حقوق وحريات

زوجة معتقل مصري: هل تتركونهم للسيسي حتى يعيدهم لنا في أكفان؟

‌ يرفض السيسي الحديث عن قضية المعتقلين السياسيين في مصر- جيتي
"هل نسيتونا؟ هل نسيتوهم؟ هل سيبقون في السجون حتى يعودوا لنا في أكفان؟".. ثلاثة أسئلة وجهتها زوجة المعتقل المصري الشاب "محمود ن."، إلى كل صاحب كلمة حرة وقلب ينبض في هذا العالم.

وتقول زوجة المعتقل لـ"عربي21": "محمود الذي اعتقل منذ العام 2015، تركني حاملا بعد شهرين من الزواج، ولم ير ابنته إلا من خلف الأسوار، وبعد أن قضى 7 سنوات هي مدة محكوميته الأولى تم الحكم عليه قبل أيام في قضية جديدة، تم تدويره فيها، ليتم سجنه مجددا 15 سنة، دون ذنب ارتكبه في الحكمين".

وتضيف: "تم اعتقال أبي منذ العام 2013، ولم يتركوه لنا رغم مرضه الشديد إلا جثة هامدة وأعادوه لنا بعد 9 سنوات في كفنه الأبيض"، متسائلة: "فهل هذا سيكون مصير زوجي محمود؟ هل علينا أن ننتظر قدومه لنا في كفنه؟ وهل سيعود ليدفن دون أن يربي ابنته؟".

توقيت الرسالة
وتأتي رسالة زوجة المعتقل المصري بعد أيام من انتهاء الانتخابات الرئاسية التي يضمن فيها السيسي، الحصول على ولاية ثالثة حتى 2030، وسط تجاهل كامل لملف المعتقلين في مصر.

ومنذ انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، على أول رئيس منتخب ديمقراطيا الرئيس الراحل محمد مرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، ومصر تشهد حملات أمنية وعمليات قمع أسفرت عن اعتقال أكثر من 60 ألف مصري، أغلبهم من جماعة الإخوان المسلمين، فيما يقبعون في ظروف غير إنسانية بعد محاكمات وأحكام مسيسة وبالمخالفة للقانون والدستور، وفق حقوقيين.

ومن ذلك الحين، يرفض نظام السيسي، تقديم حل نهائي لأزمة قدرت منظمة العفو الدولية في كانون الثاني/ يناير 2021، عدد المتضررين منها بنحو 114 ألف سجين.

بل إنه يرفض الحديث عن هذا الملف رغم الانتقادات الحقوقية الدولية التي توجهها له المعارضة ولسطوة نظامه الأمني، ويؤكد رأس النظام مرارا أنه برفضه هذا يحافظ على أمن مصر.

وخلال كلمة السيسي، في المؤتمر الوطني للشباب في الإسكندرية، كانون الثاني/ يناير 2023، أصر على صحة كل ما قام به في الانقلاب العسكري، وزعم أن اعتقال آلاف المصريين كان هدفه "إنقاذ وطن"، رافضا في الوقت نفسه محاسبته عليه إلا من الله.



وفي ظل الضغوط الدولية على السيسي لتحسين ملف حقوق الإنسان، فإنه دعا في نيسان/ أبريل 2022، إلى حوار وطني، وقرر إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي، وذلك بعد إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان قبلها في أيلول/ سبتمبر 2021، ولكنها خطوات لم تفرج إلا عن عدد قليل يجرى اعتقال أكثر منه، وفقا لرصد حقوقي.

لكن معاناة المعتقلين تزداد يوما بعد يوم خاصة مع الإهمال الصحي ومنع العلاج عنهم، وهو ما رصدته منظمة العفو الدولية في تقرير لها عام 2021، بعنوان "ما تموتوا ولا تولعوا"، ناقلة روايات احتجاز 67 شخصا في 16 سجنا.

وكشفت المنظمة، عن أن مسؤولي السجن يبدون استهتارا تاما بحياة السجناء وسلامتهم، وأن السلطات تتعمد حرمان المعتقلين السياسيين من الرعاية الصحية والطعام والزيارات العائلية الكافية.

وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013، بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، لـ"عربي21"، في 28 أيار/ مايو الماضي، أنهم "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022".

