أطاحت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/
أكتوبر 2023 التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة
الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات
الإسرائيلية في غلاف قطاع
غزة المحتل؛ بالأوهام الأمريكية والإسرائيلية حول إعادة بناء
الشرق الأوسط، فقد
تبددت أحلام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بخلق شرق أوسط جديد في ظلال الهيمنة
الإمبريالية الأمريكية تقوده المستعمرة الصهيونية، يقوم على تصفية القضية
الفلسطينية وبناء تحالف من الأنظمة
الاستبدادية العربية في إطار "الاتفاقات
الإبراهيمية" بأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية.
لم تكن عملية "طوفان الأقصى" المباغتة سوى استجابة لما أفضت إليه محاولات تصفية القضية الفلسطينية بعد الانقلاب على ثورات
الربيع العربي وإعادة بناء الدكتاتوريات في المنطقة، في لحظة تاريخية تماهى فيها
الخطاب الاستبدادي العربي عن العنف الاستعماري الإسرائيلي في قطاع غزة؛ والذي حوله
إلى معتقل وسجن كبير مع المقاربة الصهيونية الإسرائيلية والإمبريالية الأمريكية
والغربية، التي تجاهلت الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الاستيطاني
لإسرائيل الذي يستند إلى الإخضاع والإبادة والمحو والتطهير، وتناست طبيعة المقاومة
الفلسطينية المناهضة للاستعمار الصهيوني وكحركة تحرر وطني، الأمر الذي جعل من
تكرار إسرائيل لجرائمها في غزة شيئا ممكنا، بل واجبا يقوم على حق الدفاع عن النفس.
لم تكن عملية "طوفان الأقصى" المباغتة سوى استجابة لما أفضت إليه محاولات تصفية القضية الفلسطينية بعد الانقلاب على ثورات الربيع العربي وإعادة بناء الدكتاتوريات في المنطقة، في لحظة تاريخية تماهى فيها الخطاب الاستبدادي العربي عن العنف الاستعماري الإسرائيلي في قطاع غزة؛ والذي حوله إلى معتقل وسجن كبير مع المقاربة الصهيونية الإسرائيلية والإمبريالية الأمريكية والغربية، التي تجاهلت الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الاستيطاني لإسرائيل الذي يستند إلى الإخضاع والإبادة والمحو والتطهير
فقد أصبح الوهم القائل بأن الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية يمكن
محوهم أو نسيانهم حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين،
وتنامى الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية باتت قضية منسية ومهجورة، وأن إسرائيل
قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجل غير مسمى لأنها صاحبة اليد
العسكرية العليا، وتعززت مسارات تطبيع الكيان الاستعماري مع الدول الاستبدادية
العربية برعاية إمبريالية أمريكية لجعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية. فقد
تماهت الخطابات الإمبريالية والصهيونية والاستبدادية مع خرافة أن الشعب الفلسطيني
هو مرتكب الإرهاب، وأن الإسرائيليين المستعمرين هم ضحايا الإرهاب دوما.
على وقع صدمة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، توعّد رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برد مزلزل "سيغيّر الشرق الأوسط"، وهي عبارة
تنطوي على مزيج من الخوف والرعب والغطرسة والغرور، ومحمّلة بتفكير سادي ورغبوي
بالسيطرة المطلقة على منطقة الشرق الأوسط، وهي الوظيفة التي أوكلت إلى المستعمرة
الاستيطانية من القوى الإمبريالية الاستعمارية الغربية منذ إنشائها. فتغيير الشرق
الأوسط هو لعبة كبرى بدأتها القوى الاستعمارية الكبرى بعد القضاء على الخلافة
العثمانية، وتولّاها في البداية الإنجليز، ثم دخل معهم الفرنسيون والإيطاليون
بدرجة أقل بعد الحرب العالمية الأولى، وتبنتها الولايات المتحدة بعد الحرب
العالمية الثانية. ويشير تصريح نتنياهو إلى التأكيد على وظيفة الاحتلال الإسرائيلي
كجزء لا يتجزأ من المشروع الإمبريالي الغربي.
