نشرت صحيفة "
الغارديان" تقريرا أعده روري كارول مراسل شؤون أيرلندا، وليزا أوكارول قالا فيه إن تعاطف أيرلندا مع المعاناة في
غزة متجذرة في تجربتها التاريخية.
وقالا إن لقطات فيديو انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي وتم تبادلها حول العالم مثيرة الإعجاب والغضب والسؤال المحير: لماذا يبدو الساسة الأيرلنديون أكثر صراحة في شجبهم لقصف إسرائيل غزة؟
وقد وصف رئيس وزراء أيرلندا، ليو فاردكار الهجوم على غزة بأنه "يصل للانتقام"، أما وزير الخارجية مايكل مارتن فوصفه "بغير المتناسب"، وذهبت المعارضة أبعد منهما ووصفت العملية في غزة بأنها جريمة جماعية، وارتدى بعضهم الكوفية الفلسطينية في البرلمان. واعتبر المعلقون المؤيدون لفلسطين التصريحات بأنها مثال لبقية أوروبا وكيفية شجب هجوم قتل أكثر من 11.000 فلسطيني.
وكان رد المعلقين المؤيدين لإسرائيل على الموقف الأيرلندي بأنه ضيق أفق وإنكار لـ"حق" إسرائيل بالدفاع عن نفسها بعد هجوم حماس الذي قتل 1.200 إسرائيلي وتم أسر أكثر من 240 شخصا في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وحث وزير التراث الإسرائيلي أميخاي إلياهو الفلسطينيين على الهجرة إلى أيرلندا أو الصحراء، ورغم أن الحكومة الإسرائيلية تبرأت من كلامه إلا أن تصريحاته أكدت على مفهوم استثنائية أيرلندا من بين دول الاتحاد الأوروبي.
وشهدت أيرلندا تظاهرات مؤيدة لفلسطين وحاولت أحزاب المعارضة وفشلت في إجبار الحكومة الأيرلندية على إحالة "إسرائيل" إلى محكمة الجنايات الدولية وطرد السفيرة الإسرائيلية في دبلن، دانا إرليتش. ووقع أكثر من 600 أكاديمي أيرلندي وثيقة حثوا فيها المعاهد العليا والجامعات الأيرلندية على قطع علاقاتها مع المؤسسات الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن جيلان وهبة عبد المجيد، السفيرة الفلسطينية في أيرلندا: "يشعر الشعب الأيرلندي بالعاطفة الحارة عن فلسطين، وفي الحقيقة يفهمون ما يحدث" و"أشعر بالشرف لأنني هنا". وفي المقابلة التي أجريت معها في مكتب البعثة الفلسطينية بدبلن، أثنت على الحملة لوقف إطلاق النار، وقالت إنها شرفت بالتصفيق الحار في مؤتمر الشين فين حيث هتف المشاركون "فلسطين حرة". وتقول عبد الحميد إن الفلسطينيين تشاركوا في لقطات فيديو للمشرعين الأيرلنديين الذين دعموا قضيتهم و"يرون الدعم".
ويقول نيال هولوهان، الدبلوماسي المتقاعد والذي عمل كممثل للحكومة الأيرلندية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية برام الله ما بين 2002- 2006 إن التعاطف مع فلسطين متجذر بالتاريخ الأيرلندي و"نشعر أننا كنا ضحية على مر القرون، وجزء من نفسيتنا وشعورنا بالداخل الوقوف مع الطرف المستضعف".
وتقول جين أوهلمير، أستاذة التاريخ بكلية ترينتي بدبلين ومؤلفة كتاب "صناعة الإمبراطورية: أيرلندا، الإمبريالية وبداية العالم الحديث" إن أيرلندا هي أقدم مستعمرة بريطانية ونموذج لفلسطين وهو "ما شكل وبدون شك الكيفية التي يتواصل فيها الشعب الأيرلندي مع نزاعات ما بعد الإستعمار".
