أثارت الاشتباكات المسلحة المفاجئة في مدينة غريان (غرب
ليبيا) بين قوات تابعة للواء الليبي، خليفة
حفتر، وأخرى لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، بعض التخوفات من عودة الحروب مرة أخرى، وسط تساؤلات عن أهداف حفتر من السيطرة على المدينة الاستراتيجية، وما إذا كان يريد مجددا التوجه نحو العاصمة.
واندلعت الاشتباكات في غريان (100 كلم جنوب غربي
طرابلس) بعد قيام القيادي العسكري الموالي لحفتر، عادل دعاب بالهجوم على المدينة فجر الأحد، في محاولة للسيطرة عليها وطرد قوات تابعة لحكومة الدبيبة تتمثل في قوات دعم الاستقرار ولواء غريان التابعة لحكومة الوحدة الوطنية.
"قرارات عسكرية من الدبيبة"
وفي أول رد على الاشتباكات التي أسفرت عن سقوط 7 قتلى و15 جريحا من الجانبين، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وبصفته وزيرا للدفاع أيضا، عبدالحميد الدبيبة، قرارا عسكريا بتشكيل غرفة عمليات مشتركة للدفاع عن المنطقة الغربية والجنوب الغربي، على أن تتوجه نحو مدينة غريان وإعادتها من يد "دعاب" والمتحالفين معه.
كما أصدر الدبيبة، تعليماته إلى جهاز الطيران المسير لاستهداف التمركزات التابعة للقوات الموالية لحفتر، لينفذ الطيران عدّة ضربات داخل غريان نتج عنها فرار القوات التابعة لـ"دعاب" والمتحالفين معه وسط أنباء عن إصابات كبيرة في صفوف هذه القوات.
ولم يصدر أي تعليق من قبل حفتر أو مكتبه الإعلامي بالخصوص، رغم أن "عادل دعاب" هو أحد القادة العسكريين الذين ساعدوا حفتر في عدوانه على العاصمة "طرابلس"، وقام في 4 أبريل 2019 بفتح أبواب المدينة لتكون مركزا لقيادة العمليات العسكرية لقوات "حفتر".
فهل لحفتر علاقة بالاشتباكات ومحاولة السيطرة على "غريان"؟ وهل يستغل الأمر ليهجم مجددا على العاصمة الليبية؟
"خطوة لتقوية معسكر حفتر"
من جهته، قال عضو اتحاد ثوار "غريان" والمتابع للاشتباكات الأخيرة، وسام سعيد، إن "القوات التي هاجمت المدينة ليست محسوبة على معسكر "حفتر" بل هم مجموعة من ثوار 17 فبراير 2011 بالإضافة إلى أنهم أول من تصدوا لعسكرة الدولة في حرب "فجر ليبيا" وكذلك لهجوم حفتر على طرابلس، لكن بعد ذلك تمت محاربتهم وتهميشهم وإخراجهم من معسكراتهم بالعاصمة ومن تحالف معهم من داخل المدينة".
وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن "استهداف غريان الآن جاء كونها مدينة مهمة سياسيا وعسكريا لموقعها الاستراتيجي وكذا بسبب قربها من العاصمة، لذا لا يمكن وصف تهميش المدينة وإهمالها لعقد من الزمن من قبل الحكومات إلا بأمر يدبر بليل من أطراف خفية داخل الدولة تسعى لتقوية معسكر "حفتر"، وفق قوله.
وتابع: "لا يمكن تفسير عدم احتواء الثوار والقوات المساندة وعدم بناء قوات نظامية في غريان على غرار القوات والأجهزة داخل طرابلس، وبعض المناطق المحيطة بها إلا أنه تهميش لقوات المدينة وثوارها، أما بخصوص استغلال حفتر للاشتباكات والسيطرة على غريان فهذا صعب جدا لأنه لا توجد حاضنة شعبية لقوات "حفتر" داخل المدينة، والحاضنة الشعبية هي من أهم الركائز في السيطرة على المدن"، وفق تعبيره.
"إثبات نفوذ الدبيبة"
في حين رأى الصحفي الليبي المتواجد في غريان حاليا، محمد الصريط، أن "ما حدث في المدينة هو تصرف غير محسوب ومتهور من شخص فقد البوصلة في التقدير وهو "دعاب" الذي حاول الرجوع لمدينته من خلال التواصل مع الأعيان والمقربين ولكن جهوده فشلت لأسباب عديدة، أهمها أن خريطة التحالفات والتوازنات تغيرت بالكامل وهذا ما لم يفهمه الأخير".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21" أن "دعاب والمتحالفون معه والتيار الذي يمثلونه خسروا كل شيء وانتصر التحالف الذي يقوده الدبيبة بشكل قوي، وأن الأخير ظهر أمام الليبيين أنه يملك القوة في استبعاد خصومه وأن من يتحالف معه سيكون رقما ومن يخرج من تحالفه سيفقد النفوذ"، وفق تقديراته.
وأضاف: "الرسالة أيضا واضحة بخصوص الدبية الآخرين وأبرزهم: فتحي باشاغا وأسامة الجويلي خاصة أن الأخير موقعه قريب من "دعاب" لكن لم يسانده وتركه يواجه مصيره، أما حفتر فمن الصعب تدخله وحسمه عسكريا نظرا لوجود دول أخرى لازالت رافضة للأمر ومنها تركيا التي تصالحت مؤخرا مع مصر الحليفة لحفتر"، وفق توصيفه.
"تحالف حفتر والجويلي"
الناشط السياسي الليبي، إسماعيل بازنكة، قال من جانبه إن "التحركات الأخيرة في مدينة غريان عنوانها صراع على النفوذ داخل المدينة، لكن العامل الأكثر خطورة هو أن أحد الأطراف مدعوم من "حفتر" وهذا الأمر قد يشجع حفتر للتحرك بقوات حليفة من داخل المنطقة الغربية في حال سيطر حلفاؤه على غريان".
أما بخصوص استغلال ذلك للهجوم على العاصمة، قال بازنكة: "متوقع خاصة أن قائد القوات الذي نجح في إعادة السيطرة على المدينة في سنة 2019 ودحر قوات "حفتر" وهو أسامة جويلي، الآن على خلاف مع السلطات في طرابلس المتمثلة في
حكومة الدبيبة، لذا ربما يشكل تحالفا مع حفتر"، كما قال لـ"عربي21".