قامت إسرائيل كمستعمرة استيطانية ودولة احتلال بدعم من القوى الإمبريالية
الاستعمارية الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، من أجل تقسيم
الشرق الأوسط وإضعافه جيوسياسيا والحفاظ على مصالح القوى الإمبريالية الغربية
وتأمين إمدادات الطاقة. وحرصت هذه القوى على الحفاظ على ضمان أمن إسرائيل وتفوقها
على المنطقة، ومارست ضغوطا شتى على كافة دول الشرق الأوسط لإدماج المستعمرة وطبعنة
وجودها دون تقديم أي حلول عادلة للقضية الفلسطينية، مع حرمان الفلسطينيين من إقامة
دولتهم رغم التشدق بحل الدولتين الذي نصت عليه كل المبادئ والمواثيق الدولية، وهو
ما جعل من إسرائيل أحد أهم أسباب زعزعة استقرار الشرق الأوسط، من خلال نهجها
الاستعماري الاستيطاني التوسعي عن طريق شن سلسلة من الحروب والحملات الاجتياحات
العسكرية الدائمة منذ حرب 1948.
يستند نتنياهو في أوهامه حول "تغيير الشرق الأوسط" إلى
طموحات رعاته الإمبرياليين في المنطقة، وهو ما تجسد بالاستجابة الفورية للقوى
الإمبريالبة الغربية، حيث سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإعلان عن وقوف بلاده
مع إسرائيل وتقديم الدعم غير المشروط، ووجّه رسالة من خلال إرسال السفن الحربية
والقوات الخاصة؛ لكل قوى الشرق الأوسط الفاعلة بعدم القيام بأي رد فعل من شأنه أن
يعيق السياسة والرد الإسرائيليين، أو يعطل "مشروع الشرق الأوسط الكبير"
الذي بدأ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن؛ وتنامى بعد الانقلاب على
ثورات الربيع العربي وعودة الأنظمة الاستبدادية التي أصبحت خاضعة للولايات المتحدة
لتلبية حاجاتها الأمنية وهي مستعدة لتقديم خدماتها على حساب القضية الفلسطينية،
وهو ما بلغ مداه بدمج المستعمرة الإسرائيلة في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية
من خلال "صفقة القرن" و"اتفاقيات أبراهام" التي بدأها الرئيس
الأمريكي السابق دونالد ترمب، وواصلتها إدارة جو بايدن.
نتنياهو في أوهامه حول "تغيير الشرق الأوسط" إلى طموحات رعاته الإمبرياليين في المنطقة، وهو ما تجسد بالاستجابة الفورية للقوى الإمبريالبة الغربية، حيث سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالإعلان عن وقوف بلاده مع إسرائيل وتقديم الدعم غير المشروط، ووجّه رسالة من خلال إرسال السفن الحربية والقوات الخاصة؛ لكل قوى الشرق الأوسط الفاعلة بعدم القيام بأي رد فعل من شأنه أن يعيق السياسة والرد الإسرائيليين، أو يعطل "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي بدأ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن؛ وتنامى بعد الانقلاب على ثورات الربيع العربي وعودة الأنظمة الاستبدادية
إن مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط على صعيد الخطاب والممارسة
الأمريكية والإسرائيلية اكتمل بعد الانقلاب على انتفاضات الربيع العربي وإعادة
بناء الدكتاتوريات العربية، حيث ظهرت تصورات جديدة حول مهددات الاستقرار السلطوي
في المنطقة، إذ لم يعد يشار إلى إسرائيل كمهدد للاستقرار، وتبدلت تعريفات الصديق
والعدو، واختُزلت مهددات الاستقرار بالإسلاميين على اختلاف توجهاتهم السياسية
الديمقراطية السلمية والجهادية الثورية، وتبلورت رؤية تقوم على تصفية القضية
الفلسطينية وإدماج المستوطنة الاستعمارية الإسرائيلية في نسيج المنطقة، من خلال
تأسيس تحالف بين الإمبريالية الأمريكية والدكتاتوريات العربية والاستعمارية
الإسرائيلية تحت ذريعة مواجهة الخطر المشترك المتمثل بالحركات الإسلامية؛ التي تقوم
أيديولوجيتها على مناهضة الإمبريالية والاستبدادية والاستعمارية، وأصبحت الأنظمة
الاستبدادية العربية شريكة للإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية في
التصورات الأساسية للمنطقة، وهي تتبنى السردية الأمريكية الإسرائيلية حول تعريف
الاستقرار وماهية الصديق والعدو.
