فيما يواصل جيش
الاحتلال التحضير لتنفيذ حملته البرية على قطاع
غزة،
فقد بدأ الحديث لتهيئة الرأي العام لديه بأنها ستكون بطيئة وعميقة ومؤلمة، وستتطلب
كل الموارد والقوى لديه، وأن مئات الآلاف الذين تم تجنيدهم في صفوف الاحتياط، لن
يتم إطلاق سراحهم قريبا.
ألون بن دافيد الخبير العسكري في
القناة 13، أكد أن إخفاق الاحتلال في
صد "طوفان الأقصى" يحمل إمكانية حدوث تغيير جذري في التوازن الإقليمي.
وأكد أن "طوفان الأٌقصى" أخطر بكثير مما حدث في 1973، كونها
ألحقت أضرارا أكبر بكثير من حرب أكتوبر، ورغم ذلك فإن قيادة الاحتلال السياسية
تحذف كلمة "مسؤولية" من قاموسها، وتنشغل كلياً بالبقاء الشخصي وتصفية
الحسابات السياسية، في خضم الحرب.
وأشار إلى أن التهديد الذي يواجه الاحتلال أكبر بكثير مما تمكنت
حماس
من خلقه بالفعل، لأن الآخرين في المنطقة أدركوا أن هناك فرصة لتحقيق نبوءة تدمير "إسرائيل"،
واعتقدوا أن لحظة الضعف هذه فرصة لشن هجوم من لبنان وسوريا وحتى إيران، لمحو الاحتلال
الذي اعترف بالتهديد الوجودي.
وأضاف: "لعل إدراك الإدارة الأمريكية أن إيران على وشك خوض حرب
مدمرة ضد إسرائيل، دفع الرئيس بايدن لتنحية رواسب الماضي مع نتنياهو، والوقوف
بجانب إسرائيل، لإنقاذها".
ولفت إلى أنه "عندما تبدأ الحملة البرية، لن تكون سريعة وحادّة
كما يحب الاسرائيليون، بل بطيئة وعميقة ومؤلمة، وستتطلب كل الموارد لديهم، ومئات
الآلاف الذين تم تجنيدهم في الاحتياط لن يتم إطلاق سراحهم قريبا، لأنهم على وشك
دخول غزة، وهم يعترفون بأن هذه حرب وجودية".
جاكي خوجي محرر الشئون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي، حذر أنه
"في حال دمر الجيش قدرات حماس، فإن الكثير ينتظره في اليوم التالي، مع تزايد
السيناريوهات، وستحتاج إسرائيل لنفس طويل وتفكير مرهق للمفاضلة بينهما، رغم أنه من
كافة النواحي، من السابق لأوانه الحديث في هذه المرحلة عن اليوم التالي للحملة،
ليس لأنها ستدوم طويلاً، بل بسبب الأوهام التي سترافق الإسرائيليين خلالها".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
معاريف، وترجمته "عربي21" أنه
"صحيح أن الهدف المعلن للعملية العسكرية هو القضاء على حماس، كما قال القادة
مراراً وتكراراً، لكن من الأفضل أن يبدأ التفكير في اليوم التالي من الآن، لأن
الهدف يتلخص في صياغة أجندة جديدة في القطاع، والقضاء على حماس ليس سوى محطة في
الطريق إلى هناك، ومن بين كل الخيارات المطروحة على الطاولة، فإن الخيار الأكثر
عملية، حتى لو لم يكن مثالياً على الإطلاق، هو عودة السلطة الفلسطينية، التي تحظى
بإعجاب وقبول المجتمع الدولي، وستحظى عودتها بدعم كافة اللاعبين المهمين: إسرائيل
والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا".
وأشار أنه "رغم طردها من غزة قبل سبعة عشر عاما، لكن السلطة لا
تزال صاحب السيادة في الأراضي الفلسطينية، ويرجح أن يوافق أبو مازن على فرض سيطرته
في غزة، رغم أن المهمة خارج نطاق قدراتها المالية والبشرية والتنظيمية هذه الأيام،
مما سيتطلب آلية دعم دولية واسعة، وقد يطوي حياته باستعادة غزة التي فقدها، ورغم
أن صورته العامة في انحسار، وسلطته ضعيفة وفاسدة، لكنه قد يعود حتى لو تم تصويرها
بأنها عادت على رأس الدبابة الإسرائيلية".
وأوضح أن "السيناريو الثاني الذي يحلم به الكثير من الإسرائيليين
هو عودة القطاع لمصر، رغم أنه لا يعود عليها بأي ربح أو منفعة، وليس صدفة أنه في
محادثات كامب ديفيد لم يتحدث السادات عن رغبته باستعادتها، لأنها ليست جزءً من
سيناء، وبالتالي ليست أرضًا مصرية، بل هناك مصلحة مصرية بتركها خارج سيادتهم، بل
إن الوضع الحالي يسمح لهم بالحفاظ على مكانتهم كوسطاء، مما زاد من اعتماد إسرائيل
عليهم في كل أزمة نشأت في السنوات الأخيرة".
وأكد أن "هناك سيناريو ثالث يرتبط باليمين الإسرائيلي الذي يرى
فائدة باستعادة غزة، بحيث قد يفرض الجيش سيادة متجددة عليها، ولكن لفترة قصيرة،
حيث لكن لا توجد حكومة عاقلة ستكلف جنودها بشكل دائم بالمهمة الملقاة على عاتقهم
في الماضي، كالتعليم والنقل والصرف الصحي والبنية التحتية لمليوني سكان غزة قبل
وبعد إعادة الإعمار".
وأشار إلى أن "السيناريو الرابع والأخير هو تعيين حكومة دولية
مثل الأمم المتحدة أو رابطة سياسية تنشئها دول الرباعية ( الولايات المتحدة،
روسيا، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي) مع بعض الشراكة العربية، هذا اقتراح
ممتاز لسكان غزة، وكذلك لإسرائيل، و يضمن الشفافية والتعاون معها، وقد يحقق نتائج
إيجابية على المدى القصير، وقادر على تخليصها من هموم كثيرة، مع مشاركة الهيئات
الدولية خلال المرحلة الانتقالية المستمرة عدة سنوات لإعادة تأهيل القطاع، لكن مثل
هذا الجسم لن يقف بمفرده للأبد، لأن سكان غزة سيرغبون بإدارة حياتهم
بأنفسهم".
تؤكد هذه السيناريوهات الإسرائيلية وغيرها أنه في أي واحد منها فإن
القطاع بحاجة لإعادة إعمار، لكن الحكومات الغربية اليوم لا تمتلك المليارات التي
امتلكتها في الماضي، وكانت مستعدة لاستثمارها بإعادة التأهيل والإعمار، فضلا عن
ضرورة إقناع المستثمرين بأن القطاع سيكون منزوعا من السلاح.
صحيح أن الاحتلال ماضٍ في مخططه العدواني لتدمير قدرات حماس العسكرية
والحكومية، لكنهم يبدو مطالباً أيضًا بالبدء بالتفكير في اليوم التالي، لأن نهاية
القتال ليست نهاية الحرب، فقد تعلم حلفاؤهم الأمريكيون ذلك في العراق وأفغانستان،
لذلك بينما يبدأ بالتحرك العسكري للقضاء على حماس، سيتعين عليه البدء بالتخطيط
للعمل السياسي التالي، وهنا معركة أخرى لم يتحضّر لها جيدا بعد.