ويعاني آلاف المعتقلين الذين قدرتهم الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان حتى آذار/ مارس 2021، بـ65 ألف معتقل سياسي، من سياسة الباب الدوار، الذين ما إن تنتهي فترة اعتقالهم حتى تفتح لهم ملفات جديدة ومحاضر، ليعاد احتجازهم في السجون ومحاكمتهم محاكمات مسيسة والحكم عليهم بأحكام مغلظة، لمنع الإفراج عنهم.

شعب صامت وجماعات نائمة
وفي تعليقه، على رسالة زوجة المعتقل المصري: "هل نسيتونا؟ هل نسيتوهم؟ هل سيبقون في السجون حتى يعودوا لنا في أكفان؟"، قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور أشرف عبدالغفار: "رسالة ابنتنا لا توجه للسيسي، لأنه أول من وضعهم في هذه المأساة".

وأضاف في حديث لـ"عربي21": "إنما توجه للشعب الصامت، وتوجه للجماعات النائمة، وتوجه لكل من عنده عقل وقلب ونخوة وكرامة"، معربا عن أسفه من أنها "ليست وحدها بل إن هناك عشرات الآلاف من الزوجات والأمهات والأبناء والآباء على نفس الحال".

وأشار إلى الكلمة المأثورة: "من أمن العقوبة أساء الأدب"، مبينا أن "هذا هو السيسي، فعل كإسرائيل، التي تقتل مئات الأبرياء يوميا، وما زالت لا تُلام وكأنها فوق القانون، وهكذا السيسي، فمن يعاقبه؟"، مشيرا إلى أن هذا دور المجتمع الدولي.

ويرى أنه "لو كانت هذه حقيقة وليست دعاية فارغة لوجدنا طيلة 10 سنوات من القتل والجرائم ضد الإنسانية وانتهاك كافة حقوق الإنسان، من يقول له: قف؛ ولكن الحقيقة التي لا يريد أحد الاعتراف بها، أن السيسي لم يأت لإنقاذ مصر وتطويرها، لكن لمهمة نرى نتائجها، وما زالت النتائج السلبية تتوالى باستمراره".

ويعتقد عبدالغفار، أنه "استخدم قضية التعذيب والقتل والمحاكمات والإخفاء القسري والحبس والتدوير بقضايا جديدة لإخافة الشعب، وترويع كل من يفكر في إنقاذ البلد منه".

وأكد أنه "لذلك فقضية المعتقلين ستظل هكذا حتى توجد قوة تضطره لإخراجهم؛ فهو أول من يعلم أنهم بلا استثناء مسجونون ظلما، وبلا سبب، ولكن لنقل إن هذا الاعتقال أحد أركان حكمه".

وأضاف: "تخيل لو أن هناك حرية في مصر، هل كانت غزة تُترك وحدها؟ هل كانت الشاحنات تظل في العريش حتى يفسد ما بها؟ وهل كان الجرحى يموتون وهم على قائمة الانتظار حتى توافق السلطات المصرية على دخولهم للعلاج؟".

وعن حل أزمة المعتقلين قال إن "الحل لا يُنتظر ممن أتى بالسيسي، وسكت عن جرائمه وهما أمريكا والغرب خدمة لإسرائيل، والتي أتت بالسيسي ليساعدها في تحقيق حلمها (من النيل إلى الفرات)، كما أنه ساعد في ضياع مياه النيل، وضياع جزيرتي تيران وصنافير، وفي هدم مصر اقتصاديا وإفقارها وتخويف شعبها خدمة لإسرائيل".

وأكد عبدالغفار أن "الحل من الشعب المصري فقط، والشباب الباحث عن مستقبله ومستقبل بلده وحريتها وإعادتها إلى مكانها الصحيح وإحقاق العدل والحق واستقرار أكبر بلد عربي".

وختم بالقول: "إما أن يقوم الشعب بنفسه بهذه المهمة أو ينتظر هلاكه وضياع الأجيال من بعده، ولا حل بعد فضل الله إلا ثورة فقط، ثورة لا شيء غير الثورة، قبل ضياع كل شيء".

موقف متشدد
وتحدث الحقوقي المصري محمد زارع، لـ"عربي21"، عن أسباب غياب ملف المعتقلين عن أجندة النظام المصري، وحول طرق إعادة هذا الملف للواجهة، وتوقعاته لما قد يتم في هذا الملف الشائك مع فوز السيسي بفترة رئاسية ثالثة.

