عقب عملية
"طوفان الأقصى" المباغتة والمذهلة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
2023، والتي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة
الإسلامية "
حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع
غزة المحتل، سادت مشاعر فقدان الثقة بكفاءة النخب السياسية والمؤسسة العسكرية
الإسرائيلية بعد الإخفاق والفشل الاستخباري والعملياتي المثير، وبطريقة مثيرة
وحاسمة ساندت الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها المفضلة والمدللة في الشرق
الأوسط، فدفعت بسفن حربية وقوات نخبة قتالية ومستشارين عسكريين للمشاركة في مجلس
الحرب الإسرائيلي.
منذ اللحظة
الأولى لعملية "طوفان الأقصى سارعت إسرائيل إلى مقارنة حركة "حماس"
بتنظيم "داعش"، وأعلن الحساب الرسمي للحكومة الإسرائيلية على موقع
"إكس"، المعروف سابقا باسم "تويتر"، أن المجموعتين تستخدمان
"التكتيكات القتالية نفسها، تحت اسمين مختلفين". وأضاف: "لقد هزم
العالم داعش، ونحن سنقوم بهزيمة حماس".
وقال رئيس حكومة
الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اليوم الذي استقبل فيه رئيس الولايات
المتحدة جو بايدن: "حماس هي النازية الجديدة، حماس هي داعش، وفي بعض الحالات
أسوأ من داعش. وكما توحد العالم لهزيمة النازيين، تماما كما اتحد العالم لهزيمة
داعش، يجب على العالم أن يقف متحدا خلف إسرائيل لهزيمة حماس".
استخدام تهمة "الإرهاب" لكل مقاومة تناهض مشاريع الهيمنة الإمبريالية والاحتلال الاستعماري؛ هي السمة المميزة للإمبريالية والكولونيالية، اللتين ترتكزان إلى عقيدة التفوقية العرقية البيضاء وخطابها المؤسس على الحضارة في مواجهة البربرية.
فالخطابات والممارسات الإمبريالية- الصهيونية لا ترى في المسلمين والعرب والفلسطينيين سوى مشاريع إرهابيين، فحركات المقاومة الفلسطينية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية تصنَّف منظمات إرهابية، وليست مقارنة حماس بداعش سوى حلقة واحدة في سلسلة ممتدة من ترسانة عدوانية تقوم على استراتيجيات الهيمنة والإخضاع وتفكيك أي محاولة للتمرد والمقاومة
وقد تماهت
الخطابات الإمبريالية الأمريكية مع الخطابات الاستعمارية الصهيونية باعتبار
"حماس" هي "داعش"، فالرئيس الأمريكي جو بايدن وصف عملية طوفان
الأقصى بـ"الشر الخالص المحض"، وأن "حماس" هي "جماعة
هدفها المعلن هو قتل اليهود"، معتبرا طوفان الأقصى شكلا من أشكال الإرهاب، وقال
إن "وحشية حماس تعيد إلى الأذهان أسوأ هيجان لداعش".
إن استخدام تهمة
"الإرهاب" لكل مقاومة تناهض مشاريع الهيمنة الإمبريالية والاحتلال
الاستعماري؛ هي السمة المميزة للإمبريالية والكولونيالية، اللتين ترتكزان إلى عقيدة
التفوقية العرقية البيضاء وخطابها المؤسس على الحضارة في مواجهة البربرية.
فالخطابات
والممارسات الإمبريالية- الصهيونية لا ترى في المسلمين والعرب والفلسطينيين سوى
مشاريع إرهابيين، فحركات المقاومة الفلسطينية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية
تصنَّف منظمات إرهابية، وليست مقارنة حماس بداعش سوى حلقة واحدة في سلسلة ممتدة من
ترسانة عدوانية تقوم على استراتيجيات الهيمنة والإخضاع وتفكيك أي محاولة للتمرد
والمقاومة. وقد استحضر الخطاب الإمبريالي- الصهيوني ظاهرة
"الإسلاموفوبيا" التي هي جزء من خطاب الرهيب بتشبيه عملية "طوفان
الأقصى" بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وهو خطاب متجذر وراسخ في الممارسة
الكولونيالية.
