انتهت الثلاثاء أيام التصويت الثلاثة في
الانتخابات
الرئاسية
المصرية، وبات من المؤكد الإعلان عن
فوز رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، ووصوله لولاية
ثالثة مدة 6 سنوات حتى العام 2030، بحسب إجماع خبراء ومراقبين.
وغلب على المشهد الانتخابي هذا العام استغلال الأجهزة
الأمنية والأحزاب الموالية لرئيس النظام؛ حاجة البسطاء من المصريين للمال لحشدهم أمام
اللجان والتصويت للسيسي، وفق مراقبين وشهود عيان.
وفي انتخابات تخلو من منافس حقيقي للسيسي،
وجرى ترتيبها بإزاحة المنافس الفعلي السياسي أحمد الطنطاوي، تم الدفع بـ3 مرشحين مغموين،
هم رؤساء الحزب الديموقراطي، والوفد، والشعب الجمهوري، فريد زهران، وعبدالسند يمامة،
وحازم عمر.
نسب تأييد متدنية للسيسي
وأجريت الانتخابات أيام الأحد والاثنين
والثلاثاء، في 11 ألفا و631 لجنة بداخل 9367 مركزا انتخابيا، ويشرف عليها 15 ألف قاض، ويحق لنحو 65 مليون مصري التصويت فيها.
وأشارت مؤشرات المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي
العام "تكامل
مصر"، إلى أن "حجم المشاركة باليوم الثاني للانتخابات،
لم تزد عن 2.15 بالمئة من حجم من يحق لهم الانتخاب، ويكون إجمالي حجم المشاركين باليومين
الأول والثاني للاقتراع، 4.55 بالمئة من الذين يحق لهم الانتخاب".
وقبل 10 أيام من تلك الانتخابات كشف استطلاع رأي
هو الأحدث في مصر عن نسبة تأييد للسيسي متدنية جدا في الشارع المصري، ففي الدراسة التي
قام بها "تكامل مصر"، وخص "عربي21"، بنشر نتائجها، بلغت نسبة مؤيدي
السيسي من المصريين نحو 1.9 بالمئة.
وبلغت نسبة المشاركة بالانتخابات الرئاسية لعام
2018، وقبل 4 أعوام نحو 41.5 بالمئة مسجلة انخفاضا مقارنة بنسبة مشاركة الناخبين في
انتخابات العام 2014 والتي بلغت 47 بالمئة.
وتأتي تلك الانتخابات في مصر البلد العربي
الأكثر سكانا (105 ملايين نسمة) يعيش نحو ثلثيهم تحت خط الفقر، ويواجه شعبها أزمات
اقتصادية ومالية واجتماعية وسياسية، وحالة من الانحدار الفكري والثقافي، وانتشار للجريمة
والبطالة والتضخم والفقر المدقع، مع دين خارجي تعدى 165 مليار دولار، وفوائد
وأقساط دين تلتهم ميزانية البلاد.
"حشد رغم غياب المنافسة"
وبرغم غياب المنافسة في تلك الانتخابات إلا أن
المشهد بدا مثيرا للجدل خاصة مع حدوث مخالفات قانونية، مع إصرار المقربين من
النظام على حشد بسطاء المصريين والتنافس على ذلك بين الأحزاب الموالية ورجال
الأعمال المؤيدين للنظام.
ورصدت "عربي21"، سيارة نجل أحد
أعضاء حزب "مستقبل وطن" بمحافظة الشرقية يجوب شوارع إحدى القرى، ويقوم
بجمع العجائز من النساء، والفقراء من الأهالي في سيارات نقل، ويقوم بمنح كل فرد
منهم مبلغ 200 جنيه ورقة واحدة.
ونقلت إحدى السيدات لـ"عربي21"، قول
الشاب بأن "الهدف هو التجمع بأكير عدد أمام اللجان"، مبينة أنه
"كان يحصل على بطاقة الرقم القومي من النساء والرجال، ولا يعطيها لهم إلا
أمام اللجنة الانتخابية".
الأمر نفسه أكدته سيدة أخرى في منطقة أخرى
في محافظة القاهرة، مبينة لـ"عربي21"، أنها جاءتها "اتصالات من
أعضاء بحزب مستقبل وطن، وأعضاء من حزب حماة وطن، وكل يعرض نقلها ومن يعملون معها
إلى مقرات الانتخابات".
