ترفض
مصر والدول العربية تهجير سكان قطاع
غزة الذي ظهر إلى الواجهة منذ بدء الحرب على قطاع غزة مطلع الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، ودعوة جيش الاحتلال السكان إلى مغادرة مدينة غزة وشمالها إلى الجنوب، وتسوية أجزاء واسعة بالأرض وتحويلها إلى أطلال.
وفي سيناريو أشبه بالاستدراج، أخلف جيش الاحتلال بوعوده ولاحق النازحين إلى جنوب مدينة غزة، وشن هجمات جوا وبحرا وبرا لا تقل دموية أو همجية على آلاف المنازل والمنشآت، راح ضحيتها آلاف المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وكأنه يدفع بهم نحو النزوح جنوبا إلى حدود مصر.
على المستوى العربي، طالبت تسع دول عربية مجلس الأمن الدولي، في بيان وزاري مشترك، الخميس، بإلزام الأطراف بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، مؤكدة رفضها استهداف المدنيين والتهجير القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك سياسة العقاب الجماعي.
الموقف المصري الرسمي تكرر أكثر من مرة في أكثر من مناسبة، وأكد اجتماع مجلس الأمن القومي المصري برئاسة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، رفضه خيار التهجير، وأكد "استهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار".
تراهن دولة الاحتلال على دعم الولايات المتحدة، حيث طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن –الجمعة الماضية- مخصصات أمنية ضخمة تقارب 106 مليارات دولار، تتضمن مساعدات عسكرية قدرها 61 مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار دولار لإسرائيل، من دون أن يقدم استراتيجية واضحة للحصول عليها من الكونغرس.
مخطط إسرائيل – الغرب
في غضون ذلك، كشف معهد "مسجاف" للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، عن ما سُمّي بـ"برنامج لإعادة التوطين والتأهيل النهائي في مصر للسكان كافة"، يشمل الجوانب الاقتصادية كافة المتعلقة بكل من غزة ومصر، بالقول؛ إنها "تتوافق مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل، ومصر، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية".
واعتبرت الخطة أن "استثمار بضعة مليارات من الدولارات (حتى لو كانت 20 أو 30 مليار دولار) لحل هذه المشكلة الصعبة هو حل مبتكر، وغير مكلف، ومستدام... وبالنسبة لدول أوروبا، فإن نقل جميع سكان غزة إلى مصر وإعادة تأهيلهم بتقليل كبير لمخاطر الهجرة غير الشرعية إلى أراضيهم، يعتبر ميزة كبيرة".
وزعمت المصادر أنه "يمكن التوصل إلى هذه الصفقة بين مصر وإسرائيل في غضون أيام قليلة، بعد بدء تدفق المهاجرين من غزة إلى مصر عبر معبر رفح، وهناك بالفعل مئات الآلاف من سكان غزة الذين يرغبون في مغادرة القطاع، ويجب على الجيش الإسرائيلي توفير الظروف الملائمة لسكان غزة للهجرة إلى مصر، بالتعاون مع الجانب المصري على الحدود (وبالمقابل المناسب).
مؤشرات على الأرض
رغم الموقف المصري الرسمي الرافض للتهجير، إلا أن المؤشرات على الأرض وتحديدا في شمال
سيناء تثير العديد من التكهنات وعلامات الاستفهام، على سبيل المثال؛ أقامت مصر 3 مستشفيات ميدانية وخياما بالقرب من حدودها مع قطاع غزة؛ استعدادا لتدفق محتمل للجرحى الفلسطينيين، وفقا لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال، عن مسؤولين مصريين كبار.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "استعدادا لتدفق الناس من غزة، يقول مسؤولون كبار؛ إن مصر أقامت طوقا أمنيا إضافيا للمنطقة العازلة القائمة على الحدود، وقد تم إغلاق العريش الساحلية، التي تبعد نحو ساعة بالسيارة عن غرب رفح، التي أصبحت نقطة تجمع للإمدادات الإنسانية.
وقالت الصحيفة؛ إن المسؤولين المصريين ناقشوا وضع حد أقصى لعدد الفلسطينيين الذين ستسمح لهم مصر بالدخول إلى 100 ألف، حتى تتمكن من إدارتهم في المناطق المحصورة، مشيرين إلى أن الاستعدادات تجري لنصب خيام في رفح ومدينة الشيخ زويد.
الموقف المصري.. حمال أوجه
الموقف المصري الرسمي ليس إلى الأبد، بحسب السياسي المصري حاتم أبو زيد، خاصة أن هناك سوابق تؤكد استعداد النظام الحالي للتفريط في الأرض أو ثروات الشعب مقابل مكاسب مادية، ودلل على حديثه بالقول: "التفريط في جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بمقابل مادي كبير، والتنازل عن حقوق المصريين في حقول غاز المتوسط مقابل استثمارات أجنبية في مجال الطاقة، وإضاعة حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل لصالح الاعتراف بالنظام الجديد أفريقيا".
مضيفا لـ"عربي21" أن "هناك ضغوطا تمارس على مصر غربيا وعربيا من أجل القبول بتوطين جزء من سكان قطاع غزة في شمال سيناء أو في المحافظات، مقابل دفع أموال كبيرة أو إسقاط جزء كبير من الديون أو ضخ استثمارات جديدة، خاصة أن مصر في أسوأ أزمة اقتصادية".