وحتى قبل النزاع الأخير، استخدمت أجزاء من أيرلندا الشمالية التقسيمات القبلية بالوكالة، فالأعلام الإسرائيلية هي للجماعات الموالية للتاج البريطاني والأيقونات والرموز الفلسطينية هي للجمهوريين.
وهناك عامل آخر يتعلق بحجم الجالية اليهودية التي لا تزيد عن 2.500 مقارنة مع العدد في بريطانيا وفرنسا، وهي نسبة لا تتجاوز عن 0.05% من سكان أيرلندا، مما يعني "الحرية في اتخاذ المواقف المبدئية التي يرونها" كما يقول هولوهان، الدبلوماسي المتقاعد.
وكانت أيرلندا أول دولة تعترف بالدولة الفلسطينية في 1980 وأول من شجب علنا المفوض الهنغاري أوليفر فارهيلي عندما أعلن من طرف واحد وعبر منصات التواصل الاجتماعي تعليق كل التمويل الأوروبي لفلسطين. واتهم فاردكار، رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فاندر لين بأنها "تفتقد التوازن" في تعاطفها مع إسرائيل. ووجدت أيرلندا دعما من جين أسيلبورن، وزير خارجية لوكسمبرغ المنتهية ولايته والذي أخبر الصحافيين وقبل آخر قمة لوزراء الخارجية في بروكسل أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وعلى مدى العقد الماضي "لم تعر اهتماما" بالدولة الفلسطينية وباستثناءين "هناك دولتان حاولتا وضعها على الأجندة، أنا وأيرلندا".
وتحاول أيرلندا حث الاتحاد الأوروبي نحو موقف "أكثر عدلا" وتحاول تجنب الركض بمفردها، كما يقول هولوهان، ملاحظا أن فرنسا والدول الأعضاء الأخرى رددت دعوتها لوقف إطلاق النار: "نريد أن نبقى داخل الإجماع الأوروبي".
وتعاطفت أيرلندا ذات الدافعية للوقوف مع المستضعف، مع الحركة الصهيونية ومحاولاتها إنشاء دولة يهودية على أرض فلسطين. وردت عصابات إرغون بالمثل حيث اتخذت مثالا من المتمردين الأيرلنديين في قتالها البريطانيين في أربعينات القرن الماضي.
إلا أن احتلال الضفة الغربية عام 1967 وغزو لبنان عام 1982 حيث نشرت دبلن قوات حفظ سلام ووضعتها في مرمى النيران، ساهم في زيادة تعاطف أيرلندا مع الفلسطينيين. ويقول موريس كوهين، رئيس مجلس الممثلين اليهود في أيرلندا "تحول الأمر إلى رواية مفادها، إذا كان الأيرلنديون قاتلوا لإخراج المحتلين، فإن الفلسطينيين يقاتلون لإخراج المحتلين". وقال إن الناس نسوا أن أول رئيس لإسرائيل حاييم هيرتسوغ، والد الرئيس الحالي ايستحاق هيرتسوغ، ولد في بلفاست ونشأ في دبلن.
ويقول إن هناك تصاعدا بـ"معاداة السامية" على منصات التواصل الاجتماعي أما شجب حماس فقد كان مجرد روتين، وهناك حالة فقدان ذاكرة جماعي وانتقائي لهجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. ويقول هولوهان، الدبلوماسي المتقاعد إن الشعب الأيرلندي لديه "نقطة ضعف" لحماس التي وصفها بالمنظمة الإسلامية القمعية المتطرفة "وببساطة لا يعرفون الكثير عنها".
وعبر سيران بيري، عضو المجلس المحلي الذي دعم قرارا فاشلا لرفع العلم الفلسطيني فوق المبنى الرئيسي لدبلن عن أمله بأن يدفع الغضب بسبب معاناة غزة الحكومة الأيرلندية لإرسال رسالة قوية لواشنطن وبروكسل "من الجنون، والمذهل أن نرى أناسا لا يطالبون بوقف إطلاق النار".