وقالت إن "كل المتصلين عرضوا مبلغ 200
جنيه عن كل بطاقة رقم قومي يتم جمعها لهم، بجانب مبلغ خاص بها ستحصل عليه مع كل
بطاقة"، موضحة أنها "جارت الجميع في الحديث، ولكنها في الحقيقة لم تدل بصوتها".
وكشفت عن ما اعتبرته "حالة من التنافس بين
أعضاء كل حزب على جمع أكبر عدد من بطاقات الرقم القومي وحشد الناخبين، وخاصة في
المدن الصناعية التي تنتشر بها لجان انتخاب المغتربين وهي لا تلتزم بالمقر الانتخابي
للشخص في دائرته".
ورصد مركز "تكامل مصر"، الاثنين،
نقل سيارات توصيل العاملين بالمصانع والشركات، للعمال والموظفين للجان الانتخابية بالمناطق
الصناعية، وبالقرب منها، بالقاهرة الكبرى، ومحافظات الدلتا والقناة، وشمال الصعيد،،
وذلك ضمن ما يتعرض له العاملون والموظفون من ضغوط للانتخاب، بحسب مراقبين.
"رشى انتخابية"
وكشفت مقاطع مصورة عن قيام رجال أعمال وأعضاء
تابعين لحزب مستقبل وطن بتوزيع مبلغ 100 و200
و300 جنيه وبعض المواد التموينية على البسطاء والفقراء من المصريين لقاء التواجد أمام
اللجان بشكل دائم والتصويت للسيسي.
"حشد فاقدي الأهلية"
ظهر العديد من بسطاء المصريين، وحتى بعض من
يمكن وصفهم بـ"فاقدي الأهلية" أو "البلهاء"، وهم يرقصون ويغنون
أمام المقرات الانتخابية بشكل غير طبيعي، ما دفع إحدى النساء لوصف السيسي بكلمات نابية
دون إدراك معنى تلك الكلمات.
وفي إحدى المشاهد شديدة السخرية، جرى تصوير
سيدة طاعنة في السن، أمام إحدى اللجان الانتخابية ودفعها للإشادة بالسيسي، ما
جعلها تطالب بالزواج منهه.
وكعادة بعض المصريات اللاتي يجري حشدهن أمام
اللجان الانتخابية منذ انقلاب السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي، وبجميع
الاستحقاقات الانتخابية طوال 10 سنوات قام البعض بالرقص الهستيري وسط حركات غير
طبيعية من بسطاء تم الدفع بهم أمام اللجان.
"فاقت كل المهازل"
وفي إجابته عن السؤال "هل غرر نظام السيسي بالبسطاء
من المصريين واستغل حاجتهم للمال لحشدهم أمام اللجان والتصويت له؟"، قال السياسي
المصري المعارض عمرو عبدالهادي، إن "ما حدث بتلك الانتخابات مهزلة، فاقت كل المهازل
السابقة".
وأضاف المحامي والحقوقي المصري
لـ"عربي21": "لأنه في هذه المرة يدخل السيسي سباق
الرئاسة متحديا الغرب،
الذي تبدت رغبته في إحداث تغيير في مصر، ولذلك توهم أن إجبار الناس على
المشاركة بالانتخابات سيُخرس الغرب، ويمرر التجربة ويحكم 6 سنوات أخرى دون رضائهم".
ويرى أنه "لذلك حشد كل إمكانيات الدولة
من بلطجية وأموال؛ وقام بإخراج لقطات ساذجة تدل على أن الشعب مُقبل على انتخابات
بعدما وصل الدولار إلى 50 جنيها، ولا يوجد سكر في مصر، والكهرباء تنقطع بانتظام".
وختم بالقول: "فمن غير المعقول أنه من لم
ينتخب السيسي، السنوات السابقة انتخبه اليوم، بعد الانهيار الكبير، وللأسف فإن
الانهيار الحقيقي آتي بعد إعلان نتيجة الانتخابات مباشرة".
"لقطة الضغط الدولي"
وقال الكاتب الصحفي سيد صابر، لـ"عربي21"،
إن "النظام حصل على معلوماته عن البسطاء من سجلات مستشفيات وجمعيات جماعة الإخوان
المسلمين بعد أن استولى عليها".
ويرى أن "البسطاء قد يكونون غير مدركين خطورة
بيع أصواتهم بكرتونة غذائية و200 جنيه ووجبة"، معتبرا أن "المشكلة الكبرى
في الموظفين الذين يتم إجبارهم على النزول وخضوعهم لذلك".
