نشرت صحيفة
"نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين هيلين كوبر وإريك شميت وآدم ولدمان قالوا فيه إن مسؤولين أمريكيين تحدثوا هذا الأسبوع أن جيش
الاحتلال الإسرائيلي لديه وقت محدود لتنفيذ عملياته في
غزة قبل أن يؤدي الغضب بين العرب في المنطقة والإحباط في الولايات المتحدة ودول أخرى بشأن ارتفاع عدد الشهداء المدنيين إلى تقييد هدف الاحتلال من هذه الحرب.
ويعكس تقرير الصحيفة موقف الاحتلال الإسرائيلي وروايات المسؤولين الإسرائيليين، ففي الوقت الذي يضغط فيه كبار المسؤولين في إدارة بايدن على إسرائيل لبذل المزيد من الجهود لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، قال الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة، يوم الأربعاء، إنه يشعر بالقلق من أن كل مدني يُقتل في غزة يمكن أن يولد أفرادا لحماس في المستقبل.
ولم يدع الجنرال براون إلى وقف إطلاق النار. ولكن عندما سأله الصحفيون الذين يسافرون معه إلى طوكيو عما إذا كان يشعر بالقلق من أن يؤدي ارتفاع أعداد الشهداء بين المدنيين إلى ظهور مقاتلين من
حماس في المستقبل، أجاب: "نعم، هذا صحيح للغاية".
وقدم تعليقه لمحة نادرة عن الانقسامات بين الاحتلال وإدارة بايدن، التي أعلنت دعمها للحملة العسكرية الإسرائيلية حتى مع ارتفاع عدد الشهداء المدنيين. وجاء ذلك في الوقت الذي قال فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن عدد المدنيين الذين استشهدوا في قطاع غزة يظهر أن هناك شيئا "خاطئا بشكل واضح" في العمليات العسكرية للاحتلال ضد حركة
المقاومة حماس.
بالإضافة إلى ذلك، قال العديد من المسؤولين إن رد الاحتلال على هجمات حماس قد أثار التعاطف في جميع أنحاء العالم مع القضية الفلسطينية حتى مع استمرار الاحتلال في دفن قتلاها.
وقال مسؤولون أمريكيون إن قرار الاحتلال الإسرائيلي السريع بشن عمليات برية في القطاع المكتظ بالسكان لم يترك سوى القليل من الوقت للتخطيط المسبق المكثف للتخفيف من المخاطر التي يتعرض لها المدنيون ويضمن ارتفاع عدد الشهداء المدنيين. في الشهر الأول، استشهد حوالي 10 آلاف شخص – حوالي 40% منهم أطفال ومراهقون – وفقا لوزارة الصحة في غزة.
وكلما طال أمد حملة القصف، أصبح الاحتلال وحليفته الولايات المتحدة أكثر عزلة في الوقت الذي تدعو فيه الدول في جميع أنحاء العالم إلى وقف إطلاق النار.
وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار حتى يتم إطلاق سراح جميع الأسرى. ولكن يبدو أنه يفهم أيضا أن الاحتلال ليس لديه وقت غير محدود لتحقيق أهدافه.
يوم الثلاثاء، قال نتنياهو في بيان له إن الاحتلال يعمل عبر القنوات الدبلوماسية "لتزويد الجيش الإسرائيلي بمساحة المناورة الدولية اللازمة لمواصلة النشاط العسكري".
مستشفى الشفاء هدف صعب بالنسبة لجيش الاحتلال
وقد وصلت القضية إلى نقطة الغليان مع قيام قوات الاحتلال الإسرائيلية بمحاصرة مستشفى الشفاء وسط مدينة غزة. ويقول المسؤولون إنهم لا ينوون التراجع.
وادعى وزير دفاع الاحتلال، يوآف غالانت، يوم الثلاثاء، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي "يضيق الخناق حول مدينة غزة" وأن يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، "يختبئ في مخبأ".
وقال مسؤول استخباراتي أمريكي إن الموقع الدقيق للسنوار غير واضح، ولم يكن معروفا ما توصل إليه مسؤولو الأمن والمخابرات الإسرائيليون حول مكان وجوده. لكن العديد من مسؤولي الأمن القومي الآخرين قالوا إن المستشفى يمثل هدفا صعبا للغاية بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
وقال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين إن ضربه يمكن أن يقتل مئات أو حتى آلاف الفلسطينيين.
الوقت ليس بالضرورة في صالح إسرائيل
ودفعت الغارات الإسرائيلية وتطويق مدينة غزة آلاف المدنيين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة إلى البدء بالتحرك جنوبا. وفتح جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الثلاثاء، ممرا إنسانيا لبضع ساعات.
يقول الجيش الإسرائيلي الآن إنه سيضمن مرورا آمنا خلال نافذة يومية، حسبما أعلن البيت الأبيض يوم الخميس، بعد أن ضغط الرئيس بايدن من أجل هدن إنسانية.
