بدأ الفن المتعلق
بالمقاومة
الفلسطينية يظهر منذ بدايات الانتداب البريطاني وحتى وقتنا هذا، مرورا بالنكبة
والنكسة والانتفاضة الأولى والثانية، وكل الحروب التي وقعت على أرض فلسطين. فكان يحمل
البعض بنادقهم المليئة بالرصاص، والبعض الآخر يعتبر القلم والصوت بندقيته.
وكما عهدنا أن
يعكس الفن باختلاف تقنياته وأساليبه الواقع المعاش، فعكس الفن الفلسطيني قضايا شعبه
وآهاته ومآسيه، فتجد الفقد موسوما بصوت كل أغنية ومطلع كل قصيدة وخطّ كل كاريكاتير،
وكما جسّد الفن صرخات الفاقدين، فصوّر نضال المقاومين أيضًا، وحافظ على
التراث الوطني
الذي اغتصب.
الانتداب البريطاني
قامت سلطات الانتداب
البريطاني في 17 حزيران/ يونيو 1930، بإعدام ثلاثة رجال في سجن القلعة في عكا وهم:
فؤاد حجازي، ومحمد جمجوم، وعطا الزير، وذلك لمشاركتهم في ثورة البراق عام 1929، واتهامهم
بقتل اليهود فيها، وسموا بـ "الثلاثة الحمراء"، وبيّن ابن شقيق جمجوم في
تصريحات له بأن سبب هذه التسمية يعود إلى أنهم شهداء ثلاثة، أُعدموا يوم الثلاثاء،
وفي ثلاث ساعات متتالية.
واستمرت ذكراهم
حتى الآن من خلال الأغنية الشهيرة "من سجن عكا" والتي غنتها فرقة العاشقين:
من سجن عكا طلعت
جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا
شعبي جازي المندوب السامي وربعه وعموما
محمد جمجوم مع
عطا الزيرِ فؤاد الحجازي عز الدخيلي
انظر المقدر والتقاديري
باحكام الظالم تا يعدمونا
ويقول محمد أن
أولكم خوفي يا عطا أشرب حسرتكم
ويقول حجازي أنا
أولكم ما نهاب الردى ولا المنونا
النكبة
في عام 1948 هُجّر
الشعب الفلسطيني من أرضه، نتيجة هزيمة الجيوش العربية أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي،
فتعرّض الفلسطينيون إلى تهجير جماعي مقابل إقامة اليهود وطنا قوميا لهم على أرض فلسطين.
وصدرت العديد من
الأغاني الثورية بعد النكبة، تحدث بعضها عن اللجوء والتهجير، واستنهض بعضها الآخر همم
الثوريين.
وكانت أغنية
"طل سلاحي" من أشهر هذه الأغاني، وهي قصيدة كتبها شاعر الثورة الفلسطينية
صلاح الدين الحسيني، ولحنها مهدي سردانة، وغنتها الفرقة المركزية الفلسطينية، وكلماتها:
طل سلاحي من جراحي
يا ثورتنا طل سلاحي
ولا يمكن قوه في
الدنيا تنزع من ايدي سلاحي
طل سلاحي طل سلاحي
النكسة
إن عزمنا على قراءة
الإنتاج الموسيقي الفلسطيني فسندرك بأن الفن استمر بالتقدم بشكل ملحوظ على الرغم من
الهزائم والخسائر التي تعرض لها هذا الشعب.
وحتى بعد النكسة
فقد استمرت
الموسيقى الشعبية بالنهوض، واستمر الفنانون بغناء الأغاني الثورية لحثّ
الشباب على الوقوف في وجه الاحتلال والعمل على استعادة أراضيه، كما ظهر الفن الذي يتغنّى
بجمال الأراضي المسلوبة ويتحسر على ما اغتصب من الوطن، كأغنية "زهرة المدائن"
التي ألفها ولحنها "الأخوان رحباني"، وغنّتها الفنانة فيروز، وتحدثت عن العيون
التي تستمر بالرحيل إلى مدينة القدس شوقًا وحنينًا لا ينتهي، وكانت كلماتها:
لأجلك يا مدينة
الصلاة أصلّي
لأجلك يا بهيّة
المساكن، يا زهرة المدائن
يا قدس، يا قدس
يا قدس يا مدينة
الصلاة أصلّي
الانتفاضة الأولى
حدثت الانتفاضة
الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان لا يملك الشعب الفلسطيني وقتها إلا حجارة أرضه ليرجم
بها محتله، وكان سبب هذه الانتفاضة هي قيام مستوطن بدهس عمّال فلسطينيين، فشارك بانتفاضة
الحجارة كافة شرائح الشعب الفلسطيني وحتى الأطفال، حتى أطلق عليهم "أطفال الحجارة".
وتعد أغنية
"ثوري ثوري ثوري" من أبرز أغاني الثمانينات والتي تتحدث عن واقع تلك الفترة،
وهي إحدى الأغاني الثورية التي امتد حضورها إلى الآن، وقد كتبها الشاعر علي الكيلاني
وقامت بغنائها فرقة أجاويد، وجاء فيها:
ثـوري ثـوري ثـوري
في غزة وبلاطة
في القدس ورام الله
قمنا في انتفاضة،
كبرنا باسم الله
نتحدى باحرارنا
نتحدى باحرارنا
ثايرين صغارنا
ثايرين صغارنا
ما بتعود ديرانا
وما بيغسل عارنا الا الدم والحجار
وهناك العديد من
الأغاني الشعبية التي انتشرت في تلك الفترة أيضًا، كأغنية زغردي يا ام الجدايل، التي
كتبها الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد، وغنّتها فرقة جذور العاشقين الفلسطينية:
زغردي يا ام الجدايل
زغردي
وزيني فخر الأصايل
بالوداع
وازرعي الحِنّة
على الصدر الندي
واربطي العصبة
على كل الوجع
وهناك العديد من
الأغاني الفلسطينية الفلكلورية أيضا، والتي لا يُعرف متى صدرت لأول مرة، وتتعدد القصص
حول ظهورها، كأغنية "ظريف الطول"، وظريف الطول هو شابّ فلسطيني طويل القامة،
عُرف بوجهه الوسيم وشراسته في قتال العدو والعصابات الصهيونية، حاولت نساء القرية التودد
إليه لكنه لا يأبه بالنساء، وذات يوم اختفى ظريف الطول من القرية، واعتقد البعض أنه
غادر فلسطين إلى بلاد الغربة، فغنّت نساء القرية له بعد غيابه:
يا ظريف الطول
وَقِّف تا أقولَّك
رايح ع الغُربِة
وبلادك أحسنلك
خايف يا ظريف تروح
وتتمَلّك
وتعاشر الغير وتنساني
أنا
ومع مرور الوقت
أصبحت هذه الأغنية تتردد في المناسبات الاجتماعية في القرية نفسها، حتى وصلت إلى القرى
المجاورة، ثم انتشرت أكثر حتى أصبح جل الفلسطينيون يرددون كلماتها، وأصبح "ظريف
الطول" رمز الرجل الفلسطيني الوسيم والشجاع، وغناها العديد من الفنانين العرب
وأشهرهم حمزة نمرة.