وكان موقع "مدى مصر" الإخباري المستقل، نقل عن مصادر مطلعة قولها؛ إن "مختلف الأطراف الدولية ناقشت مع مصر حوافز مختلفة لها مقابل قبول أي حركة نزوح فلسطيني باتجاه سيناء، وهناك ميل داخل دوائر صناعة القرار السياسي في القاهرة إلى الموافقة".
وأضاف الموقع، في تقرير له، الذي اضطر إلى حذفه لاحقا بسبب ضغوط مورست عليه من قبل السلطات: "حتى الآن، يظل الموقف الرسمي المصري رافضا بشكل قاطع لسيناريو نزوح فلسطيني جماعي، رغم الضغوط الشديدة التي تواصلها الدول الغربية عليها... لكن مقاومة الضغوط المتواصلة ليست بهذه السهولة".
وكانت السلطات المصرية أخلت المنطقة الحدودية الفاصلة مع قطاع غزة من السكان، إضافة إلى مدينة رفح المصرية خلال السنوات الماضية، وحتى الآن تماطل في عودتهم رغم بناء آلاف الوحدات السكنية منذ سنوات.
ولفت الموقع إلى أنه من المفترض أن تحصل القاهرة على "مجموعة من المساعدات المادية هي في أشد الحاجة إليها، وسط أزمة اقتصادية خانقة ومعدلات تضخم هائلة، وتلك التفاصيل لا تزال قيد النقاش". وقال مصدر دبلوماسي يعمل في عاصمة غربية؛ إن "مصر لا تتطلع على الإطلاق لاستضافة فلسطينيين، لكن إذا اضطرت مصر لهذا، فلا بد أن يكون هناك تعويض مالي ما".
إسرائيل – السيسي تناقض أم تكامل؟
لم يستبعد الكاتب والإعلامي المصري، الدكتور أحمد عبد العزيز، أن "يتم فرض التهجير من طرف واحد، وهو طرف (إسرائيل-السيسي)؛ باعتبارهما طرفا واحدا وليسا طرفين، إذا استجابت شريحة معتبرة من فلسطينيي غزة للضغط الذي تمارسه عليهم الآلة العسكرية الصهيونية الجهنمية من الجو والبر والبحر".
وأضاف لـ"عربي21": "موقف السيسي (وليس مصر) متماهٍ تماما مع هدف إسرائيل المتمثل في إفراغ فلسطين التاريخية من الفلسطينين؛ لتكون دولة خالصة لليهود، أو دولة يهودية خالصة، وهذا لن يتحقق (بأي حال) في وجود المقاومة التي تسعى إسرائيل حاليا لمحوها، وهو هدف يتمناه السيسي ويرجوه، ويقدم للعدو الصهيوني كل ما يستطيع لإنجازه لسببين".
وتابع عبد العزيز: "الأول أمني، ويتمثل في الخلاص من رعب الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون) الذي يطارده في منامه منذ انقلابه على الرئيس مرسي (رحمه الله) في تموز/يوليو 2013. الثاني مادي، فإلى جانب إسقاط ديونه أو جزء كبير منها، فإن وجود الفلسطينيين في مصر (سواء في سيناء أو في المدن الجديدة) هو "سبوبة أممية"، أو باب للعملة الصعبة التي ستقيل عثرته الاقتصادية، وتضمن له الاستمرار في الحكم حتى الموت كما يتصور. إن نجاح خطة التهجير أو فشلها منوط بأهل غزة وحدهم".
الخطة من وجهة نظر مصر والحكومات المؤيدة
من جهته، يقول المحلل السياسي المصري، عزت النمر؛ إن "خطة إسرائيل المتوهمة ليست من طرف إسرائيل فقط، لكنها تمتلك معها دعما دوليا تقوده الولايات المتحدة وكثير من العالم الغربي، كما أن الدول والحكومات العربية ليست بعيدة عن السياق؛ كثير منها منصاع للتوجه الصهيوني، ومنها ما هو أكثر حماسة للتهجير والقتل من الصهاينة أنفسهم، وبعضها متردد ليس ولاء لقضية ولا إيمانا بمبدأ، لكن تخوفاً من ارتدادات ولعنات داخلية غير محسوبة، وربما هناك من هو متحمس للملف تخلصا من الإسلام السياسي والاستراحة من أزمة تاريخية مزعجة".
وأوضح لـ"عربي21": "أما مصر السيسي الذي اعتاد على بيع كل شيء، أعتقد أنه يمني نفسه بحلول لأزمة مصر الاقتصادية من جراء هذا الملف، ويقدم نفسه للغرب من خلال ملف يغسل معه كل خطاياه أمام العالم في حقوق الإنسان، ويضمن استبقاء حكمة من غير إزعاج، البحث يجري فقط في آلية إخراج المشهد في مصر وتمريره داخليا، وثمن صفقة العار والمذلة".
ورأى النمر "أن موقف الرفض المعلن الذي تعلنه مصر وكثير من الأنظمة العربية، ما هو إلا تكتيك مرحلي يتم من خلاله ترتيب الأدوار وتمرير الجريمة ليس غير... أؤكد أن قبول مصر السيسي للمشاركة في هذا العار ليس سببه أزمة مصر الاقتصادية، وإنما سببه الأساسي أزمة مصر في نظام السيسي كأسوأ نموذج لحاكم في التاريخ العربي كله".