تبدو العلاقة بين أنقرة والاحتلال الإسرائيلي
مهددة، بعدما تأجج الغضب الشعبي والسياسي التركي، على خلفية العدوان على غزة والمجازر
المتواصلة ضد المدنيين في مناطق متفرقة من القطاع.
فبعد أن كانت ردود فعل أنقرة توصف بـ"المتوازنة"
في الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب في غزة، فإن الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان صعّد من
خطابه ضد
الاحتلال، متهما إياه بارتكاب مجازر حرب، مؤكداً أن "حماس ليست مجموعة
إرهابية، وهي مجموعة تحرير تحمي أرضها".
وفي خطاب وصف بـ"الناري" قال أردوغان
في فعالية "تجمع فلسطين الكبير" الذي أقيم في إسطنبول السبت، إنه سيكشف للعالم
حقيقة الاحتلال بوصفه مجرم حرب، متهماً الغرب بالمسؤولية عن المجزرة التي تجري في
غزة.
وقد يكون التحول في الخطاب التركي جاء على خلفية
التنسيق مع دول المنطقة، والدعم الغربي والأمريكي غير المحدود للاحتلال، وبعد تيقن
تركيا من عدم وجود رغبة لدى الاحتلال للقبول بالوساطات لوقف إطلاق النار، وهو ما يؤكد
عليه مدير مركز "إسطنبول للفكر" باكير أتاجان.
وأضاف لـ"عربي21" أن أنقرة تبحث في
كيفية إجبار الجانب الإسرائيلي على القبول بالتفاوض للتوصل إلى حل سلمي في غزة والقضية
الفلسطينية عموماً.
وتابع بأن أنقرة تعتقد أن التوصل لوقف نزيف الدماء
في غزة، يمكن البناء عليه لحل جذري للقضية الفلسطينية، وفق القرارات الأممية أي
"حل الدولتين"، معتبراً أن "أولوية تركيا اليوم هي وقف الحرب، وإفساح
المجال لتقديم المساعدات للسكان".
ورد الاحتلال على الخطاب التركي بإعطاء الأمر
للممثلين الدبلوماسيين بالعودة من أنقرة، وقال وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين:
"على خلفية التصريحات التركية القاسية، أمرت بعودة الممثلين الدبلوماسيين من تركيا
من أجل إعادة تقييم العلاقات الإسرائيلية التركية".
"أوراق تركية ضاغطة"
وعن الأوراق التي تُمكن تركيا من الضغط على الاحتلال،
يشير أتاجان إلى قوة تركيا على الصعيد الإقليمي، وقربها من فلسطين، وعلاقتها الوثيقة
مع الدول العربية والإسلامية، وأخيراً إلى عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وتابع مدير مركز "إسطنبول للفكر"، بأن
تركيا ستستخدم كل ما بحوزتها من أوراق لوقف المجزرة في غزة، وقال: "كما عارضت
أنقرة الحرب في أوكرانيا، فهي اليوم تسعى لإقناع العالم والأطراف المعنية بضرورة الجلوس
على طاولة المفاوضات".
وكان زعيم حزب الحركة القومية وحليف أردوغان دولت
بهتشلي، دعا إلى تدخل الجيش التركي لوقف العدوان على غزة، وحذر من انتقال المجازر إلى
تركيا، وأكد أتاجان على أن بلاده تتجنب الانخراط في الحرب، قائلاً: "هناك قناعة
سائدة في تركيا بأن الحرب تعني الخسارة لكل الأطراف".
وفي ما يخص شعار "قرن تركيا" الذي رفعه
أردوغان في "تجمع فلسطين الكبير" والرسائل التي أراد تصديرها، يقول أتاجان:
"يريد أردوغان التأكيد أن تركيا قد انتهت من حقبة الضعف الذي أصابها عقب انهيار
الحكم العثماني"، وقال: "الدولة التي نشأت قبل 100 عام (تأسيس تركيا في
1923)، كبرت الآن".
أما عن الرسائل للاحتلال، فيرى باكير أن أردوغان
أراد من خلال الجموع التي شاركت في المظاهرة التضامنية مع غزة، تصدير رسائل للاحتلال
تؤكد أن الموقف السياسي التركي الرسمي يدعمه الشارع التركي خصوصاً، والشارع الإسلامي
عموماً.
"انتكاسة غير مسبوقة"
وبدأت العلاقات بين تركيا والاحتلال في العام
1949، حيث اعترفت أنقرة رسمياً بـ"دولة إسرائيل"، ومنذ ذلك الوقت والعلاقات
تتذبذب متأثرة بقضايا المنطقة، ومع تسلم حزب "العدالة والتنمية" الحكم في
تركيا في مطلع القرن الحالي، فإنها بدأت العلاقات تشهد تراجعاً حتى العام 2021، حيث أسهمت
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتحسين العلاقات التركية مع الاحتلال.
ويصف يوسف كاتب أوغلو، السياسي التركي وعضو حزب
العدالة والتنمية، تصريحات أردوغان الأخيرة ضد الاحتلال بأنها "الأقوى"، معتبراً
في حديثه لـ"عربي21" أن "من الواضح أن العلاقة التركية مع الاحتلال
على أعتاب مرحلة جمود، وانتكاسة غير مسبوقة منذ بدء العلاقات الرسمية".
وشدد على أن "تركيا لا يمكن أن تبقى على الحياد
في ظل المجازر"، كاشفاً عن تجميد التعاون في قضايا الطاقة مع الاحتلال، وقال:
"من المتوقع أن تقوم تركيا بطرد سفير الاحتلال من أنقرة، بعد مغادرة البعثة الدبلوماسية
لإسطنبول".
ويقول كاتب أوغلو، إن مستوى العلاقات التركية مع
الاحتلال بات مهدداً على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والشعبي، مستدركاً بالقول إن "حجم التأثر يرتبط بسلوك الاحتلال، وإن كان المتوقع أن لا يستجيب الاحتلال لجهود
وقف إطلاق النار وفتح ممرات لمساعدة المدنيين".
العلاقات إلى قطيعة؟
وبذلك، لم يستبعد كاتب أوغلو أن يتم الإعلان عن
قطع العلاقات الاقتصادية ووقف التبادل التجاري بين تركيا والاحتلال، وتعليق الرحلات
الجوية، في حال استمرار استهداف المدنيين من قبل الاحتلال.
ويمكن بحسب قراءات مختلفة، أن تسوء العلاقات التركية
مع الاحتلال أكثر وتصل إلى مرحلة القطيعة، بسبب زيادة المخاوف التركية من تحول الحرب
في غزة إلى مواجهة إقليمية، ترى فيها أنقرة خطراً على أمنها القومي.
لكن في المقابل، تقلل مصادر من المعارضة
التركية من احتمال وصول العلاقات التركية مع الاحتلال إلى القطيعة، مرجعة ذلك إلى المصالح
الاقتصادية.
وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي التركي جواد
غوك لـ"عربي21" إن "حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل يزداد،
ولا معنى للشعارات السياسية".
ويتساءل عن سبب عدم إقدام تركيا على طرد السفير
الإسرائيلي، ويقول: "نتمنى على تركيا وغيرها من الدول العربية والإسلامية دعم
غزة بشكل حقيقي، لكن للآن لم نر تحركاً بحجم ما يجري في غزة".
يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن
الأربعاء، عن إلغاء زيارة كان يعتزم القيام بها إلى الكيان المحتل.