كتاب عربي 21

بعد هجومه على المقاومة.. ما لا تعرفه عن "وائل غنيم" والثورة!

واجه غنيم ردودا شديدة بعد هجومه على المقاومة- جيتي
وقع "وائل غنيم" في شر أعماله، بالهجوم على المقاومة الفلسطينية؛ الأمر الذي أنهى حالة التعاطف معه، والتبرير له، والتماس الأعذار عندما يخطئ، وإن شئت الدقة فإن الجماهير التي مررت له سوء عمله من قبل، تبدو الآن غير مستعدة للاستمرار في سياسة "تطييب الخاطر"، من باب ليس على المريض حرج، وقد اعترف هو بأزمته النفسية، أو صراعه النفسي!

فالناس يتعاملون مع المقاومة على أنها "خط أحمر"، وقد أيقنوا أن الفتى واع تماما لما يقول، ومدرك تماما لما يفعل، وإن كان من خلال ما اعترف به كان يستهدف أن يحفظ حضورا في المناطق الآمنة، لأنه جرب أن يعود إلى خطاب الثورة فكان رد السلطة في مصر عليه شرسا (هل لأحد أن يدلنا على خطاب ثوري للفتى في أي مرحلة)؟!

ليس فيما سأذكره بعد قليل جديد، لم أكتبه بعد الثورة، لا سيما في الفترة من آذار/ مارس 2011، إلى حزيران/ يونيو 2013، من كشف حقيقة عملية صناعة وتغليف المذكور من قبل دوائر داخلية وخارجية ليكون زعيما لثورة قلت منذ أن بدأ بعض الشبان يتسربون من ميدان التحرير لدوائر سلطة مبارك؛ إن ثورتنا أنتجت مطالب ولم تفرز زعامات. وكان هذا في مداخلة لي من ميدان التحرير مع قناة الجزيرة!

الناس يتعاملون مع المقاومة على أنها "خط أحمر"، وقد أيقنوا أن الفتى واع تماما لما يقول، ومدرك تماما لما يفعل، وإن كان من خلال ما اعترف به كان يستهدف أن يحفظ حضورا في المناطق الآمنة، لأنه جرب أن يعود إلى خطاب الثورة فكان رد السلطة في مصر عليه شرسا

ولأن تخوّفاتي كلها من عملية الصناعة والتغليف حدثت، فلم أجد لدي شهية مفتوحة في تكرار ما قلت، مع أن وائل يُستخدم كحالة للإساءة للثورة، والإجماع يكاد يكون منعقدا بين الكافة على أنه قائد ثورة يناير، فقد أدخلت عليهم الدوائر المختلفة الغش والتدليس، وبدا واضحا أن هناك توافقا على ذلك من بين أطراف عدة، إن لم تكن الأطراف كافة!

خيام ميدان التحرير:

وقد تراجعتُ عن سياسة تجاوزه والإعراض عنه، مع أن الجماهير قد طوت صفحته، والأمر يتعلق بالهجوم على المقاومة، فلم تلتمس له عذرا، مع أنها التمست له الأعذار من قبل لسوء حالته النفسية، وإن كنا لا نعرف لماذا لم تكن سوء الحالة دافعا للهجوم على السيسي، أو في الهجوم على الصهاينة ولو على سبيل الخطأ الذي تقود إليه حالته النفسية السيئة؟!

وكان يمكن بهذا الطي لهذه الصفحة ما يمثل دافعا لي للاستمرار في الإعراض عن تصرفات الفتى، لولا أن ما قاله ضد المقاومة دفع من يبادله هجوما بهجوم، فإذا كان قد هاجم المقاومة فلا بد من الرد عليه بالهجوم على ميدان التحرير، وما كان يدور فيه من "علاقات" في الخيام بين الشباب والفتيات!

