أثارت خطوة
الحكومة الليبية برئاسة عبد
الحميد
الدبيبة، بمنح امتيازات وتنازل يصل لـ40% من حقل
نفطي كبير لشركات تتبع
تركيا وإيطاليا والإمارات ردود فعل متباينة بين رفض ووصف للخطوة بصفقة سياسية وبيع
للأصول الليبية، وما إذا كانت الحكومة في طرابلس تريد مغازلة هذه الدول وكسب دعمها
دوليا.
وتعتزم حكومة الدبيبة التوقيع على
اتفاقية استثمار لحقل "الحمادة الحمراء" مع بداية العام المقبل تتنازل
فيها عن نسبة تقارب 40% من إنتاج الحقل لصالح ائتلاف شركات يضم "إيني"
الإيطالية و"أدنوك" الإمارتية وشركة الطاقة التركية.
"رفض برلماني"
من جهته، رفض مجلس النواب الليبي
الخطوة من قبل الدبيبة، مؤكدا أن الحقل يحتوي على احتياطات كبيرة جدا من الغاز
والنفط والمكثفات ما يجعل طرحها للاستثمار والشراكة الخارجية خسارة كبيرة للدولة
الليبية، خصوصا أن توفير التمويل اللازم ممكن محليا، وهو ما أكده خبراء النفط في
مناشدتهم لوقف هذه الصفقة، وفق بيان.
وأكد البرلمان أن "حكومة الدبيبة
لا تملك أي شرعية للتوقيع، وقد استحدثت مجلسا للطاقة غير شرعي تحاول من خلاله
تمرير الصفقات المشبوهة أو الصفقات ذات الطابع السياسي بقطاع النفط"، محذرا الدول
المعنية من "التورط في استغلال الظروف التي تمر بها
ليبيا لأجل نهب ثرواتها
والابتزاز من أجل صفقات فاسدة أو ملحقة لضرر جسيم بالبلاد واقتصادها"، بحسب
مزاعمه.
"صمت وتكتم"
ولم يصدر عن حكومة الدبيبة أي تعليق
بالخصوص أو رد على بيان مجلس النواب، لكن مقربين قالوا إنها ماضية في الاتفاقية أو
ربما وقعتها بالفعل في شكل سري خاصة أنها تسيطر على هذا الحقل وأن الخطوة جاءت
بالتوافق مع رئيس مؤسسة النفط المقرب من الدبيبة.
فهل الخطوة هدفها الاستثمار في قطاع
النفط فعلا أم صفقة سياسية وشراء ولاء الدول الثلاث بتسليمهم هذا الحقل النفطي
الكبير؟
"ضرورة استبعاد الإمارات"
وأكد عضو المجلس الأعلى للدولة في
ليبيا، إبراهيم صهد أن "المعلومات المتوفرة عن حقل الحمادة الحمراء تفيد بعدة
معطيات: أولها أن الحقل مكتشف بالفعل، وثانيها أنه يتوافر على كميات تجارية كبيرة
من الغاز والنفط والمكثفات، وثالثها أن الاحتياجات المطلوبة للشروع في الإنتاج
ليست بتلك التي تتطلب استثمارا ماليا أجنبيا، والخبرات يمكن توظيفها محليا وعالميا،
ولهذا فليس ثمة أية دواع تدعو للتفريط بالنسبة الكبيرة المعطاة لشركات
أجنبية".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21"
أنه "بالإمكان تمويل تطوير الحقل من شركة الاستثمارات الليبية التي نلاحظ أن
استثماراتها الخارجية غير ذات ربحية كما أن تكالب الدول على الاستيلاء على الهامش
الربحي القليل وحتى على الأصول يملي ضرورة التحول إلى الاستثمار في الداخل، كذلك
ففي الإمكان اللجوء إلى استخدام أموال مؤسسات وطنية أخرى"، حسب رأيه.
وأضاف: "أما من الناحية السياسية
فإن وجود دولة الإمارات في الصفقة أمر غير مقبول من الناحيتين السياسية
والاقتصادية وذلك لدورها في زعزعة استقرار ليبيا وتمويل مغامرات "خليفة حفتر" العسكرية بإمداده بالسلاح والمال، وكذلك فثمة تجارب سابقة لا تشجع على
إشراك الإمارات في الاستثمار في ليبيا، ومنها مصفاة النفط في "راس لانوف"".
وتابع: "وبالرجوع إلى خارطة
الطريق "المقبرة" في تونس تحت رعاية الأمم المتحدة والتي نتج عنها
المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية لا تجيز لهذه الأخيرة عقد اتفاقيات أو إبرام
معاهدات تلقي التزامات طويلة الأمد على الدولة الليبية"، كما قال.
"أزمة وتحديات في وجه
الدبيبة"
في حين أكدت رئيسة لجنة التنمية
المستدامة بمجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص أن "موضوع الاتفاقية معقد جدا من
ناحية فرصة ليبيا في تحريك عجلة الاقتصاد ومن ناحية أن مثل هذه التحالفات تشكل
مخاوف كبيرة محليا وإقليميا".
وأوضحت في تصريحها
لـ"عربي21" أن "بعض المخاوف المحلية تتركز على حصة ليبيا من هذا
العقد والمخاوف الدولية تتركز على دور هذه الأطراف في الملف الدولي المعني بحرب
الطاقة، ويعمل حاليا ديوان المحاسبة الليبي من خلال إداراته المختصة بفحص بنود
الاتفاقية والتأكد من خلوها من أي مخالفات وأنها تضمن حقوق الدولة الليبية"،
وفق معلوماتها.
وأشارت إلى أن "موقف مجلس النواب
جاء من خلال مخاوفه أن تقدم الحكومة تنازلات من خلال الضغط الدولي الذي يمارس
عليها وخاصة أنها تمر بتحديات سياسية كبيرة داخل ليبيا"، كما رأت.
"صفقة سياسية ومالية"
الخبير الليبي ومستشار شؤون النفط
والغاز، طارق إبراهيم قال من جانبه إن "امتياز الشركات الثلاث والحكومة
النفطي والغازي هو امتياز سياسي بحت، كون كل البيانات والأبحاث التي تم العمل
عليها من قبل خبراء النفط والطاقة أثبتت
أن كمية الهيدروكربونات المتوقع إنتاجها من هذه القطعة ستكون كبيرة جدا وذات مردود
اقتصادي عال جدا".
وأكد أن "رئيس مؤسسة النفط، فرحات
بن قدارة بتواطؤ مع "آل الدبيبة" يسعى لتوقيع هذه الاتفاقية مقابل حصة
تبلغ 40% لصالح تلك الشركات، والمفارقة أن ليبيا لديها إمكانية مادية لاستثمارها
في تطوير الحقل والاستفادة من كامل إنتاج الحقل، لذا ما حاجة حكومة الدبيبة إلى
شراكة مع هذا الائتلاف الأجنبي؟"، وفق تساؤلاته.
وتابع في تصريح لـ"عربي21"
أنه "حتى لو كانت هذه الشراكة ضرورية، فما هو المبرر المنطقي لإعطاء حصة
كبيرة لا سابق لها وهي نسبة 40% للشركاء الأجانب على مدى عمر الاتفاقية، وخاصة أن
تطوير هذا الحقل سيكون في رقعة برية منبسطة ذات طبيعة مناسبة، وهناك حقول مجاورة
لهذا الحقل مشاركة مع المؤسسة بحصص لا تتجاوز 13%، لذا هدف هذا التنازل هو
تحقيق مكاسب سياسية للدبيبة ومكاسب مالية لكل الوسطاء في هذا الاتفاق"، وفق
تقديراته.