قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، وقنصل عام
مصر سابقا في "تل أبيب"، السفير رفعت الأنصاري، إن انطلاق الجولة الثانية من العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع
غزة، هو إعلان مؤكد بفشل العدوان الذي استمر لـ50 يوما دون تحقيق أي هدف من أهداف الحملة العسكرية.
وأوضح في لقاء صحفي خاص لـ"عربي21"، أن الحرب الإسرائيلية كانت تستهدف تحرير الأسرى المدنيين والعسكريين لدى المقاومة
الفلسطينية دون مفاوضات، والهدف الثاني هو القضاء على "حماس" وقادتها من خلال العملية البرية التي استمرت لأكثر من شهر ولكنها فشلت.
ويعتقد الأنصاري، أحد الدبلوماسيين المصريين المخضرمين في الشأن الإسرائيلي من خلال عمله في السفارة المصرية في "تل أبيب"، أن دولة الاحتلال رغم فشل خططها لتهجير الشعب الغزي إلى مصر إلا أنه لا يزال هدفا لها تسعى إلى تحقيقه.
وتقلَّد الأنصاري منصب مساعد وزير الخارجية المصري للإعلام والصحافة إلى حين تقاعده في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، وتمتد خبرته في السلك الدبلوماسي إلى 35 عاما عمل خلالها في عدة مناصب دبلوماسية من ملحق إلى سفير ممتاز، حيث عمل في سفارات مصر في كل من: لندن، تل أبيب، فيينا، بودابست ثم انتقل للعمل كسفير لمصر في كل من: النيجر، أريتريا، كينيا، سيشيل وألبانيا.
وقال الأنصاري إنه أطلق قناة متخصصة على وسائل التواصل الاجتماعي باسم "إسرائيل الصندوق الأسود" (Israel The Black Box) واستثمار خبراته بالمجتمع الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا، وتوظيفها في الكشف عن الكثير من الحقائق المتعلقة بمزاعم وادعاءات إسرائيل.
وفي ما يأتي نص الحوار كاملا:
كانت هناك آمال أن تقود الهدنة المؤقتة في قطاع غزة إلى وقف دائم لإطلاق النار، لماذا انهارت الهدنة وتجدد القصف الإسرائيلي العنيف ضد القطاع؟
كنت متأكدا أن تستأنف إسرائيل عملياتها العسكرية فور انتهاء آخر أيام الهدنة المؤقتة، وقلت سابقا، إن إسرائيل في اتفاق الهدنة الأساسي قالت إنها على استعداد لتمديد الهدنة بحد أقصى 10 أيام، لكن بعد نهاية الأيام الأربعة وافقت حماس على مد الهدنة يومين إضافيين وبعد انتهاء اليومين وافقت مجددا على تمديد الهدنة أربعة أيام أخرى لكن إسرائيل رفضت وتمسكت بيومين فقط ثم انهارت الهدنة.
لماذا عاد طيران الاحتلال إلى القصف من الجو بدلا من التعمق في قطاع غزة بريا؟
أنا على يقين أن القوات الإسرائيلية أصبحت كالبطة العرجاء في مواقعها لا بد أن تحركها طوال الوقت لأنها لا ترى مقاتلي حماس ولا مواقعهم؛ لأنهم تحت الأرض في الأنفاق يتحركون بحرية، بينما القوات الإسرائيلية موجودة ومكشوفة فوق الأرض وفي الشوارع ومن هنا الوضع العسكري لإسرائيل لم يكن يسمح بأكثر من ذلك، وكنت على يقين حتى وإن كانت امتدت الهدنة إلى 10 أيام لن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار.
لماذا تسعى "إسرائيل" إلى جولة عسكرية ثانية وما الذي تريد تحقيق ما فشلت فيه؟
تقديري الشخصي أنه لا بد أن تكون هناك الجولة الثانية العسكرية ستحاول إسرائيل فيها تحقيق الهدف الرئيسي الذي لم تحققه، ولا أعتقد أنها ستكون قادرة على تحقيقه؛ وهو هزيمة حماس عسكريا وسياسيا، لكن الوضع الحالي تحول في الرغبات والأهداف الإسرائيلية، كما قال مندوبها الدائم في مجلس الأمن مؤخرا أن إسرائيل على استعداد لوقف الحرب في حال تسليم جميع الرهائن الأسرى المدنيين والعسكريين وبالطبع حماس لن تفرج عن الأسرى العسكريين ولهم ثمن كبير ومختلف.
الجولة العسكرية الثانية هي محاولة لإرضاء المزاج العام الإسرائيلي وإرضاء رغبات المؤسسة العسكرية المجروحة.