وكان رئيس وزراء الاحتلال
الأسبق أريئيل شارون قد شبّه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بزعيم تنظيم
القاعدة أسامة بن لادن، ولم تغادر سردية الإرهاب الاستعمارية الخطابات الإمبريالية
الغربية والاستعمارية الصهيونية حول الحضارة والبربرية عند كل محاولة مناهضة
ومقاومة ومفككة للاستعمارية.
تتمتع القضية
الفلسطينية بأهمية فائقة في عقيدة ومحركات
الجهادية العالمية، لكن ثمة خلافات أيديولوجية
عميقة بينها حول الأولويات والاستراتيجيات، وتعريفات الصديق والعدو وحدود الولاء
والبراء. ففي سياق التحولات الجذرية في بنية القوى الدولية، أعادت الجهادية
العالمية تأسيس أيديولوجيتها على مركزية المسألة الفلسطينية، حيث عملت على بناء
سردية قتالية محورها فلسطين، التي غدت في صلب المشروع الجهادي العالمي منذ بداياته
الأولى في أفغانستان نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وفي حقبة العولمة احتلت
فلسطين مكانة مركزية في أيديولوجيا القاعدة، وعقب عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
التي شنتها حركة "حماس"، والرد الإسرائيلي الوحشي وحرب الإبادة على قطاع
غزة، تباينت مواقف الجهادية العالمية وممثليها من تنظيم "القاعدة" إلى
تنظيم الدولة (داعش)، حول حركة "حماس" نتيجة الخلافات الأيديولوجية
التاريخية، لكن مواقفها حول القضية الفلسطينية بقيت ثابتة.
احتفى تنظيم
"القاعدة" بعملية "طوفان الأقصى"، وتجنب الحديث عن الخلافات
الأيديولوجية مع حركة "حماس"، فكانت استجابة تنظيم القاعدة وفروعه
الإقليمية بدعم وتأييد عملية "طوفان الأقصى" سريعة، حيث توالت البيانات
الصادرة عن القيادة المركزية والفروع الإقليمية، فأصدر تنظيم "القاعدة في شبه
القارة الهندية" بيانا بعنوان "خيبـر خيبـر يا يهـود.. جيش محمد سوف
يعود.." في 8 تشرين الأول/ أكتوبر2023، أشاد خلاله بـ"كتائب
القسام" دون الإشارة إلى حركة "حماس"، حيث أكد على أن عملية
"طوفان الأقصى" هي الرد المناسب للعدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا منذ
أكثر من 70 عاما، وقال إن "السبيل الوحيد لتحرير الأمة الإسلامية من براثن
أنظمة الكفر هو الجهاد في سبيل الله".
ثم تبعه بعد ذلك
تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" في اليمن، حيث نشر بيانا في ٩ تشرين الأول/
أكتوبر 2023، بعنوان "بشأن عملية طوفان الأقصى المباركة"، أشاد فيه
بالهجوم ونسبه إلى "كتائب القسام" دون ذكر حركة "حماس"، وناشد
الجوار الفلسطيني بمساندة الفصائل في الداخل على خلفية كونهم الأقرب جغرافيا إلى
فلسطين.
وفي اليوم ذاته،
أصدر تنظيم "حراس الدين" في فرع القاعدة في سوريا بيانا بعنوان
"القدس لن تُهوّد"، تحدث فيه عن الدعم الغربي الموجه لإسرائيل، داعيا
إلى استغلال الظرف الراهن من أجل "الجهاد في سبيل الله والدفاع عن
المقدسات"، وقال إن "الجهاد في سبيل الله" هو سبيل العزة والتمكين.
وأصدرت حركة
"شباب المجاهدين" فرع القاعدة في الصومال بيانا في 11 تشرين الأول/ أكتوبر
2023، تحت عنوان "تهنئة ومباركة بغزوة طوفان الأقصى"، قدمت فيه التهنئة
"للمجاهدين في فلسطين على الغزوة المبشّرة"، دون إشارة صريحة لحركة
"حماس". ولفت البيان إلى الدعم الغربي الموجه "لمساندة
اليهود"، موضحا أن المعركة مع "اليهود ليست معركة الفصائل الإسلامية في
أرض فلسطين، إنما هي معركة الأمة المسلمة كاملة".
