-1-
قد يحتاج الشعب الفلسطيني في
غزة لمعجزة لإنقاذه من
الإبادة الجماعية الحقيقية التي يتعرض لها اليوم، فحجم نار الهستيريا الإجرامية
التي تشتعل في نفوس المستوطنين اليهود في فلسطين لا يطفئها حتى القضاء على
حماس، وهو
أمر يبدو بعيد المنال حتى الآن، إن لم يكن مستحيلا.. نحن أمام حرب قروسطية تتجاوز
في فظاعتها كل ما وقع من حروب في التاريخ المعاصر، مرورا بالحربين العالميتين
الأولى والثانية وحروب البوسنة والهرسك وما تعرض له المسلمون من فظائع، والأهم من
كل هذا، أن هذه الحرب الوحشية مدعومة بشكل كامل من ترسانة سلاح لا تنفد، وغطاء
دولي لا تهمه لا مظاهرات ولا احتجاجات ولا عرائض استقالة!
وفضلا عن مخاطر الإبادة الجماعية، ثمة خطر لا يقل بشاعة
وهو خطر التهجير الجماعي، الذي بدأ يأخذ صورة عملية جنوب قطاع غزة. والحقيقة أن
الاعتماد على المقاومة وثباتها الأسطوري لا يكفي لدرء الأخطار التي تحيط بالشعب
الفلسطيني في غزة، فالصمود والمناجزة هما مهمة المقاومة، ولكن ماذا عن المحيط
العربي والإسلامي المنخرط في التفويض الغربي لقوة الاحتلال بإتمام مهمتها والمضي
قدما في الإبادة والتهجير؟
اليوم أمام مشهد سوريالي، بل مستحيل، وخيارات العدو الصهيوني كلها في غاية السوء، فلا يمكنه وقف العدوان ولا الاستمرار فيها ولا التراجع، ولا الكف عن فعل أي شيء، ويمكننا القول إن ما يقارب الشهرين من العدوان كانت نتيجته العسكرية صفرية، ومن رأى صواريخ المقاومة تشعل سماء تل أبيب وما حولها ليلة السبت/ الأحد سيسأل: ماذا يفعل آلاف الجنود في غزة طيلة ما يقارب الشهرين
حجم الجنون في كيان العدو تلخصه إحدى الكاتبات في صحيفة
"هآرتس" حين تقول: "لا يهم ما الذي
ستفعله
إسرائيل بحماس، هذا لن يغير ما فعلته حماس بإسرائيل. ما حدث فقد حدث. إسرائيل
تم اغتصابها بوحشية. هي يمكنها أن تقتل من اغتصبها وأن تخصيه وأن تدفنه وهو على
قيد الحياة تحت الأرض، وأن تنفذ كل سيناريوهات الانتقام التي يمكن تخيّلها، لكن
هذا لن يغير الحقيقة المرة بأن إهانتها على يديه ستكون مسجلة الى الأبد" (كارولينا
ليندسما، هآرتس، 1 كانون الأول/ ديسمبر).
أحد المراسلين المقربين من رئيس أركان العدو قال: لو قرر
نتنياهو إنهاء الحرب، وسحب الفرقتين العسكريتين من غزة.. فإن فرقة على الأقل
ستتوجه نحو القدس لإسقاط حكومته!
وثمة تحذيرات من كبار ضباط الجيش الصهيوني، من أن وقف
الحرب سيؤدي إلى تفتيت الجيش!
وفي خط متواز نقرأ ما يناقض كل ما سبق: "كل الأحاديث
عن حرب حتى النصر وإبادة حماس وتصفية الإرهاب هي كلام، حماس هي فكرة وحركة
تاريخية: لا يمكن إبادة فكرة. (الإرهاب) هو ظاهرة لا سبيل إلى تصفيتها بعملية
عسكرية. أحد وزراء اليمين قال لي هذا الأسبوع: حتى لو خرج السنوار من الخندق بيدين
مرفوعتين، وكل المخطوفين ساروا في صف واحد وراءه، فإن هذه الحرب لن تنتهي بالنصر!"..
هذا ما كتبه ناحوم برنياع (يديعوت أحرونوت- 1 كانون الأول/ ديسمبر 2023)!
