمانيا، قال متحدث باسم الشرطة؛ إن شرطة برلين
وافقت على طلبين لتنظيم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين منذ الهجمات الأولى التي شنتها
حماس، وكان طلب التصريح بهما مقدما على أنهما وقفتين صامتتين. لكن تم رفض السماح
بسبع مظاهرات على الأقل، بما في ذلك واحدة تحت شعار "يهود برلين ضد العنف في
الشرق الأوسط"، والأخرى تحت شعار "شباب ضد العنصرية". وتم اعتقال
190 شخصا على الأقل خلال احتجاجات.
وتقول الحكومتان الفرنسية والألمانية؛ إنهما بحاجة
لحماية الجاليات اليهودية؛ نظرا لتصاعد أعمال العنف المعادية للسامية منذ الهجمات
التي شنتها حماس، والتي يصنفها الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول جماعة إرهابية.
وفي ألمانيا، يتخذ الأمر منحى أكثر حدة؛ بسبب ما يقال
عن مقتل ستة ملايين من اليهود الأوروبيين في محرقة على يد النازيين. وقال المستشار
أولاف شولتس للمشرعين الأسبوع الماضي؛ "إن تاريخنا ومسؤوليتنا عن المحرقة
يجعل من واجبنا في كل لحظة الدفاع عن وجود إسرائيل وأمنها".
وقال دارمانان يوم الثلاثاء؛ إن
فرنسا شهدت 327 فعلا
معاديا للسامية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ، وأُلقي القبض على 183 شخصا
بتهمة معاداة السامية أو تبرير الإرهاب.
وتقول جماعات حقوق الإنسان؛ إنه يتعين حماية الجاليات
اليهودية، لكنها تشعر بقلق إزاء
قمع احتجاجات مشروعة.
وقال بنجامين وارد نائب مدير هيومن رايتس ووتش:
"قانون حقوق الإنسان لا يسمح للحكومة بالقول بشكل عام؛ إن هناك مخاوف بشأن
العنف، واستخدام ذلك كمبرر لحظر الاحتجاجات". وأضاف: "السؤال هو ما إذا
كان ذلك متناسبا، وأعتقد أن هذا هو ما يثير القلق".
ومنعت المجر والنمسا أيضا احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بينما خرجت في بقية أوروبا مسيرات كبيرة مؤيدة
للفلسطينيين مع قيود أقل.
مسؤولية تاريخية
يوجد في برلين إحدى أكبر الجاليات الفلسطينية في
المهجر خارج الشرق الأوسط، وتضم نحو 30 ألف فلسطيني، ومن ثم يتزايد القلق إزاء
ما يحدث في غزة.
وفي احتجاج بدون تصريح في برلين الأسبوع الماضي، قال
فلسطينيون تحدثوا إلى رويترز؛ إنهم قلقون من التحدث علنا، خوفا من وصفهم بأنهم
مؤيدون لحماس في بلد يُعد فيه دعم إسرائيل من المقدسات.
وقال صالح سعيد وهو يقف على أطراف التجمع: "أشعر
أنه لا يُسمح لنا بالتعبير عن آرائنا في ألمانيا". وقال ألماني عمره 32 عاما
وُلد لأبوين فلسطينيين؛ إنه يندد بعمليات حماس.
وأبلغت سلطات التعليم في برلين المدارس الأسبوع الماضي، أنها يمكن أن تمنع الطلاب من وضع الكوفية الفلسطينية ورفع ملصقات "فلسطين
حرة".
وحرصت الحكومات الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية
على توثيق علاقاتها بإسرائيل على خلفية المحرقة. وقال فيليكس كلاين، مفوض الحكومة
الألمانية لمكافحة معاداة السامية؛ إن تاريخ البلاد يعني أنه يتعين عليها أن تكون
يقظة بشكل خاص.
وحتى قبل هجوم حماس على إسرائيل، كانت ألمانيا تقيد
المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين؛ إذ حظرت سلطات برلين العديد منها لأسباب تتعلق
بالسلامة العامة.
وقالت منظمة العفو الدولية في أيلول/ سبتمبر؛ إن
الأسباب التي تعلل بها الشرطة الألمانية القيود على المجموعات المؤيدة للفلسطينيين، تستند على ما يبدو إلى "قوالب نمطية من التشويه والتمييز"، مستشهدة
بإشارات في أوامر الشرطة إلى أشخاص "من الجالية العربية، لا سيما من ذوي
الخلفية الفلسطينية".
فرنسا تضيق الخناق
في فرنسا كانت المجموعات المؤيدة للفلسطينيين تواجه
أيضا قيودا قبل الهجمات. وأسقطت محكمة عليا حكما لأخرى أقل درجة العام الماضي بحظر
منظمتين، هما "رابطة فلسطين ستنتصر" و"لجنة العمل من أجل فلسطين"،
قائلة؛ إن مواقفهما "الجريئة، وحتى المعادية" لا تشكل خطاب كراهية أو
إرهاب.
وأعلن وزير الداخلية دارمانان أنه أطلق إجراءات قضائية
بتهم "معاداة السامية والدفاع عن الإرهاب ودعم حماس" ضد 11 منظمة، بينها
"رابطة فلسطين ستنتصر" و"لجنة العمل من أجل فلسطين" اللتان
تنفيان الاتهامات.
وردا على التماس ضد تعليمات دارمانان، قالت محكمة أمس
الأربعاء؛ إن السلطات المحلية يجب أن تمنع الاحتجاجات على أساس كل حالة على حدة.
وفي مذكرة حول مجموعة من الاحتجاجات الأسبوع الماضي،
قالت أجهزة المخابرات الفرنسية؛ إن هذه الاحتجاجات ستجذب "عناصر متطرفة من
اليسار المتطرف، وقريبة من الحركات الإسلامية، وشبابا من الأحياء غير
المستقرة".
وقال أشخاص تحدثوا إلى رويترز خلال احتجاج محظور في
باريس يوم الخميس الماضي؛ إن تحرك الحكومة لمنع التجمعات من أجل الفلسطينيين غير
عادل، لكنه ليس مفاجئا.
وقال الطاهي هورتنس لا تشانس (32 عاما): "الحكومة
تتساهل عندما يتعلق الأمر بجرائم إسرائيل. إنهم متحيزون ويظهرون ذلك".