تكبد
الجنيه
المصري أسوأ أداء له على الإطلاق في عام 2023، ومع بداية العام المنصرم واصل
انهياره من مستوى نحو 24 جنيها للدولار الأمريكي إلى نحو 31 جنيها في البنوك
المحلية، مقابل 15.7 جنيه مطلع عام 2022.
على أرض
الواقع وفي السوق السوداء حيث تجرى التعاملات بشكل حقيقي هوى الجنيه من مستوى 31
جنيها مقابل كل دولار إلى نحو 53 جنيها، ولم تتخذ الحكومة المصرية بعد الخطوة
المتوقعة على نطاق واسع بخفض الجنيه للمرة الرابعة.
ومر الجنيه
المصري منذ آذار/ مارس 2022 بثلاث تخفيضات خسر خلالها 50% من قيمته لكنها لم تكن
كافية ومنذ آخر خفض للجنيه في آذار/ مارس 2023 عند نحو 30.90 جنيه ثبت البنك
المركزي سعر صرف الجنيه مقابل الدولار .
وكانت مصر قد
تعهدت باعتماد سعر صرف مرن ضمن شروط صندوق النقد الدولي نهاية عام 2022 للتوصل إلى
حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، لكن السعر الرسمي ظل دون تغيير ما أدى إلى توقف
صرف باقي شرائح قرض الصندوق.
فشل كل تدابير
البنك المركزي
ومنذ بدء أزمة
شح الدولار وهروب أموال المستثمرين وخفض الجنيه ورفع أسعار الفائدة، باءت كل
إجراءات البنك المركزي المصري المتشددة في كبح جماح الدولار وتوفير الدولار بالفشل
بل جاءت بنتائج عكسية حيث أظهرت مدى حجم وعمق الأزمة وتحول جزء من الأزمة إلى
مضاربات في السوق.
انعكس
الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل دراماتيكي على
التضخم الأساسي
على أساس سنوي في مصر وبلغ أكثر 41% خلال عام 2023، وقفزت أسعار المواد الغذائية
بحسب بيانات رسمية إلى نحو 97%، ولكنها تجاوزت هذه النسبة إلى أكثر من 200% في
الأسواق.
وأدى التدهور
الشديد في قيمة الجنيه إلى تكالب المواطنين على حفظ قيمة مدخراتهم باللجوء إلى 3
ملاذات تعتبر الأكثر أمانا من تبخر قيمة مدخراتهم، وهي شراء الذهب والدولار
والعقارات والتي قفزت أسعارها بشكل كبير نتيجة زيادة الطلب عليها.
قفزت ديون مصر
الخارجية خلال عشر سنوات، من 46 مليار دولار لتصل إلى 164.7 مليار دولار بنهاية
حزيران/ يونيو 2023، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
انهيار
دراماتيكي للجنيه في كل الأسواق
لم تكن السوق
السوداء استثناء في انخفاض قيمة الجنيه بل صدقها ارتفاع العقود الآجلة غير المسلمة NDFs على الجنيه المصري أجل 12 شهرا، للمرة
الأولى على الإطلاق إلى مستوى قياسي جديد بلغ 50.5 جنيه للدولار.
وللوقوف على
حجم الانهيار السريع في قيمة الجنيه المصري فإن العقود الآجلة في تشرين الأول/
أكتوبر من العام الماضي تم تداولها عند مستويات كانت صادمة حينها بلغت 22 جنيها
للدولار، بارتفاع بلغ أكثر من 129% خلال 14 شهرا فقط.
الهبوط الأكبر
للجنيه كان في سوق الأسهم المصرية من نصيب سهم "البنك التجاري الدولي"،
الأكبر وزنا في البورصة، وبلغ سعره في سوق شهادات الإيداع الدولية المقيدة في
بورصة لندن، أكثر من 58 جنيها، إذ يتم احتساب قيمة السهم في بورصة بالدولار بقسمته
على قيمته بالجنيه المصري التي أظهرت فرقا عن السعر الرسمي يتجاوز 28 جنيها.
الجنيه يفقد
ثقة الجميع
ما زاد الوضع
تعقيدا هو تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في
الاقتصاد المصري وخاصة في قدرتها على
توفير موارد دولارية من أجل سد الفجوة التمويلية والتي قدّرا معهد التمويل الدولي
في العام المالي 2023-2024 بنحو 7 مليارات دولار.