نحن اليوم أمام مشهد سوريالي، بل مستحيل، وخيارات العدو
الصهيوني كلها في غاية السوء، فلا يمكنه وقف العدوان ولا الاستمرار فيها ولا
التراجع، ولا الكف عن فعل أي شيء، ويمكننا القول إن ما يقارب الشهرين من العدوان
كانت نتيجته العسكرية صفرية، ومن رأى صواريخ المقاومة تشعل سماء تل أبيب وما حولها
ليلة السبت/ الأحد سيسأل: ماذا يفعل آلاف الجنود في غزة طيلة ما يقارب الشهرين،
وقد بدت أجواء تل أبيب وكأننا في بداية الحرب؟
-2-
كتب
الدكتور يهودا بيلانجا، الخبير في شؤون العالم العربي في قسم الشرق الأوسط بجامعة
"بار إيلان"، مقالا في "إسرائيل اليوم" (28 تشرين
الأول/ نوفمبر 2023) مقارنا ما بين "غزوة الخندق" و"طوفان
الأقصى" بعد سرد تاريخي لقصة المعركة،
والتذكير بأن "فتح مكة" قد جاء بعدها بثلاث سنوات. وكتب قائلا: "تعتبر
المعركة مثالا لمقاومة القلة ضد الكثرة، ولصبر القوة المدافعة. لقد احتاج المسلمون
إلى الوقت، وقد حصلوا عليه من خلال الحاجز الاصطناعي الذي بنوه (الخندق). بعد ذلك،
كل ما تبقى عليك فعله هو التمسك بالحصار، والاستمرار في كسب الوقت، وسيأتي الخلاص." ثم يقول: "بعد مرور 1396 عاما على تلك
المعركة في الصحراء العربية، تطبّق حماس نفس السياسة في حرب "السيوف الحديدية
(طوفان الأقصى)"، تماما كما فعلت في الجولات السابقة التي قامت بها ضد
إسرائيل. يحيى السنوار وإسماعيل هنية وخالد مشعل يعرفون أنه في قتال مباشر ضد
إسرائيل، ليس لدى حماس أي فرصة للفوز. لكن في نظرهم، من خلال الإرهاب وشنّ حرب
الاستنزاف ("سيف الاستنزاف")، سيكون من الممكن تآكل "الكيان
الصهيوني" ببطء، والتسبب في انهياره في نهاية المطاف".
واحدة من الأفكار "السوداء!" التي تدور في العقل الجمعي الصهيوني، الذي بدا يائسا من انتصاره في حرب كل خياراتها مستحيلة، وتجري وفق إيقاع المقاومة بعيدا عن خطط جنرالات العدو ومن شاركهم من جنرالات البنتاجون، ولعل هذا بالضبط ما يدفع العدو للتصرف بهستيريا في غزة، ويمعن في الإبادة، بحثا عمن يسميهم "الأشباح" الذي يقنصون جنوده ويفجرون آلياته، وهو يعتقد والحالة هذه أن عليه مسح كل غزة، للوصول إلى هدفه
ويختم بالقول:
"لقد تصرّفت إسرائيل حتى الآن وفقا لخطة حماس تماما. في الواقع، ظلت إسرائيل
على مفهوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر، وبهذه الطريقة انجرّت إلى الحرب دون أن تتمكن من
الرد بشكل صحيح على استراتيجية العدو، وهي: إذا نجونا، فسننتصر في النهاية".
هذه
واحدة من الأفكار "السوداء!" التي تدور في العقل الجمعي الصهيوني، الذي
بدا يائسا من انتصاره في حرب كل خياراتها مستحيلة، وتجري وفق إيقاع المقاومة بعيدا
عن خطط جنرالات العدو ومن شاركهم من جنرالات البنتاجون، ولعل هذا بالضبط ما يدفع
العدو للتصرف بهستيريا في غزة، ويمعن في الإبادة، بحثا عمن يسميهم
"الأشباح" الذي يقنصون جنوده ويفجرون آلياته، وهو يعتقد والحالة هذه أن
عليه مسح كل غزة، للوصول إلى هدفه!
غزة
اليوم تحتاج لإسناد حقيقي من جبهة أخرى أو حتى جبهات، وخاصة من لبنان، وبغير هذا
سنشهد مزيدا من القتل الأعمى الذي قال الرئيس الفرنسي ماكرون إنه يحتاج لعشر سنوات
كي يصل إلى هدفه وهو رؤية الراية البيضاء لحماس!