نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" تقريرًا يسلط الضوء على تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي؛ حيث يعاني من تدهور كبير مع تأرجح الشركات على حافة الانهيار وتراجع الاستثمارات الأجنبية والثقة في الاقتصاد.
وأوردت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أن شركة أطلس الإسرائيلية للفنادق أرسلت لعملائها المخلصين مؤخرًا نداءً يائسًا للتبرع لإنقاذ الشركة من الانهيار.
وأوضحت الصحيفة أن فنادق شركة أطلس الستة عشر استقبلت ألف شخص من النازحين بعد عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وعندما فشلت الحكومة في تحمل التكاليف، بدأت في جمع التبرعات.
ونقلت الصحيفة عن مدير العمليات ليئور ليبمان أنهم طلبوا المساعدة من الموردين وجهات الاتصال والموظفين والعملاء المميزين، مضيفًا أن نشاطهم التجاري سينهار إذا لم يتمكنوا من تمويل أنفسهم.
أكدت الصحيفة بأن العدوان على
غزة، ورد المقاومة بالصواريخ، أحدث موجات من الصدمة في اقتصادها الذي يبلغ حجمه 488 مليار دولار، مما عطل الآلاف من الشركات، وضغط على الأوضاع المالية للبلاد، وأغرق قطاعات بأكملها في الأزمة.
وأشارت الصحيفة إلى تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإنشاء "اقتصاد تحت السلاح"، وتحويلات نقدية ضخمة للشركات والمناطق التي تعرضت للخطر على نطاق لم نشهده آخر مرة خلال جائحة كوفيد-19، مؤكدًا على دفع الثمن الاقتصادي الذي تفرضه الحرب مهما كان.
ويتوافق هذا مع تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي أشار إلى تقديم مساعدات لجنود الاحتياط في الجيش وإجراءات لتعويض الشركات عن خسائر الحرب.
وأفادت الصحيفة أنه في حين رحب بعض قادة الأعمال بحزمة المساعدات، فإن كثيرين قالوا إنها ليست كافية، وأن معاييرها صارمة للغاية، وقال آخرون إن الإجراءات لم تخدم مصالح الشركات الكبرى.
ويرى رون تومر، رئيس رابطة المصنعين في إسرائيل أن الحكومة تتخلى عن شعبها؛ حيث لم يحصل الكثيرون على تعويض كامل مما سيعرضهم لصدمة سيئة في محافظ رواتبهم التالية.
وذكرت الصحيفة أن إسرائيل تعيش صدمة منذ الهجوم الذي شنته حماس، والذي خلف أكثر من 1400 قتيل حسب مسؤولين، وردت بغزو بري وقصف متواصل تقول وزارة الصحة في القطاع إنه "أودى بحياة أكثر من 9700
فلسطيني".
وتم استدعاء حوالي 350 ألف جندي احتياطي في الجيش الإسرائيلي، الذين يشكلون 8 بالمائة من القوة العاملة، فيما نُقل 126 ألف مدني من شمال وجنوب إسرائيل نتيجة الحرب.
وأضافت الصحيفة أن استطلاعات الرأي تشير إلى تأييد شعبي ساحق للحرب، لكن نطاقها يأخذ إسرائيل إلى مصير مجهول، ويمكن مقارنة الحرب الجارية بحرب سنة 2014، عندما غزت إسرائيل القطاع.
وذكرت الصحيفة على لسان ميشيل سترافشينسكي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية في القدس أن "عدم اليقين هذه المرة أكبر، وأن الأهداف أكثر صعوبة؛ حيث يعني القضاء على حماس وإنهاء حكم الجماعة المسلحة في غزة أن الحرب ربما تكون أطول".
بينت الصحيفة أن بعض الدلائل تشير إلى حدوث انتعاش بعد الصدمة الأولية للهجوم؛ حيث لا تزال العملية المحلية صامدة، مع تدخلات بنك إسرائيل، وبدأ طلب المستهلكين في الانتعاش، لكن الصراع لا يزال له تأثير مروع على النشاط التجاري، وخاصة قطاع البناء.