وأصدر كل من
تنظيم "قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي" وجماعة "نصرة الإسلام
والمسلمين" بيانا مشتركا في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعنوان
"وارتاعت يهود لقرب الوعد"، أشادا خلاله بدور كل من "جند
الأقصى" و"كتائب القسام". وتجاهل البيان الإشارة إلى حركة
"حماس"، داعيا الفصائل الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية إلى دعم "المجاهدين
في غزة".
وفي نفس اليوم صدر
بيان القيادة العامة لتنظيم "القاعدة" بعنوان "ألا نصر الله
قريب"، حيث أثنى على دور "المجاهدين في فلسطين" في معركة "طوفان
الأقصى"، مؤكدا على أن "الطوفان القادم من أبطال الإسلام سينُسي الصهيو-صليبيين
أهوال سبتمبر". وقال إن العملية كشفت بشكل مباشر عن "حجم الفشل
الاستراتيجي الإسرائيلي"، ودعا الأمة الإسلامية إلى "تقديم الدعم
المعنوي والمادي للأبطال في فلسطين"، محرضا على استهداف كل ما هو "صليبي
وصهيوني وإسرائيلي في حرب مفتوحة".
وكان موقف تنظيم
الدولة مواربا في البداية، فقد اكتفت افتتاحية صحيفة "النبأ" في عددها
(412) الصادر في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي جاءت تحت عنوان "نصرة
المسلمين"، بالحديث عن المحن والابتلاءات التي يتعرض لها المسلم، دون ذكر
لحركة حماس، لافتة إلى أن الأخوّة الإيمانية والتي تعد من صميم الإيمان تلزم
"المؤمن نصرة أخيه في المحن الواقعة عليه، وأشدها "تعدي الكافر عليه
بقتل، أو أسر، أو تهجير"، وذلك في إشارة ضمنية إلى دعم الفلسطينيين من دون
الحديث بشكل صريح عن عملية "طوفان الأقصى".
وجاء إعلان تنظيم
الدولة عن موقفه التفصيلي من عملية "طوفان الأقصى"، ومن "حماس"،
في كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم أبي حذيفة الأنصاري بعنوان
"واقتلوهم حيث ثقفتموهم" في 4 كانون الثاني/ يناير 2024، وقال إن التنظيم
يقف داعما لمسلمي فلسطين، لكنه أبدى اعتراضه على الأهداف المعلنة لـحركة
"حماس" التي تقاتل من "مبدأ وطني لا ديني"، ودعا مقاتلي
"حماس" إلى إعادة النظر في تبعيتهم للفصيل، معتبرا أنه لا فرق إذا
"حكم الضفة وغزة أولياء أمريكا أو أولياء إيران". وقال إن قتال إسرائيل
وحده ليس كافيا للدلالة على صحة الطريق، وتحدث عن أن التحالف الذي يجمع
"حماس" بإيران هو "خطيئة إخوانية" نشأت منذ "الثورة
الإسلامية" في إيران.
يظهر التباين بصورة واضحة في موقف مكونات الجهادية العالمية المنقسم بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حول حركة "حماس"، التي تأسست عام 1987 كفرع فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة مقاومة وطنية إسلامية سياسية تحصر نطاق عملها على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتؤمن بنهج تدريجي في تطبيق المبادئ الإسلامية والحكم، ولذلك تمتعت بالدعم والتأييد من الجهادية العالمية فيما يتعلق بنهجها القتالي والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنها تعرضت للنقد والهجوم بسبب سلوكها السياسي
وانتقد المتحدث
باسم التنظيم ما أسماه "ارتماء الفصائل الفلسطينية في الحضن الإيراني، وإعلان
ما أسموه محور المقاومة الذي سمح لإيران بتصدر المشهد، والظهور بمظهر المخلّص
والمدافع عن فلسطين". وحول "حزب الله" اللبناني، قال الأنصاري: إن
المناوشات التي يُجريها على الحدود مع فلسطين المحتلة، ما هي إلا
"مداراة" لاستكمال مشروع إيران، الذي يطمح لجعل الفصائل الفلسطينية
وغيرها تدخل "حربا بالوكالة" بالنيابة عن إيران. واعتبر التنظيم أن
تاريخ إيران حافل بـ"الجرائم" ضد الفلسطينيين بشكل خاص، سواء في العراق
أو سوريا أو لبنان.
