منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزّة،
وارتقى لمستوى الإبادة الجماعية القائمة على إهلاك البشر كلياً أو جزئياً نتيجة
قطع
الاحتلال للاحتياجات الطبيعية للإنسان كالماء والغذاء والدواء والوقود؛ وأحد
النّقاشات المهمّة يدور حول فرضية تدخّل
حزب الله اللبناني في المعركة، ترجمةً
لمقولة وحدة الساحات لأقطاب محور المقاومة، وفي سياق تعضيد قوّة حماس وكتائب
القسّام في مواجهة آلة
الحرب الصهيونية الشرسة التي أوغلت في دماء المدنيين بشراكة
مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية وأهم الدول الغربية الفاعلة في السياسة
الدولية كبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا وآخرين.
اكتفى حزب الله طوال الثلاثة أسابيع الماضية
بالمحافظة على وتيرة اشتباك محدود ومُنضبط عبر الحدود الشمالية لفلسطين، وهو ذات
النّسَق الذي تعايش معه الاحتلال وحافظ عليه، لأنه وفق التقديرات لن يؤثّر على
مسار المعركة في
غزة، ولن يؤثّر على أهداف العدوان بالقضاء على حركة حماس سياسياً
وعسكرياً كما جاء على ألسنة قادة الاحتلال.
الكثيرون لاموا حزب الله لعدم تدخله القوي،
ورأوا في تدخله المحدود مجرّد حراك لرفع العتب، ولحفظ ماء الوجه، وهو الحزب الذي
هدّد إسرائيل بحرب ضروس إذا اغتالت فلسطينياً في لبنان، وإذا بها ذبحت آلاف
الفلسطينيين في غزة، وحقّقت رقماً قياسياً في المجازر تعدّى مجزرة سيربرينيتسا
البوسنية التي فزع العالم من هولها والتي بلغ عدد شهدائها في العام 1995 نحو 8372
إنساناً
في المقابل يرى بعض المراقبين بأن حزب الله
يُدير معركةً وتسخيناً للجبهة الشمالية مع إسرائيل، انتظاراً لفرصة سانحة للتدخل
المباشر والقوي، وفق محدّدين اثنين أو أحدهما؛ الأول يتعلّق ببدء الحرب البرية على
غزة والثاني باقتراب الفلسطينيين في غزة من لفظ النفس الأخير.
ليلة السبت (28 أكتوبر)، أعلن الاحتلال عن
تطوير الهجوم البرّي على غزة من شمال القطاع وفي شرق المحافظات الوسطى، أي الشروع
ببدء الحرب البريّة، وفي هذا سقوط للمحدّد الأوّل كدافع لتدخل حزب الله بقوّة في
المعركة، ولم يبقَ سوى المحدّد الثاني وهو اقتراب الفلسطينيين من لفظ النفس
الأخير، إمّا قتلاً بإبادة جماعية أو تهجيراً قسرياً إلى سيناء.
المحدّد الثاني، والمبني على قُدرة كتائب
القسّام في صد العدوان وصمود الحاضنة الشعبية، هو محدّد مُهم وخادع في ذات الوقت،
فمن الحِكْمة وطالما أن الاحتلال وواشنطن والغرب مصرّون على إبادة حركة حماس
والشعب الفلسطيني في غزة، تدخّل حزب الله بقوّة وفق منطق وحدة الساحات، وتقاطعاً
مع قوّة القسّام وحماس وصمود الشعب الفلسطيني في غزة، حتى يقع الاحتلال بين فكي
كمّاشة، وإلا فإن افتراض العكس سيكون تدخل الحزب في الوقت الضائع، أي عندما تضعف
جبهة غزة أو تكاد، وفي ذلك إعطاء فرصة للاحتلال لإنجاز مهمته جنوباً ومن ثم
الاستدارة لمواجهة حزب الله شمالاً بكل قوّة مدعومة من المنظومة الغربية.
طالما أن الاحتلال بدأ الحرب البرية، وطالما
أن عدد الشهداء وعدد الجرحى والدمار والحصار المُطبق بلغ حدّ الإبادة الجماعية
بانتشار الموت والجوع والمرض، فليس من عذرٍ بقي لحزب الله، إلا القول بأن مصالحنا
الحزبية والإقليمية لا تستوجب التدخل في مسار المعركة، وليس لنا وعندنا إلا ما
قدمناه من مناوشات على الجبهة الشمالية، كانت بلا شك تعبيراً عن الحزن الشديد
والقلق العميق.
إن ترك غزّة تُقاتل وحدها، بغض النظر عن نتائج المعركة، والتي أحد احتمالاتها الانتصار على جيش الاحتلال بإفشال أهدافه الكبرى، سيكون له تداعياته على محور المقاومة وشعار وحدة الساحات، بعد أن قاتلت غزة وحيدة الساحات.
وفي سياق نقاش المصالح المجرّدة، البعيدة عن
العواطف، لا بد من الإشارة إلى جملة من المصالح المرجوّة لحزب الله من تدخله
مباشرة في مسار المعركة بالشراكة مع حركة حماس، في اللحظة الراهنة، ومنها:
أولاً ـ المحافظة على سردية حزب الله، بأن
بوصلته القدس، والتي بموجبها برّر الحزب تدخّله في العديد من الأزمات في المنطقة
ومنها القتال في سوريا والقْصير، على طريق القدس، وبعكس ذلك ستسقط سردية حزب الله
وشرعيته في عيون الجماهير حتى حاضنته القريبة التي آمنت بقدسية الموت شهيداً نحو
القدس، كما أنّ فكرة وحدة الساحات ستصبح مجرّد شعار خادِع، وتوظيف سياسي انتهى
مفعوله بلا رجعة.
ثانياً ـ القضاء على حماس، افتراضاً، يعني
تصفية القضية الفلسطينية، ومن ثم فتح شهية الاحتلال للقضاء على قوّة حزب الله أو
نزع سلاحه بوسائل شتّى، ومنها بالقوّة المفرِطة المدعومة من واشنطن والعواصم
الغربية التي ستستغل الفرصة وسخانة المشهد للقضاء على حزب الله أو قوّته التي تشكل
تهديداً مفترضاً لإسرائيل، ونردّد حينها؛ لقد أُكلت يوم أكل الثور الأبيض.
ثالثاً ـ ما يجري في غزة، ونتائجه ستقرر مصير
الإقليم، فكل الحشود العسكرية لواشنطن والغرب، إنما جاءت للاستفراد بغزة والقضاء
عليها، ولتصفية القضية الفلسطينية تالياً، ومن ثمّ إعادة رسم المشهد السياسي في
الإقليم تحت الصدمة والوجود الأمريكي الغربي الكاسح في المنطقة، وهو الأمر الذي
سيكون له انعكاساته على لبنان وحزب الله، وإيران ونفوذها في المنطقة، وعلى مصر
والأردن، وستصبح إسرائيل بؤرة الجذب والطرد في الشرق الأوسط، بعد أن يُعاد ويُنشّط
نسج التحالفات معها ولو بعد حين، كما كان يسعى الرئيس بايدن قُبيل معركة طوفان الأقصى،
بإعادة تموضع إسرائيل في الشرق الأوسط عبر التطبيع.
وعليه، فإن ترك غزّة تُقاتل وحدها، بغض
النظر عن نتائج المعركة، والتي أحد احتمالاتها الانتصار على جيش الاحتلال بإفشال
أهدافه الكبرى، سيكون له تداعياته على محور المقاومة وشعار وحدة الساحات، بعد أن
قاتلت غزة وحيدة الساحات.