ما هي قيمة الأسرى العسكريين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية؟
إجراءات التفاوض بشأن الأسرى العسكريين مختلفة، عندما حدث اللقاء الثلاثي بين أجهزة المخابرات المصرية والأمريكية والإسرائيلية كان جزء من الحديث يتعلق بالأسرى العسكريين وحماس رفضت حتى الآن التصريح بقوائم وأسماء وأعداد الأسرى العسكريين.
وفي تقديري الشخصي فإنه يصل عدد الأسرى العسكريين ما بين 30 و 35 عسكري، الأهم أن من بينهم ليسوا عسكريين فقط، هناك أعضاء من الشاباك والوحدة 8200 التابعة للمخابرات الحربية "أمان" كل واحد منهم يساوي الكثير مقارنة بالجندي جلعاد شليط، حماس لن تفرط بهم بهذه البساطة.
لماذا فشل المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها في تحويل الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار بعد أن تكشف حجم الدمار والتخريب المروع؟
هل كانت إسرائيل في يوم من الأيام تأبه أو تعطي أي اعتبار للرأي العام الدولي أو المؤسسات الدولية بالأمم المتحدة أو مجلس الأمن؛ لأن أمريكا هي الحاضنة الرئيسية والحامية لإسرائيل، وهي على قناعة بأنه لا بد لإسرائيل بعد الهزيمة النكراء عسكريا وسياسيا في 7 أكتوبر وبعد الإخفاق الأمني والمخابراتي والعسكري للجانب الإسرائيلي.
وحتى الآن لا بد أن يكون هناك رد اعتبار، وهذا الرد لن يكون إلا بتصفية السنوار والضيف عندها إن وصلوا إلى هذه الأهداف – لا قدر الله – ربما يقولوا هزمنا حماس وطالما لم يصلوا لأهدافهم سوف يستمروا.
لماذا تعتبر أمريكا أن الحرب حربها الشخصية ولماذا ترفض وقف إطلاق النار وترفض الهدنة؟
الاتحاد الأوروبي كان يرفض وقف إطلاق النار ويرفض الوصول إلى هدنة، لكن بدأت الدول الأوروبية فرادى تخرج عن نطاق الرأي العام للاتحاد مثل إسبانيا واليونان وبلجيكا وغيرهم، إسرائيل تستقوي بالولايات المتحدة، وأقول إن الولايات المتحدة سوف تطلب إسرائيل إلى بيت الطاعة ولن يكون هناك مفاوضات لاستمرار الحياة الزوجية بينهما لكن ستكون العلاقة على شكل إملاءات وشروط أمريكية، وهذا لا يحدث إلا في حالة واحدة فقط عندما تتعارض المصالح الأمريكية مع المصالح الإسرائيلية، وقدمت له شرحا وافيا في إحدى الحلقات على قناتي.
هل تعمد قوات الاحتلال قتل المدنيين في قطاع غزة وسيلة من وسائل الضغط على المقاومة في غزة؟
بالطبع المقتلة في قطاع غزة هي وسيلة من وسائل الضغط على حماس عسكريا ومدنيا، تريد إسرائيل إلحاق هزيمة نفسية لدى الفلسطينيين بإيقاع أكبر قدر من القتلى، وكان هذا رأيي من البداية منذ بدء الأحداث الجارية في منصتي على موقع يوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، كل قتيل إسرائيلي يكون مقابله 10 من أهالي غزة، وكل جريح سيكون مقابلة 10 من غزة.
نقل العمليات إلى الجنوب، هل هو ضمن خطة التهجير التي تتم محاولة فرضها من جانب واحد والدفع بالغزيين باتجاه مصر؟
الخطة للتهجير كانت قائمة؛ ولكن وجدت معوقات وصعوبات ومواقف حازمة من مصر والأردن وأيدتهما الولايات المتحدة، إذن خطة التهجير القسري تم وضعها على الرف مؤقتا ولم يتم التجاوز عنها، كان باعتقادهم أن حماس أخذت الأسرى إلى الجنوب لكن حماس فاجأت الجانب الإسرائيلي بتسليم الدفعة الثالثة من صفقة تبادل الرهائن في قلب ميادين مدينة غزة المدمرة وأمام أعين القوات الإسرائيلية وهذا أوجد حجم كبير من الانتقادات من داخل المجتمع الإسرائيلي للمؤسسة العسكرية والأجهزة المخابراتية.. كيف تقولون إنكم سيطرتم على شمال قطاع غزة ومدينة غزة وتخرج قوات حماس من وسط المدينة المدمرة وتسليم الأسرى الإسرائيليين.