وقال الجنرال جوزيف فوتيل، القائد السابق للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، إن الولايات المتحدة أنشأت ممرات للناس للفرار من الرقة بسوريا في عام 2017 أثناء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال إن مسؤولي القيادة المركزية خططوا لحملة الرقة لعدة أشهر قبل دخول القوات المدعومة من الولايات المتحدة، وذلك جزئيا لمحاولة الحد من الخسائر في صفوف المدنيين.
وقال مسؤول آخر إن الفترة التي سبقت المعركة لاستعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016، استغرقت تسعة أشهر، ويرجع ذلك جزئيا إلى السبب نفسه.
وقال أحد المسؤولين إن كبار القادة العسكريين الأمريكيين يحاولون، في مكالمات هاتفية شبه يومية، دفع نظرائهم الإسرائيليين إلى أن يكونوا "أكثر حرصا ودقة" في الاستهداف.
وحث مسؤولون آخرون إسرائيل على استخدام القنابل الموجهة بالأقمار الصناعية زنة 250 رطلا بدلا من الذخائر التي يتراوح وزنها بين 1000 و2000 رطل على الأهداف العسكرية في غزة.
قال مسؤولون إن القرار الذي اتخذته إسرائيل قبل أسبوعين بوقف غزو واسع النطاق لغزة والقيام بدلا من ذلك بتنفيذ هجوم بري مدروس ومتدرج يتماشى مع اقتراحات وزير الدفاع لويد أوستن الثالث لنظرائه الإسرائيليين.
لكن إسرائيل أسقطت أيضا آلاف الأطنان من القنابل في حملتها الجوية العقابية، بينما قامت بحماية قواتها البرية من الكمائن التي نصبتها حماس. وقتل نحو ثلاثة عشر جنديا إسرائيليا، في مؤشر على أن الجيش الإسرائيلي يتحرك بحذر على الأرض بينما تقصف الطائرات الحربية والمدفعية أهدافا.
وقال قادة أمريكيون سابقون خاضوا معارك في مدن بالعراق وسوريا، إن تطويق حماس في أحد معاقلها وقطع خطوط الإمداد والاتصالات الخاصة بها يجبر الجماعة على استهلاك الإمدادات الموجودة ويستنفد مقاتليها.
وقال الجنرال كينيث ماكينزي جونيور، الرئيس المتقاعد للقيادة المركزية الأمريكية، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي حدد خمسة أهداف رئيسية لحملة غزة: تفكيك حماس، وتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، وتقليل المخاطر التي تتعرض لها قواته، واستعادة الأسرى وتجنب توسيع الحرب إلى ما هو أبعد من غزة.
وأضاف الجنرال ماكينزي: "كانت الحملة الإسرائيلية مدروسة للغاية".
ولكن من الناحية الاستراتيجية، قال إن الوقت "ليس بالضرورة في صالح إسرائيل". وتتزايد الانتقادات الموجهة لإسرائيل مع تلاشي ذكريات هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر التي شنتها حماس وهيمنة صور غزة المدمرة والخسائر في صفوف المدنيين على صفحات الأخبار. وهذا يشكل ضغطا على الجيش الإسرائيلي. لإلحاق الضرر بحماس في أسرع وقت ممكن.
وقال الجنرال براون إنه كلما طال أمد الحرب، أصبحت أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل.
وتابع: "كل صراع شاركت فيه طوال مسيرتي العسكرية، باستثناء درع الصحراء/عاصفة الصحراء، استغرق وقتا أطول بكثير مما كان يتخيله معظم الناس"، في إشارة إلى حرب الخليج عام 1991.
ويقول القادة الإسرائيليون إنهم يأخذون في الاعتبار سلامة المدنيين الفلسطينيين والرهائن أثناء قيامهم بالحملة. لكن بعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين الحاليين والسابقين تساءلوا عما إذا كانت إسرائيل تعطي الأولوية لسلامة المدنيين.
أو كما قال كريستوفر كوستا، ضابط مخابرات الجيش السابق ومسؤول مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض: "يبدو أن قدرة إسرائيل على تحمل المخاطر - حساباتها - مرتفعة للغاية من حيث الانتقادات التي هم على استعداد لقبولها الآن فيما يتعلق بالخسائر في صفوف المدنيين أثناء العمليات في بيئة حضرية معقدة ومكتظة بالسكان".
وفي مكالمة هاتفية يوم 30 تشرين الأول/ أكتوبر – قبل يوم واحد من قصف إسرائيل لمخيم جباليا للاجئين – أكد الجنرال براون لنظيره الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال هيرتسي هاليفي، على أهمية تخفيف المخاطر التي يتعرض لها المدنيون عند قصف قادة حماس المشتبه بهم المختبئين في الأنفاق تحت الأرض. وفق ادعائه.
وقال أحد المسؤولين المطلعين على المحادثة، "نظرا لاحتمال انهيار المنطقة فوق الأرض عند ضرب نفق".
وقال ياكوف بيري، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي شين بيت، إن الجيش وأجهزة المخابرات تحاول قتل قادة حماس الذين نفذوا هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ولكن مثل الجنرال براون، فهو يشعر بالقلق من أن إسرائيل تعمل على خلق جيل جديد من
المقاومين.
وتابع بيري: "سنقاتل أبناءهم خلال أربع أو خمس سنوات".