وهنا لا بد من "نقطة نظام" قبل الدخول في صلب الموضوع؛ فمن حيث الشكل ما علاقة "وائل غنيم" بميدان التحرير، ولم يكن فيه ثائرا، أو معتصما، ولم يكن من الذين ناضلوا حتى تمكنوا من فتحه في يوم جمعة الغضب بعد كر وفر، ولم يكن من الذين واجهوا الخيل والبلطجية في يوم موقعة الجمل؟ أما ما يختص بالموضوع، فإن الخيام كان في تجليات أخرى في مرحلة لاحقة على ثورة يناير، ومعظم ما قيل كان من الذين يريدون تشويه الميدان، أما في أيام الثورة، فلم تكن هناك خيام، أو عازل بين الناس، ولا أتذكر أن أمطارا سقطت في هذه الأيام إنما سقوطها كان في تجليات لاحقة، كان الصمود أمامها بهتاف اللحظة: "أدي المطرة أهيه بتمطر.. يسقط يسقط حكم العسكر"!

كان يمكن بهذا الطي لهذه الصفحة ما يمثل دافعا لي للاستمرار في الإعراض عن تصرفات الفتى، لولا أن ما قاله ضد المقاومة دفع من يبادله هجوما بهجوم

وإذا كانت الجماهير قد قررت طي صفحة "وائل غنيم" بدون تبرير هذه المرة، ولا يزال هناك من يتعامل معه على أنه رمز الثورة، فقد آن الأوان لوضع النقاط على الحروف، فليس المذكور زعيما جرت له تحولات في الموقف نظرا لحالته النفسية التي تحدث هو بنفسه عنها، فزعيم الثورة هذه هي أكذوبة وقفت وراءها -كما قلنا- دوائر عدة، وحدث تواطؤ بين الداخل والخارج، وكل فئة كانت ترى في تدشينه زعيما مما يخدم مصالحها، تماما مثل أسطورة الجيش الذي حمى الثورة، وكان لكل فريق مصلحة في ذلك، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار لا أستثني أحدا.

حسام بدراوي وغنيم:

فالمرة الأولى التي سمعنا بها عن "وائل غنيم"، كانت على لسان حسام بدراوي، القيادي بالحزب الوطني والباحث عن دور ومكانة فيه، فلما رأى الثورة وجدها فرصته ليفرض نفسه باعتباره شخصية مقبولة لدى المعارضة، وهو شخصية زئبقية، لم تقبله لذلك مجموعة جمال مبارك، أو مجموعة الحرس القديم. وظل واقفا في "الدور المسحور" في انتظار المصعد، والذي وصل لطابقه بالثورة، فقرر أن يقدم خدمات لرأس السلطة، حتى يتمكن من الاستحواذ على موقعه الحزبي بعد نهاية الحرسين؛ القديم والجديد، وكان من قبل يلعب عليهما لكن كان مكشوفا تماما لهما.

قال حسام بدراوي إنه يعمل الآن على إخراج زعيم الثورة من السجن، واسمه "وائل غنيم"، وأنه سيحمله في سيارته إلى ميدان التحرير ليخطب في الثوار ويدعوهم للانصراف بعد أن تحققت الأهداف، وتوافق عليها مع النظام. وكانت محاولة فاشلة لصناعة رأس للثورة، يمكن للنظام أن يتفاوض معه، دون تقديم تنازلات تذكر!

ومنذ اليوم الأول كانت دعاية السلطة عبر إعلامها أن الشباب في ميدان التحرير لهم مطالب جادة، يمكن الاستجابة لها، شريطة أن يبعدوا السياسيين المحترفين، أو كبار السن، أصحاب الأجندات، وكان نظام مبارك ولم يتبق منه سوى الأمن؛ يفكر ويقدر على مدى ثلاثين عاما، يعمل على حدوث خروقات، باعتبار أن الشباب غير المسيس يمكن خداعه والضحك عليه، لكن السياسيين من الصعب استمالتهم بمعسول الكلام!