لماذا تتجه العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي جنوبا؟
أذاعت إسرائيل أن المقاومة وقادتها والأسرى ذهبوا للجنوب وهذه ذريعة لقصف وتدمير الجنوب، ولكن إحدى الأسيرات قالت إنها عندما كانت في الأسر في أحد الأنفاق دخل عليهم رجل أشيب الشعر عرف نفسه لهم بأنه يحيى السنوار وأنه هنا من أجل الاطمئنان عليهم والإطلاع على أوضاعهم ووعدهم بأنه لن يطالهم أي أذى وتكلم العبرية معهم بإتقان وطلاقة.
كيف ترى الفرق بين تسليم "حماس" الأسرى في قطاع غزة للإسرائيليين وبين تسليم سلطات الاحتلال الأسرى الفلسطينيين في الضفة الغربية؟
الفرق بين تسليم الأسرى في قطاع غزة وتسليم المحررين في الضفة الغربية، الأول كان يمثل الجانب الإنساني للمقاومة وكانت سلطات الاحتلال تمثل الجانب الشيطاني الآخر، في الجانب الأول سلامات وكلمات وداع ونظرات عرفان وعلى الجانب الآخر ضرب وحرمان من الشرب وإطلاق قنابل الغاز والاعتداء على الأسرى، الذي أظهر الجانب الوحشي وغير الإنساني للعالم.
كيف تغيرت صورة الاحتلال التي رسخت لها لعقود في الإعلام العالمي؟
تحدثت بشكل مستفيض في حلقة مميزة في قناتي إسرائيل الصندوق الأسود عن تغيير الصورة الذهنية فيما يتعلق بوحشية حماس التي روجوا أنها قطعت رؤوس 40 طفلا إسرائيليا واغتصبت النساء، ما خرج من ود من الأسرى تجاه آسريهم أسقط كل هذه الادعاءات، إحدى الأسيرات قامت من مكانها بعد أن كانت في جانب الصليب الأحمر وعادت وقبلت رأس مقاتل حماس التي كانت في حراسته.
حماس لديها وحدة اسمها وحدة الظل منذ عام 2006 وظلت سرية وهي التي تولت إخفاء جلعاد شاليط لمدة 5 سنوات وتغلبت على كل وسائل المخابراتية والتكنولوجية الإسرائيلية التي لم تستطيع تحديد موقعه ولا أماكنه، هذه الوحدة لم يعلن عنها إلا في 2016 وضمت مؤخرا نساء مقاتلات فلسطينيات وتحدثت عن هذا الموضع في حلقتي الأخيرة لمن يرغب في مزيد من التوضيح.
ماذا خسرت "إسرائيل" من هذه الحرب داخليا وخارجيا حتى الآن ولا يمكن تعويضه، خاصة إذا علمنا أنها كرست عقودا من العمل والجهد والمال والكوادر لرسم صورة "إسرائيل" باعتبارها "واحة الله وسط أدغال الأشرار العرب"؟
ما لا يمكن تعويضة أن إسرائيل خسرت في يوم 7 أكتوبر شرفها العسكري والأمني والمخابراتي وكان هناك إخفاق في ثلاث مجالات، وخسرت قوتها وهيبتها وسمعتها وهذه لن تستطيع محوها، الشق الثاني، إسرائيل خسرت الرأي العام العالمي وتحديدا الغربي الذي كان في البداية متعاطفا بقوة مع إسرائيل ثم تحول بعد أن تكشفت الحقائق، وخسرت الرأي العام العالمي لدى الشباب الغربي تحديدا والذي ترسخت في ذهنه الصورة الجديدة لإسرائيل الوحشية.
ما هو توقعك لمستقبل الجولة العسكرية الثانية وقدرة المقاومة على الصمود.. وهل يمكن استئصال شأفة المقاومة من قطاع غزة؟
لا يمكن القضاء على الفكرة والمقاومة ليست فكرة فقط إنما عقيدة أيضا، عندما يقال تم القضاء على داعش فهي لا أرض لها ولا حاضنة لها، أما بالنسبة لحماس الشعب الغزاوي حاضن وحامي لها، ثانيا المقاومة عقيدة وليست فكرة، حتى لو أخرجت حماس من القطاع سيكون هناك بعدها بـ 6 شهور حركة كفاح أو حركة نضال.. إلخ إذن الموضوع لا يمكن استئصال العقيدة والفكرة، وإذا كان على الأفراد فربما تنجح أو تفشل إسرائيل في مهمتها، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالجولة الثانية من الحرب لأن الوضع على الميدان متغير وليس له ثوابت.