تنم تصريحات نتنياهو حول تغيير الشرق الأوسط عن جهل وغطرسة وانفصال
عن الواقع، إذ لم يكتف بقبول الاندماج في منطقة الشرق الأوسط، بل يبشر بالانتقال
بفرض قيادة المنطقة عن طريق القوة وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهو ما كان قد بشر
به في أيلول/ سبتمبر 2023 عندما ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في
دورتها الـ78، تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع والسلام مع الدول العربية، ودوره في
تغيير الشرق الأوسط، حيث عرض نتنياهو خريطة شملت مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن
للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام
مع إسرائيل. وضمت المناطق المكسية باللون الأخضر دول مصر والسودان والإمارات
والسعودية والبحرين والأردن. ولم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث
طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملة،
بما فيها قطاع غزة.
تبدو معادلة الشرق الأوسط الجديد الأمريكية بسيطة؛ بدعم اتفاقيات
التطبيع العربية مع إسرائيل من خلال صفقة شرعنة الدكتاتوريات في الدول العربية
وتكرس الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. فقد عززت الولايات المتحدة
دعمها للديكتاتوريات العربية مقابل اعترافها الرسمي بإسرائيل، ولم تكن أي من هذه
الدول المطبعة ستعترف بإسرائيل لولا سلسلة من الإجراءات التي قامت بها الولايات
المتحدة والتي ترقى أساسا إلى مرتبة الرشوة والابتزاز.
فاتفاقية "تطبيع العار" التي يسعى الكونجرس لتوسيعها
وتقويتها جزء من مقايضة بدأت رسميا في عام 2020، حيث وافقت البحرين والإمارات على
الاعتراف بـ"إسرائيل" مقابل صفقة أسلحة مربحة مع الولايات المتحدة،
ووافقت الحكومة السودانية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل قيام الولايات
المتحدة برفع العقوبات المدمرة عن ذلك البلد، ووافق المغرب على الاعتراف بإسرائيل
مقابل أن تصبح الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تعترف رسميا بضم المغرب
للصحراء الغربية، وأبدت السعودية موافقتها على التطبيع مع إسرائيل في حال التوصل
إلى اتفاق حماية أمنية أمريكية، وهي المقايضة التي توقفت بعد عملية السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر.
كافة هذه الدول العربية المطبعة مناهضة للديمقراطية، وتتوافر على سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان، لكن صفقة العار تقع في سياق تقليد طويل الأمد من الولايات المتحدة لدعم الديكتاتوريات العربية التي تقمع النضالات المؤيدة للديمقراطية، بينما تبرر بعد ذلك دعمها لإسرائيل على أساس أنها هي "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". وتتلخص الرؤية الأمريكية الخرافية في أن مفتاح السلام في الشرق الأوسط يكمن في قيام الدول العربية الاستبدادية بالاعتراف بإسرائيل
من المعروف أن كافة هذه الدول العربية المطبعة مناهضة للديمقراطية،
وتتوافر على سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان، لكن صفقة العار تقع في سياق تقليد طويل
الأمد من الولايات المتحدة لدعم الديكتاتوريات العربية التي تقمع النضالات المؤيدة
للديمقراطية، بينما تبرر بعد ذلك دعمها لإسرائيل على أساس أنها هي
"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". وتتلخص الرؤية الأمريكية
الخرافية في أن مفتاح السلام في الشرق الأوسط يكمن في قيام الدول العربية
الاستبدادية بالاعتراف بإسرائيل، وليس إنهاء إسرائيل لاحتلالها.
وقد أظهر استطلاع لخبراء الشرق الأوسط الأمريكيين أن ما يقرب من
ثلاثة أرباع الذين شملهم الاستطلاع اعترفوا بأن اتفاقيات أبراهام كان لها تأثير
سلبي على آفاق السلام، حيث قال 6 في المئة فقط إن لها تأثيرا إيجابيا، ومع ذلك،
انضم غالبية الديمقراطيين في الكونجرس إلى زملائهم الجمهوريين في الإصرار على أن
هذا الإجماع الواسع لخبراء الشرق الأوسط خاطئ، وأن دونالد ترامب كان على حق.