منذ اليوم الأول كانت دعاية السلطة عبر إعلامها أن الشباب في ميدان التحرير لهم مطالب جادة، يمكن الاستجابة لها، شريطة أن يبعدوا السياسيين المحترفين، أو كبار السن، أصحاب الأجندات، وكان نظام مبارك ولم يتبق منه سوى الأمن؛ يفكر ويقدر على مدى ثلاثين عاما، يعمل على حدوث خروقات، باعتبار أن الشباب غير المسيس يمكن خداعه

وكان "وائل غنيم" هو الأداة لفكرة الشباب، والذي عرفنا أنه قُبض عليه قبل أيام عائدا من الخارج، كما تم القبض معه على شخصية أجنبية، وقيل إنها قضية "تخابر"، لكن هذه القضية لم نسمع عنها شيئا بعد ذلك، ولم يُشَر بالتالي إلى اتصالها بالثورة أم أن لها اتصالا بأمور أخرى!

بيد أن حسام بدراوي لم يحمل "وائل غنيم" لميدان التحرير، والذي كان ملتهبا ولن يقبل بأنصاف الحلول من كائن من كان، وإنما تم حمله إلى استوديو قناة "دريم" حيث برنامج "العاشرة مساء"، والذي تقدمه "منى الشاذلي"، وهناك بكى المذكور عند ذكر سيرة شهداء الثورة، وأبدى أسفه لأنه كان سببا في فقدهم لحياتهم، دون إدانة للقاتل. إنه يؤكد هنا على أنه صاحب الثورة، وزعيمها والداعي لها، ثم هرول خارج الأستوديو في تمثيلية مكشوفة، وجرت خلفه المذيعة، لخلق جو مفعم بالعواطف الجياشة. ولم تلحق الشاذلي به بطبيعة الحال، ولا ندري لماذا لم يقم بالمهمة طاقم العمل، وكان بإمكانهم الإمساك به، إلا إذا كانت هذه النهاية العاطفية مقصودة بذاتها!

الثورة وصفحة خالد سعيد:

إن من الأكاذيب التي قيلت أن صفحة "خالد سعيد" على "فيسبوك" هي من دعت للثورة، والتي قيل كذلك إن من كان يشرف عليها هو وائل، ويديرها من الخارج، الأمر الذي حدث بتسليم من الجميع بصحته؛ تسليمهم بأن الجيش حمى الثورة، حتى وهم يرون مشاهد إدخاله للشبيحة للميدان، ومحاولة مدير المخابرات الحربية لإدخالهم التحرير تحت لافتة أنهم أعضاء في الحزب الوطني ومن حقهم الحضور للاحتفال بخطاب مبارك، وحتى عندما يتم التذكير بمشهد قصف الجيش لنا بالقنابل المسيلة للدموع في ليلة 28 كانون الثاني/ يناير!

تسأل من حولك في الميدان إن كان أحد منهم كان يعرف "وائل غنيم" قبل هذه "اللقطة"، فلا تجد من بينهم من يعرفه، بمن في ذلك الذين تعاطفوا مع الحالة العاطفية، تماما كما تسأل أحدا منهم إن كان قد جاء إلى هنا استجابة لدعوة أطلقتها صفحة خالد سعيد، فلا تسمع أحدا قد فعل، وكثيرون لم يسمعوا عنها، ناهيك عن أنه في هذه الفترة لم يكن الإنترنت منتشرا في مصر مثل الآن، لتُحدث الصفحة التأثير المطلوب!

إن الحديث عن صفحة كان يديرها "وائل غنيم" هي من دعت للثورة يتجاهل تماما أن الثورة دعت إليها رموز على الأرض وحركة كفاية، وفي الاجتماعات تم الاتفاق على نقاط تمركز ومسيرات تدعمها، وهي من حددت اليوم. وفي نهاية هذا اليوم واليوم التالي، كانت الدعوة لجمعة الغضب، من أناس من لحم ودم، وليس من صفحة على فيسبوك؛ ولم يرع الذين أطلقوا هذه الفِرية انقطاع الإنترنت، كما لم ينتبه الذين سلّموا بها أن الذي نقل الصورة في يوم موقعة الجمل كان هو الإعلام التقليدي، حيث قناة الجزيرة، وكان الرئيس الأمريكي يتابع ما يجري في الميدان من اعتداء غاشم، تحت حماية الجيش الذي حمى الثورة، عبر القناة، بحسب جليسه في هذا اليوم سعد الدين إبراهيم، فلم يذهب أوباما لصفحة خالد سعيد!