تراجع مستوى
الثقة لدى شركات القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر إلى أدنى مستوى في 11 عاماً
ونصف العام بسبب ارتفاع معدل التضخم والانخفاض المستمر في الإنتاج والطلبات
الجديدة، بحسب مؤشر مديري المشتريات في مصر لشهر نوفمبر الصادر عن "إس أند بي
غلوبال".
يأتي اهتزاز
ثقة المستثمرين مع تزايد ضغوط تقارير المؤسسات المالية العالمية حول قوة ومتانة
تصنيف مصر الائتماني في الأشهر القليلة الماضية من قبل وكالات "موديز"، و"فيتش"، و"ستاندرد آند بورز" التي خفضت تصنيف مصر الائتماني
إلى أدنى درجة تقترب من العجز عن السداد.
مصير الجنيه
في 2024 محل شك
مستقبل الجنيه
المصري في عام 2024 ليس أفضل حالا من عام 2023 إن لم يكن أشد وطأة، بحسب كبار
المحللين الماليين والاقتصاديين والمؤسسات المالية الدولية، إذ يتوقعون على نطاق
واسع أن تقدم الحكومة المصرية على خفض كبير للجنيه.
وتذهب
التوقعات إلى أن مصر سوف تشهد مساعدات وتدفقات مالية من صندوق النقد الدولي
والشركاء الدوليين ولكنها قد تضطر إلى خفض الجنيه بنحو 40% إلى ما بين 40 و45
جنيها للدولار خلال الربع الأول من العام المقبل.
واستقر سعر
الصرف الرسمي حاليا عند مستوى 30.90 جنيه للدولار لدى البنوك والبنك المركزي منذ
آذار/ مارس الماضي، بينما يتراوح بين 52 و53 جنيها للدولار في السوق الموازية.
وقد تضطر مصر
إلى تشديد إجراءاتها النقدية وأن يتجه البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة من أجل
كبح جماح التضخم الذي قد ينتج عن خفض قيمة الجنيه
اقترح رجل
الأعمال المصري، الملياردير نجيب ساويرس، رفع السعر الرسمي للدولار ليماثل السعر
في السوق الموازية لحل أزمة شح الدولار وارتفاعه المستمر، مضيفا في تصريحات
إعلامية، أنّ تأخير جعل العملة الصعبة محكومة بالعرض والطلب أمر مضر بالاقتصاد.
واعتبر ساويرس
أن الأزمة الراهنة تتطلب شجاعة في اتخاذ القرار، متحدثا عن أن مستثمرين يعزفون عن
المجيء للاستثمار في مصر بسبب الفارق بين السعر الرسمي ونظيره في السوق السوداء،
ولفت إلى أن أحدا لا يمكنه أن يحارب السوق، وهذه هي أولى نظريات الاقتصاد الحر،
مشددا على أن الأمر يحكمه العرض والطلب.
تحميل الجنيه
الأزمة الاقتصادية
وصفت أستاذة
الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، عالية المهدي، وضع الجنيه المصري خلال العام المنصرم
"بأنه بائس ويتم تحميله أكثر بكثير مما يحتمل، والسبب هو أن الطلب على العملة
الأجنبية أكبر بكثير من المعروض بسبب زيادة الالتزامات الخارجية للدولة وتراجع
قدراتها على توفير العملة".
وفي رؤيتها
للتخفيف من حدة الأزمة، أوضحت في حديثها لـ"عربي21": "تقليل الطلب
على الدولار سوف يخفف الضغوط على الجنيه المصري، وبالتالي يمكن تقليل استخدام
العملة الصعبة بترشيد الإنفاق الحكومي والاستيراد من الخارج، والخطوة التالية
لتعزيز هذه الخطوة هو زيادة الصادرات المصرية إلى خارج لتوليد عملة صعبة للبلاد،
وبالتالي يحدث تقارب للفجوة بين الجنيه والدولار".
واستبعدت
المهدي، أن "يتعافى الجنيه خلال الفترة المقبلة دون حدوث أي انفراجة في
واردات البلاد من الدولار وبالتالي يتحسن تصنيف مصر الائتماني ومن ثم تبدأ أموال
المستثمرين الأجانب في التدفق إلى داخل الاقتصاد المصري".