تستند الرؤية الأمريكية والإسرائيلية للمنطقة على أسس جوهرانية
استشراقية ثقافوية راسخة معادية للعرب والمسلمين، ولذلك فقد أصبح وجود اسرائيل
مشروطا بوجود دكتاتوريات عربية تقمع أي إرادة حرة للشعوب، بحيث تغدو وظيفة
الدكتاتوريات العربية العمل كحاجز حماية بين إسرائيل والشعوب العربية، فالعلاقة
بين "عملية السلام" والديمقراطية في المنطقة العربية حسب الرؤية
الأمريكية والإسرائيلية علاقة معقدة، وهو ما يفرض التضحية بالديمقراطية لجلب
السلام، في ظل الهيمنة الأمريكية. وهذا أدى إلى الثورات المضادة الشاملة في
المنطقة، وانعكس على علاقة الأنظمة الاستبدادية العربية بحركة حماس إلى حد القطيعة
والعداء، وبلغ مداه عقب الانقلاب على انتفاضات الربيع العربي.
فقد ظهرت تصورات جديدة حول مهددات استقرار الأنظمة العربية في ظل
الهيمنة الأمريكية، حيث اختفت النظرة إلى الكيان الإسرائيلي كعدو مهدد للاستقرار
وبات الكيان بمنزلة الصديق، لكن تحول نظرة الأنظمة العربية إلى المستعمرة
الاستيطانية اليهودية جاء بعد سلسلة من التحولات ترتبط بعلاقة الاستبدادية العربية
بالإمبريالية الأمريكية، حيث أصبحت الصهيونية الإسرائيلية صلة الوصل بين الأنظمة
الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية. فالنظام المصري أصبح يعتبر إسرائيل حليفته
الأهم في المنطقة بعد الولايات المتحدة، ولم تُعدّ إسرائيل عدوّا لمصر منذ منتصف
السبعينيات عقب توقيع نظام السادات معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل، وهو
المسار الذي سوف تتبعه دول عربية أخرى بالاستسلام للرؤية الأمريكية والإسرائيلية
من خلال معاهدات "سلام" واتفاقات التطبيع.
بعد أكثر من شهرين ونصف من عمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها
قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وسقوط أكثر من عشرين ألف شهيد، تبددت أوهام مجلس
الحرب الصهيوني بتفكيك حماس والقضاء على المقاومة واستعادة الأسرى، وتوشك
المستعمرة الاستيطانية على الدخول في أفق هزيمة استراتيجية. فعلى الرغم من جرائم
الإبادة والمحو والتطهير العرقي تنامت الحاضنة الشعبية للمقاومة، وفشلت محاولات
طمس القضية الفلسطينية، وأصبحت اتفاقات العار التطبيعية في مهب الريح، وتعاظم
الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، وعمت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والمناهضة
للاحتلال الاسرائيلي معظم مدن العالم، وتبدّل الرأي العام العالمي.
في هذا السياق، حذرت موجة من التحليلات الجديدة التي أجرتها وكالات
الاستخبارات الأمريكية من أن مصداقية حماس ونفوذها تناميا بشكل كبير في الشرق
الأوسط وخارجه خلال الشهرين الماضيين، منذ الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر وبدء الرد العسكري الإسرائيلي.
ونشرت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية نتائج استطلاع مثيرة، أجرته شركة
"هاريس إنسايت آند أنالاتيكس" ومركز الشؤون الأمريكية في جامعة هارفارد،
وأظهر آراء مناهضة للاحتلال بين الشباب الأمريكي. وأشار الاستطلاع إلى أن 51 في
المئة من الشباب الأمريكي ما بين 18 و24 عاما، يعتقدون أن الحل طويل المدى للقضية
الفلسطينية هو "إنهاء إسرائيل" ومنح الأراضي لحماس والفلسطينيين، وقال
60 في المئة من المستطلعين إنه يمكن تبرير عملية طوفان الأقصى من خلال مظالم
الفلسطينيين، ولفت غالبية الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما وبين
25 و34 عاما، إلى أنهم يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.
إذا كانت السردية الأمريكية والإسرائيلية قد مُنيت بهزيمة ساحقة في
الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، فإن السردية الاستبدادية
العربية قد انهارت وتهاوت بصورة مذهلة، فالمظاهرات الكبيرة واستطلاعات الرأي تشير
إلى انفصال المستبدين العرب عن شعوبهم.
ففي السعودية، أظهر استطلاع جديد للرأي أن 96 في المئة من السعوديين
المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن الدول العربية يجب أن تقطع جميع علاقاتها مع إسرائيل
احتجاجا على الحرب في غزة، وذلك وفقا للاستطلاع الذي أجراه معهد واشنطن لسياسة
الشرق الأدنى في الفترة من 14 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 6 كانون الأول/ ديسمبر
وشمل عينة مكونة من ألف شخص.