الحديث عن صفحة كان يديرها "وائل غنيم" هي من دعت للثورة يتجاهل تماما أن الثورة دعت إليها رموز على الأرض وحركة كفاية، وفي الاجتماعات تم الاتفاق على نقاط تمركز ومسيرات تدعمها، وهي من حددت اليوم. وفي نهاية هذا اليوم واليوم التالي، كانت الدعوة لجمعة الغضب، من أناس من لحم ودم، وليس من صفحة على فيسبوك

ومع تأثير الدعاية بدور الإعلام البديل في القيام بالثورة، بدت كليات الإعلام في شوق لموضوعات جديدة للبحث الأكاديمي، فكانت عشرات بل مئات الدراسات عن الإعلام الجديد، منطلقة من أنه وقف وراء الثورة، وعملت الأنظمة على تقييده، وبعد أكثر من عشر سنوات جاء من صدّق هذا، فكانت الدعوة لثورة عبره بعد تعدده، فصار تويتر، ويوتيوب وغير ذلك، بجانب "فيسبوك"، وانزلوا الآن وحالا، أكملوا المشاهدة وأنتم في الشوارع، فلم يستجب لهم صريخ ابن يومين، لأن شرط الدعوة أن يكون الداعي على الأرض، وليس في العالم الافتراضي!

النفخ الغربي في وائل:

لقد كان الغرب يبحث عن موضع قدم في الثورة بعد نجاحها، فكانت عملية النفخ في "وائل غنيم"، وغيره من الشباب. وقد استشعرتُ الخوف على الثورة، وأنا أقرأ عن وفود من الشباب ذاهبة وعائدة إلى عواصم غربية لتحكي قصة الثورة، وكتبت عن السبب في الاختيار ولا توجد لأحد منهم أدوار متميزة في الثورة، لكن الغرب كان يعرف بعضهم فاعتبرهم من يمثلون خياره الاستراتيجي بعد الثورة، وهم يبدون بدون قيم تقليدية حاكمة.

وشُكلت ائتلافات الثورة من هؤلاء الشباب، أو ما أسميته بائتلافات الوجاهة الاجتماعية، لتتم دعوتهم إلى ما سمي بالحوار الوطني، وإلى لقاءات المجلس العسكري، وكنت أدخل إلى التلفزيون المصري فأجد طقما من البدل مرصوصا على الأرائك، ويتم التودد لهم.. فأسأل من الفتية؟ فيقولون شباب الثورة!

وبعد ذلك علمت من عاملين في التلفزيون المصري والقنوات الخاصة، أن الضيوف منهم كانوا يأتون بناء على قائمة ترسل للبرامج وأقسام المقابلات من المجلس العسكري!

إنه التطبيق العملي لسياسة الحديث مع الشباب التي بدأت في عهد مبارك، لتفريغ الثورة من مضمونها، ومع قرب هؤلاء الشباب من السلطة والحكومة، إلا أنه تبين عدم إنصافهم لشهداء ومصابي الثورة، لتكون وقفة أهلهم أمام مسرح البالون ويتم الاعتداء عليها أمنيا.. حدث هذا بعد الثورة!