وحسب تومر فإن البلديات أغلقت الكثير من مواقع البناء، إذ لا يريدون أن يعمل فلسطينيون هناك، مشيرين إلى انزعاج الناس من رؤية العمال العرب.
وتابعت الصحيفة بأن الإنفاق التقديري تضرر أيضًا بشدة، وحسب فيكتور بهار، كبير الاقتصاديين في بنك هبوعليم فإن "الناس ليسوا قلقين بشأن الصواريخ فحسب، بل إنهم في حالة مزاجية سيئة، ويشعرون بالحزن، وهذا يؤثر على طلب المستهلكين".
وأكدت الصحيفة على تزايد الأدلة على التأثير المدمر للحرب على النشاط الاقتصادي؛ فحسب دراسة استقصائية للشركات الإسرائيلية أجراها مكتب الإحصاء المركزي أن واحدة من كل ثلاث شركات أغلقت أبوابها أو تعمل بطاقة استيعاب 20 بالمائة أو أقل، في حين أبلغ أكثر من النصف عن خسائر في الإيرادات بنسبة 50 بالمائة أو أكثر، وكانت النتائج أسوأ بالنسبة للجنوب، المنطقة الأقرب إلى غزة؛ حيث أغلقت ثلثا الشركات عملياتها أو خفضتها إلى الحد الأدنى.
وتقول وزارة العمل إن 764,000 إسرائيلي – 18 بالمائة من القوى العاملة – لا يعملون بعد استدعائهم للخدمة الاحتياطية، أو إجلاؤهم من مدنهم.
أشارت الصحيفة إلى أن الإجراءات التي كشف عنها نتنياهو وسموتريش الأسبوع الماضي تعتبر أكثر سخاء من الحزمة السابقة التي أثارت بعض الانتقادات؛ حيث ستدعم الحكومة الشركات التي انخفضت إيراداتها الشهرية بأكثر من 25 بالمائة بسبب الحرب، من خلال تغطية ما يصل إلى 22 بالمائة من تكاليفها الثابتة و75 بالمائة من فاتورة أجورها، من بين خطوات أخرى.
لكن الخبراء يشعرون بالقلق من أن هذا قد لا يكون كافيا إذا ظلت الآفاق الاقتصادية لإسرائيل قاتمة، وبحسب سترافشينسكي فإنه لا يزال من الصعب معرفة ما إذا كان الوضع سيقف عند هذا الحد.
وأوضحت الصحيفة أن البعض يرى ضرورة مصاحبة حزمة الدعم بإعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومي؛ حيث يواصل شركاء نتنياهو من الأحزاب المتطرفة والمستوطنين توجيه مبالغ ضخمة لمشاريع يقول منتقدوها إنه لا مكان لها في اقتصاد الحرب، مثل مخطط لتشجيع ممارسة الشعائر الدينية بين الطلاب.
وقد دعت مجموعة مكونة من 300 خبير اقتصادي إسرائيلي بارز نتنياهو وسموتريتش إلى "العودة إلى رشدهما"، وصرحوا في رسالة مفتوحة بأن الوضع الراهن يتطلب تغييرا جذريا في الأولويات الوطنية وإعادة توجيه الأموال للتعامل مع أضرار الحرب ومساعدة الضحايا وإعادة تأهيل الاقتصاد.
ونقلت الصحيفة عن يوغين كاندل، رئيس معهد سياسات الأمة الناشئة، وأحد الموقعين على الرسالة، قوله إن الحكومة لم تظهر بعد أنها تدرك مدى خطورة الوضع، وأنه ينبغي التركيز على الحرب وإعادة بناء ثقة الناس في الدولة وقيادتها والاستثمار في قدرة إسرائيل على الصمود.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)