ولفت إلى أن "النظام يعي أنه ناجح في كل الأحوال،
بعد أن منع المرشح الحقيقي أحمد الطنطاوي، من إتمام التوكيلات واستبداله بثلاثة كومبارسات،
حاولوا تحسين وتجميل المشهد كما فعل فريد زهران".
وأشار إلى أن "المرشح يمامة، ظهر خلال الإدلاء
بصوته غير قادر على الحركة، أما حازم عمر، فلو سألت أي فرد من الناخبين عنه فلن
يعرفه أحد".
وختم بالقول: "رغم أنه قام بهندسة الانتخابات
ويواصل الاصرار على الحشد بهذه الطريقة، لأخذ اللقطة الإعلامية واستخدامها بمواجهة
أي ضغط دولي محتمل مستقبلا، وحال الشكوى من قرارته وقرارت صندوق النقد الدولي يُقال
للناس أنتم من اختاره وهذه شعبيته".
"أنتج صورة يريدها"
من جانبه، قال الكاتب الصحفي والإعلامي المصري
قطب العربي، لـ"عربي21"، إن "استخدام النظام للرشا المالية والأمور
المادية الأخرى أسلوب قديم كان يستخدمه نظام حسني مبارك".
وأضاف: "يبدو أن النظام الحالي أعاد بناء
ماكينته الانتخابية معتمدا على الكوادر التي كانت تعمل في عهد مبارك من رجال الحزب
الوطني".
وبين أن "هؤلاء سواء كانوا رجال أعمال أو
نوابا بالبرلمان أو مسؤولين تنفيذيين في الأجهزة والإدارات الحكومية يعملون بتوجيه
الأجهزة الأمنية في حشد الناس رغبا أو رهبا بسيف المعز أو ذهبه وبينها دفع هذه
الإتاوات".
وأكد أنه "حدثت في ما أعلم تجارة في هذا
الأمر، حيث يتم الاتفاق بين رجل أعمال أو أحد رجال البرلمان مع سماسرة على توريد
عدد معين من الأشخاص أمام اللجان أو جمع بطاقات الرقم القومي نظير 500 جنيه، فيدفع
السمسار 200 أو 300 جنيه للشخص، فصارت تجارة".
وخلص العربي، للقول: "لكن في النهاية
أنتجت صورة يريدها النظام من وجود أعداد في اللجان، وأيضا من الذين جمع بطاقاتهم
من الفقراء والمحتاجين حيث تم التصويت بالنيابة عنهم في لجان المغتربين، التي أصبح
عددها كبير هذه المرة".
وختم موضحا بأن "هذا النظام ومن قبله نظام
مبارك، كان ينتقد دعم الإخوان المسلمين لفقراء المصريين، بدعوى أنهم يأتون بالناس بالسكر والزيت، فدارت الأيام وأصبح
النظام نفسه يمارس ما كان يعيبه لتجميع أكبر عدد من الناخبين".
"أسرى حرب"
وفي تعليقه عبر موقع "إكس"، قال
الكاتب الصحفي جمال سلطان: "من الظلم والسذاجة معا تحميل الشعب المصري مسؤولية
ما يراه العالم من إهانات أمام اللجان الانتخابية، ومشاهد رقص، وحشد عدة مئات من فقراء
حزام العشوائيات والمناطق المهمشة، أو العمال والموظفين المهددين من رؤسائهم أمام اللجان".
وأكد أن ذلك المشهد هو "لأخذ اللقطة التقليدية
التي يبحث عنها دائما مرشح النظام العسكري، سواء السيسي أو من قبله، وهي مشاهد مكررة
ومحفوظة"، مبينا أن "هؤلاء الذين ترونهم أكثر قليلا من صفر بالمئة، ولا يشكلون 1 بالمئة من الشعب".
وأضاف:
"الشعب المصري اعتزل السياسة منذ هزيمة ثورة يناير 2011، ويخضع لسيطرة أمنية وعسكرية
باطشة لا ترحم، وهؤلاء أقرب لحالة أسرى الحرب، خذلتهم النخب السياسية من كل التيارات
أكثر من مرة بعد انتصارهم في ثورة يناير فأصابهم الإحباط واليأس من قدرة وكفاءة تلك
النخب على إحداث التغيير".