وبعد قليل جاء الثوار الحقيقيون من بيوتهم ليكون ميدان التحرير ليلتها كامل العدد، احتجاجا على ما جرى لأهالي الشهداء والمصابين، ولم يكن لثوار الحظيرة من سبيل إلا أن يحضروا للميدان ويشاركوا فيه، ولم نسمع شيئا عن "وائل غنيم" ليلتها، وكان غيابهم أفضل، لأنه في هذه الليلة تم إطلاق الرصاص فجرا على المعتصمين. وقد أنكر المجلس العسكري في البداية، فلما تم نشر صورة "الفوارغ" كانوا هم من قبلوا منه مقولة رصيدنا يسمح؛ ألم يحموا الثورة، ويحملوا مبارك على الرحيل؟!

كتبتُ أن الثورة ستؤتى من شباب الائتلافات، واستنكرت هذا الاستدعاء الغربي لعدد منهم، واستنكر عليّ الأصدقاء ذلك، وقالت زميلة: دعهم يسافروا، ويفرحوا، هم شباب ومن حقهم هذا. وكنت أرى أننا أمام ضحالة فكرية وسياسية تسيء لهذه الثورة العظيمة من جانب، وترتب أدوارا لشباب ثم تطعن الثورة بناء على هذه الأدوار!

وأذاع أحد البرامج التلفزيونية عن شباب سافر للتدريب على الثورة في معسكرات بدولة ما، ولم نناقش ما قيل مناقشة حقيقية، فمن سافر؟ وما هي قيمته في الثورة ابتداء؟ وهل هؤلاء كانوا هم الثورة؟!

كتاب وائل عن الثورة:

وفي إطار تصنيع الغرب لنخبته، تم الإعلان عن كتاب سيكتبه "وائل غنيم" عن الثورة بأكثر من لغة، باشتراك أكثر من دار نشر في أكثر من عاصمة، وتُرجم للغة العربية، وهالني أن الكتاب صدر ضخما يزن رطلين، فكيف سوّد كل هذه الصفحات؟! وكتبت كيف لفتى لم يشارك في المحطات الرئيسية للثورة أن يؤرخ لها؟!

ففي محطة انطلاقها يوم 25 يناير لم يكن حاضرا فقد كان في الخارج، كما لم يشارك في جمعة الغضب، ولم يشارك في أول مليونية لها (يوم الثلاثاء) 1 شباط/ فبراير، كما لم يكن حاضرا في يوم موقعة الجمل، لأنه كان في السجن في هذه المحطات، وماذا فعل بعد الإفراج عنه؟!

في يوم جمعة الرحيل انقسم الثوار؛ مجموعة ذهبت لتحاصر القصر الجمهوري وكنت منهم، ومجموعة رفضت ترك ميدان التحرير لأنه رمز الثورة وقد يغري الفراغ باقتحام قوات الأمن له، فكان الآلاف هنا وهناك، والمظاهرات تعم المحافظات المصرية، وإذا بنشر فيديو من منزل وائل لحظة التنحين، فإذا به ولفيف ممن شكلوا شباب الثورة بعد ذلك هناك في بيته!

فلماذا عهدت له دور النشر الغربية بكتابة كتاب عن الثورة، ودفعت له على ما أتذكر 250 ألف دولار، وهو لم يعرف عنه الكتابة والتأليف، ومن متابعته لا يمكنه كتابة جملة واحدة مستقيمة؟

ومع هذا الاختيار الغربي بدا الجميع متواطئا مع هذا الاصطفاء، بمن في ذلك التيار الإسلامي الذي يرى أن "وائل غنيم" ابن من أبنائه، فقد كان إخوانيا، ثم ترك الإخوان والتحق بالسلفيين، لكنه لم يبرح خندقه الإسلامي، فهذا الشاب الفلتة المتفوق في مجال تخصصه هو ابن لهذا التيار، ولهذا كان التبرير له والسؤال الاستراتيجي: لا نعرف ماذا جرى لوائل.. حسنا، وماذا كان وائل؟!