وقال زارع وهو رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن "ملف المسجونين والمعتقلين للأسف ملف معقد جدا، وأظن أن رئيس الجمهورية لديه موقف متشدد من هذه المسألة، وهذا كان واضحا خلال ما حكمه من فترات سابقة وأتوقعه خلال الفترة المقبلة".

وأضاف: "لأنه على حسب ما تحدث مدير حملته الانتخابية المستشار محمود فوزي لوسائل الإعلام فإنه في الفترة القادمة سيكون الموقف ثابتا من الإسلاميين بشكل عام، ومن جماعة الإخوان المسلمين خاصة، وأظن أنه حتى تلك اللحظة لم يبد أي وجهة نظر مخالفة عن السنوات السابقة".

وتابع: "كنت أظن أنه قد يحدث تغيير في الفترة الرئاسية القادمة، خاصة مع إطلاق الحوار الوطني الذي تم بدعوة من السيسي، وأنه سيتم تغيير في السياسات ووضع خطط للمستقبل، وناس تحدثت عن أوضاع السجون وتحسينها وعن أشخاص المسجونين والإفراج عنهم، وخرجوا بمخرجات مهمة لكن للأسف لا شيء تغير".

وقال زارع: "كنت أعتقد أن يحدث تغيير بالفترة الرئاسية القادمة خاصة بعد إطلاق الحوار الوطني، ولكن حرب غزة، أكدت كثيرا من الخطوات التي كان يجب أن يفعلها ولم تحدث، بدليل أن رئيس الجمهورية لم ينزل للناس ولم يقدم نفسه كأي مرشح".

‌"واكتفى بحديث رئيس حملته للإعلام، عن رؤيته للمستقبل، بدون تفاصيل أو خطوات محددة، ووضع عناوين عريضة ومنها ما يخص هذا الملف، وقوله إنه ليس هناك أي تفاوض أو تقارب مع من حمل السلاح ودعا إلى العنف، وتشديده على أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية".

ولا يتوقع زارع أن يحدث تغيير كبير، إلا إذا استمع رئيس الجمهورية لتلك الآراء ونفذ الاقتراحات بشكل أمين، "لكن للأسف لا ضمانات قدمها بهذا الملف".

الحل موجود.. والشرط صعب
وأعرب الحقوقي المصري عن ألمه وتفهمه "لما في رسائل أهالي المعتقلين من آلام وأحزان، وبينها تلك التي تتكلم عن والدها المتوفى بالسجون وعن زوجها الذي تم تجديد حبسه بقضية جديدة، وغيرها من شكاوى نتيجة ما يتعرض له الناس، وحول عدم وضوح الرؤية بشأن مستقبلهم ووضعهم في قضايا جديدة دون وجه حق".

وقال للأسف: "لسنا كحقوقيين من يقرر أن يتركهم أو يتفرج عليهم، وأظن أن كل صاحب رأي يعمل بالعمل العام بمنظمات حقوقية والمجتمع المدني والسياسي يتحدث طوال الوقت عن أهمية وجود حل لهذه المشاكل، وبدء صفحة جديدة".

"لكن للأسف؛ من لا يستمع هي القيادة السياسية التي قالت مسبقا: (لا تسمعوا لأحد غيري)، فهو يدير الأمر بشكل عام، ويعطي توجيهاته بشكل حاسم لمرؤسيه ووزرائه، وسياسة ينفذها، وأظن أنه للأسف طالما أنه موجود بالسلطة فلن يتحسن هذا الملف".

وعبر عن أمنيته بأن "يستمع لصوت العقل، بوقف التصعيد بهذا الملف"، مشيرا إلى أن "الناس لم تعد تتحمل، وحتى لو أن هناك أحدا ما أخطأ فإن العقاب يكون مرة واحدة".

وانتقد "وضع المسجونين في عدد من القضايا بشكل متتال وتدمير أسر بشكل كامل مع غياب العائل وأطفال يخرجون دون وجودهم في كنف أبيهم، بالتأكيد أنهم يتعرضون لمشاكل ومرارات قد تصنع مشاكل في المستقبل".

وختم حديثه بالقول: "والأفضل أن تبدأ الناس صفحة جديدة، ولملمة المشاكل التي حدثت، وأظن أن هذه شيم الدول، ولكن التعامل بالانتقام طوال الوقت لا علاقة له بالدول الحديثة وسيادة القانون، كما يزعم الكل بأنه لا بد أن تكون في مصر سيادة قانون".