واستنفر التنظيم
مقاتليه حول العالم، لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل والدول التي تدعمها، وإعادة تفعيل
نشاطهم، ونقل هذه الهجمات إلى العواصم الغربية، في أمريكا وأوروبا. وجاءت أولى
العمليات في إيران، حيث نفذ التنظيم التفجيرين في جنوب إيران، في نفس يوم كلمة
الأنصاري، خلال إحياء الذكرى الرابعة لمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري
الإيراني قاسم سليماني في العراق بطائرة مسيرة أمريكية، وأعلن التنظيم مسؤوليته عن
الهجوم في مدينة كرمان الإيرانية الذي أسفر عن مقتل 84 شخصا وإصابة 284 آخرين. وبحسب
البيان، فقد فجّر منفذا الهجوم أحزمة ناسفة خلال مراسم إحياء الذكرى.
يظهر التباين
بصورة واضحة في موقف مكونات الجهادية العالمية المنقسم بين تنظيمي
"القاعدة" و"داعش"، حول حركة "حماس"، التي تأسست
عام 1987 كفرع فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة مقاومة وطنية إسلامية
سياسية تحصر نطاق عملها على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتؤمن
بنهج تدريجي في تطبيق المبادئ الإسلامية والحكم، ولذلك تمتعت بالدعم والتأييد من
الجهادية العالمية فيما يتعلق بنهجها القتالي والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال
الإسرائيلي، لكنها تعرضت للنقد والهجوم بسبب سلوكها السياسي المتعلق بالحكم، عندما
شاركت الحركة في عام 2006، بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وفازت فيها، ثم
مضت لتشكل حكومة وحدة وطنية مع فتح.
وعقب الصدام مع
حركة فتح وسيطرة حماس على قطاع غزة، انتُقدت على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية،
وحذر بن لادن "حماس" من الطبيعة "الك" للديمقراطية، مؤكدا
"حظر الانضمام إلى التجمعات المشركة". وفي خطاب ألقاه في عام 2007، ذهب
به الأمر إلى حد القول إن قيادة "حماس"، من خلال احتضانها السلطة
الفلسطينية ومن ثم الإقرار بـ"الاتفاقات" التي تعترف بحق إسرائيل في
الوجود (في إشارة إلى اتفاقات أوسلو)، "تخلت عن دينها".
وكذلك انتقدت
"القاعدة" أيضا "حماس" في السنوات اللاحقة، لعدم تطبيق
الشريعة الإسلامية في غزة، وبسبب إقامة علاقات وثيقة مع النظام الإيراني الشيعي في
إيران، ولقيامها بملاحقة الجماعات الجهادية المحلية في غزة، مثل جند "أنصار
الله" و"جيش الأمة". ورغم ذلك حرص تنظيم "القاعدة" على
عدم القطيعة مع "حماس" بالكامل، واعتمد سياسة التمييز بين الفرع السياسي
للحركة وجناحها المسلح، كتائب القسام.
وعندما قال مصطفى
أبو اليزيد، أحد كبار قادة تنظيم "القاعدة"، لقناة "الجزيرة" في
عام 2009 "نحن وحماس نتقاسم التفكير نفسه والمنهجية ذاتها"، تلقى توبيخا
قاسيا، وتراجع عن تصريحاته، وذهب الظواهري إلى حد القول: إن قيادة حركة حماس
"باعت فلسطين" مقابل الاحتفاظ بعدد من الوزراء في الحكومة الفلسطينية،
وقال "يؤسفني أن أواجه الأمة المسلمة بالحقيقة، وأقول لها: عظم الله أجرها في
قيادة حماس، فقد سقطت في مستنقع الاستسلام".
منذ تولي سيف
العدل زعامة تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمها السابق أيمن الظواهري في 2022، أصبح
تجسير العلاقة بين القاعدة وحماس أكثر تقبلا، فلكونه قائدا عملاتيا يركز العدل على
المسائل الاستراتيجية، ويسعى إلى التشديد على الأهداف العملية بأولوية مواجهة
"اليهود والصليبيين".