كما حدث التواطؤ من الائتلافات الشبابية، فلا مانع عندهم من أن يكون وائل هو رمز الثورة ومفجرها، فهذا برر لهم تخطي الرقاب، فمفجر الثورة شاب مثلهم، وقد فعلوا ما لم تفعله الأجيال السابقة، وهو لم يعد منتميا للتيار الإسلامي فقد تحوّل، فصار إنسانيا غربيا، صنعه الغرب على عينه، ويعيش ويعمل هناك، ومتزوج من أمريكية، وبإمكانه أن يفتح لهم الدوائر الغربية!

في واحدة من تحولاته صار ابن المشروع الغربي، يعيش ثقافة القوم، وعندما أراد أن يعود إلى جذوره لم يجد نفسه هناك، تماما كما تحول من الإخوان للسلفيين، ومنهم إلى المجهول، فصار حالة نفسية مرتبكة، لعدم قدرته على استيعاب ما يدور حوله. وهذا أمر يقع في دائرة اختصاص علماء النفس، لكن وعودة إلى الكتاب، فالثورة التي أوكل الغرب مهمة التأريخ لها لوائل وقد صُنع زعيما لها، ليس فقط أنه لم يكن جزءا من محطاتها الرئيسية

لكنه في النهاية ليس البرادعي الذي لم يقبله المجلس العسكري، وعمل على إبعاده من المشهد بعد الثورة إلى أن توافق معه للقيام بالانقلاب، كما أنه ليس سعد الدين إبراهيم المرتبط بالغرب ومع ذلك لديه أجندة مرتبطة بالحريات وضرورة الحكم المدني!

إنه بعد أن تخلص من الانتماء الديني، لا يبدو أنه صاحب قضية أو مشروع، فلا بد من كسبه في مهمة تطبيق سياسة فرق تسد، التي ورثها المشير طنطاوي من حسني مبارك، وكان هو أحد الذين اكتووا بنارها، وكان يغري باستمراره وزيرا للدفاع هو ضعفه، وأنه بدون شعبية داخل الجيش!

وإذا استبعدنا الشباب غيره، فلا يستطيع أحد أن يكشف عن فكرة، أو مطلب، أو قضية ثورية، تبناها "وائل غنيم" وعرضها في اجتماعات المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو تلك التي كان يعقدها السيسي بشكل يومي مع من انتحلوا صفة شباب الثورة؛ كل شباب الثورة!

وعندما يهاجم "وائل غنيم" المقاومة الآن بشكل مبتذل، فلم يكن على شيء قبل ذلك ليسأل أحد سؤال التحول، فلم يضبط متلبسا برأي في الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يضبط مشاركا في مظاهرة حتى وهو منتحل صفة ثوري، لكن الثورة لم تكن هذا الخواء!

فالثورة هي التي احتشدت حول السفارة الإسرائيلية وأسقطت علم إسرائيل، وأجبرت السفير الإسرائيلي على مغادرة البلاد، فأين كان وائل زعيم الثورة وشباب مصر يتسلقون الجدران في مشهد مهيب لينزلوا العلم، والآلاف يحيطون بالسفارة من كل جانب؟!

إنه في واحدة من تحولاته صار ابن المشروع الغربي، يعيش ثقافة القوم، وعندما أراد أن يعود إلى جذوره لم يجد نفسه هناك، تماما كما تحول من الإخوان للسلفيين، ومنهم إلى المجهول، فصار حالة نفسية مرتبكة، لعدم قدرته على استيعاب ما يدور حوله. وهذا أمر يقع في دائرة اختصاص علماء النفس، لكن وعودة إلى الكتاب، فالثورة التي أوكل الغرب مهمة التأريخ لها لوائل وقد صُنع زعيما لها، ليس فقط أنه لم يكن جزءا من محطاتها الرئيسية، ولكنه أيضا لم يكن جزءا من المعارضة السياسية قبلها، أو حاضرا في الحراك السياسي الذي بدأ بتأسيس حركة كفاية سنة 2003!

فلا معنى لسؤال ماذا جرى لوائل؟ لأن الإجابة عليه بسؤال آخر هو وماذا كان وائل؟!

إنه خطأ مطبعي في كتاب الثورة!

twitter.com/selimazouz1