وقد أعرب 40 في المئة من السعوديين المستطلعة آراؤهم عن مواقف
إيجابية تجاه حركة حماس، مقارنة بـ10 في المئة في استطلاع مماثل جرى قبل عدة أشهر
من بدء الحرب. وقال 16 في المئة فقط من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع إن حماس
يجب أن تتوقف عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل لقبول إنشاء دولتين فلسطينية وإسرائيلية
وفق مبدأ "حل الدولتين" الذي تدعمه الحكومة السعودية.
ووجد الاستطلاع كذلك أن 95 في المئة من السعوديين المستطلعة آراؤهم
لا يعتقدون أن حماس قتلت مدنيين في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، الذي تقول
السلطات الإسرائيلية إنه خلّف حوالي 1200 قتيل، معظمهم من المدنيين، بما في ذلك
العديد من النساء والأطفال.
وأظهر الاستطلاع أيضا أن 87 في المئة من السعوديين المستطلعة آراؤهم
يرون أن الحرب أظهرت أن إسرائيل "ضعيفة للغاية ومنقسمة داخليا بحيث يمكن
هزيمتها يوما ما". وبالمقابل قال خمسة في المئة فقط إنه يجب على السعوديين
"إظهار المزيد من الاحترام ليهود العالم، وتحسين العلاقات معهم".
أن ثمة شرق أوسط جديدا يتشكل فعلا، لكن على أسس مناهضة للتصورات الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية، فقد كشفت عملية طوفان الأقصى المذهلة عن هشاشة المنظومة الاستعمارية وراعيتها الإمبريالية وحليفتها الاستبدادية، وذهب الحديث عن الفرصة التاريخية لتغيير الشرق الأوسط والدفع باتجاه اتفاقية سلام دائم غير مسبوقة تجعل إسرائيل وأمريكا والعالم أكثر أمنا أدراج الرياح
واتفقت الأغلبية الساحقة من المستطلعة آراؤهم (91 في المئة) مع مقولة
أنه "على الرغم من الدمار والخسائر في الأرواح، فإن الحرب في غزة هي انتصار
للفلسطينيين وللعرب وللمسلمين".
خلاصة القول أن ثمة شرق أوسط جديدا يتشكل فعلا، لكن على أسس مناهضة
للتصورات الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية، فقد
كشفت عملية طوفان الأقصى المذهلة عن هشاشة المنظومة الاستعمارية وراعيتها
الإمبريالية وحليفتها الاستبدادية، وذهب الحديث عن الفرصة التاريخية لتغيير الشرق
الأوسط والدفع باتجاه اتفاقية سلام دائم غير مسبوقة تجعل إسرائيل وأمريكا والعالم
أكثر أمنا أدراج الرياح.
ففي الذكرى الثالثة لاتفاقيات العار التطبيعية
"الإبراهيمية"، تكشفت الحقائق عن فشل ذريع، فاتفاقيات العار لا تدعم
السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، فهي تمثل تطبيعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا
بالإكراه للحفاظ على الوضع القائم وتهميش الفلسطينيين والرأي العام العربي، والدفع
من أجل تطبيع على مستوى عال، وهي إطار لتشكيل تحالف إقليمي يقوم من خلاله اللاعبون
بالحفاظ على الوضع الراهن ودعم المصالح الأمريكية.
فالنظام الشرق أوسطي الموهوم هو عبارة عن بنية مصطنعة مدعومة فقط من
خلال الاستثناء المكثف، والقمع والرقابة والضمانات الأمنية من القوة العظمى
الأولى، فرضته المخاوف من تراجع اهتمام واشنطن بالمنطقة وتركيزها الجديد على شرق
أوروبا وآسيا. فالاتفاقيات مصممة للحفاظ على أمريكا كضامن أمني في الشرق الأوسط، والنظام
الجديد المفترض للمنطقة كرّس نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وشكّل طوق نجاة
للاستبداد العربي. فثنائية الاستعمار/ الاستبداد في ظل هيمنة الإمبريالية
الأمريكية، أدى إلى شرق أوسط استبدادي قمعي، وسيطرة استعمارية إسرائيلية على
فلسطين.
twitter.com/hasanabuhanya