ورغم الخلاف الأيديولوجي
العقدي بين إيران والقاعدة، لم تكفّر القاعدة السنية إيران بسبب مذهبها الشيعي،
فالعدل يؤمن بالتحالف مع إيران ومحور المقاومة لمواجهة عدو مشترك، ولذلك حافظ سيف
العدل على علاقة وثيقة مع الجنرال قاسم سليماني منذ نهاية التسعينيات، واستمرت هذه
العلاقة حتى مع تحفّظ النظام الإيراني على سيف العدل ووضعه تحت الإقامة الجبرية
عام 2003. وبقي سيف العدل مؤمنا بأن الهدف الأيديولوجي الأسمى للقاعدة -محاربة
الغرب وحلفائه في المنطقة- يستلزم بالضرورة تحالفا استراتيجيا مع طهران.
إذا كان موقف تنظيم القاعدة بقوم على التفريق بين الجناحين السياسي والعسكري لحركة حماس وطبيعة العلاقة مع إيران، فإن موقف تنظيم الدولة أقل تسامحا مع "حماس" والعلاقة مع إيران، فهو يعتبر حماس جماعة كافرة مرتدة برمتها، وإيران أشد كفرا وخطورة
وعندما رُفعت
الإقامة الجبرية عنه بموجب صفقة لتبادل الأسرى بين فرع القاعدة في اليمن والنظام
الإيراني عام 2015، قرّر سيف العدل البقاء في إيران بمحض إرادته واتخذها كمقرّ
دائم لنشاطه الجهادي. وقد ظهرت رؤية العدل بصورة واضحة على فرع القاعدة في جزيرة
العرب في اليمن، لكن الخلافات مع إيران على خلفية الانقسام المذهبي والشكوك في
أهداف إيران تجعل من مهمة العدل صعبة ومعقدة.
إذا كان موقف
تنظيم القاعدة بقوم على التفريق بين الجناحين السياسي والعسكري لحركة حماس وطبيعة
العلاقة مع إيران، فإن موقف تنظيم الدولة أقل تسامحا مع "حماس" والعلاقة
مع إيران، فهو يعتبر حماس جماعة كافرة مرتدة برمتها، وإيران أشد كفرا وخطورة. فقد
توالت مواقف تنظيم "داعش" بإدانة "حماس" وتكفيرها، وفي
افتتاحية نشرت عام 2016 في صحيفة التنظيم الأسبوعية "النبأ"، أدان
"حركة حماس المرتدة" لممارستها "كفر الديمقراطية" وفشلها في
تطبيق الشريعة. وأكد المقال أن "الجهاد من أجل استعادة القدس من أيدي اليهود
لا يجوز ما لم يكن في سبيل القضاء على سلطة الحكام المشركين هناك وإقامة الدين
هناك بالكامل". فمن وجهة نظر "داعش"، من الواضح أن إقامة دولة
إسلامية ليس هدف "حماس"، وحتى لو تمكنت المجموعة الفلسطينية من هزيمة
إسرائيل، فإن هذا لن يعني إلا استبدال نظام حكم وثني بآخر، وهو ما أكدت عليه كلمة
الناطق باسم التنظيم مؤخرا.
تشكلت أيديولوجية
الجهادية العالمية عند بن لادن، مؤسس تنظيم "القاعدة"، في سياق بروز
ثلاثة ظروف استراتيجية؛ الأولى: محلية وطنية وتتمثل بانغلاق الأنموذج السياسي وفشل
وعود التحول الديمقراطي وترسّخ الاستبداد، والثانية: إقليمية وتتمثل بوجود إسرائيل
بكيانه الاستعماري اليهودي في فلسطين وعدم التوصل إلى سلام عادل، والثالثة: عالمية
وتتمثل بانهيار الاتحاد السوفييتي وسيادة القطب الأمريكي الواحد وحلول عصر العولمة.
فالأصول المؤسسة
للجهادية العالمية تقوم على ضرورة بناء منظومة جهادية متحدة تسعى لرفع الهيمنة
الأمريكية عن المنطقة العربية والإسلامية، التي عملت على دعم وإسناد المستعمرة
الاستيطانية الإسرائيلية من جهة والأنظمة الدكتاتورية في المنطقة من جهة أخرى.
فسردية الجهادية العالمية تستند إلى أن "العدو القريب" الذي تمثله
الأنظمة الدكتاتورية العربية والإسلامية لا يقوم بذاته، وإنما يستند إلى القوة
الإمبريالية للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ينطبق على المستعمرة الاستيطانية
اليهودية، ولذلك أصبحت أولوية الجهادية العالمية تقوم على قتال "العدو
البعيد" لذي تمثله الولايات المتحدة لأمريكية، وهو ما أفضى إلى الإعلان عن
تشكيل "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين" في شباط/
فبراير 1998، شكلت فلسطين ثيمة أساسية في فكر وخطابات بن لادن، بحيث تحضر فلسطين
في معظم خطاباته وتوجيهاته.
وقد توالت خطابات
بن لادن حول تحرير فلسطين، ففي أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أطلق أسامة بن
لادن قسمه الشهير عن فلسطين: "أقسم بالله العلي العظيم لن تنعم أمريكا ولا من
يعيش في أمريكا بالأمن حتى نعيشه واقعا في فلسطين، وحتى تخرج جميع الجيوش الكافرة
من أرض محمد صلى الله عليه وسلم"، وهو ما أكد عليه أبو مصعب الزرقاوي، المؤسس
الفعلي لتنظيم الدولة في خطاباته، ففي خطابه المرئي الأول "هذا بلاغ
للناس"، قال عبارته الشهيرة: "نقاتل في العراق وعيوننا على بيت المقدس".
شكّلت القضية
الفلسطينية إحدى أهم نقاط الاتفاق بين أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن، وأدت إلى
التوافق بينهما عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، قبل أن يعود خلفاؤهما إلى
الافتراق والانفصال بعد ثورات الربيع العربي في جبهة سوريا عام 2014.
وقد احتفظت
فلسطين بمكانة لا نزاع فيها لدى مكونات الجهادية العالمية، بحيث أصبحت فلسطين
حاضرة في كافة إعلانات تأسيس الفروع الإقليمية للقاعدة. ففي خطاب الإعلان عن تأسيس
قاعدة الجهاد في جزيرة العرب بعد اندماج الفرعين السعودي واليمني بداية 2009، كان
عنوان الشريط الذي صدر عن مؤسستها الإعلامية "الملاحم": "من هنا
نبدأ وفي الأقصى نلتقي"، كما أن الأشرطة المرئية لمؤسسة "السحاب"
التابعة لتنظيم القاعدة المركزي، تغيّر نهجها منذ العدوان على غزة عام 2009،
وأصبحت تضع صورة المسجد الأقصى خلفية لبداية أشرطتها. وكذلك فعلت كافة الفروع
الإقليمية، كقاعدة المغرب الإسلامي، ومؤسستها الإعلامية "الأندلس" التي
ظهرت في أشرطتها قبة الصخرة في بداية الشريط منذ 2009، كخلفية ومرفقة بنشيد
"عذرا فلسطين"، وكذلك في شريط "غزوة الشريعة"، حيث ظهرت قبة
الصخرة في مطلعه مرفقه بنشيد "صبرا يا أقصى".
وقبل اغتياله خرج
حمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن، بتسجيل صوتي عنوانه: "ما القدس إلا عروس
مهرها دمُنا" في أيار/ مايو 2016، يدعو فيه إلى تشكيل جيش ضخم لتحرير القدس،
قائلا: "الطريق لتحرير فلسطين اليوم، هو ميدان الشام".
رغم الخلاف مع
تنظيم "القاعدة" في قضايا عدة، فإن تنظيم الدولة يتفق مع القاعدة على
مركزية فلسطين وأهميتها الدينية، فعقب الإعلان عن "صفقة القرن"، التي
تهدف حسب التنظيم إلى تصفية القضية الفلسطينية، أعلن تنظيم الدولة في 27 كانون
الثاني/ يناير 2020 عن
بدء "مرحلة جديدة" تستهدف إسرائيل، في تسجيل صوتي صدر عن مؤسسته
الإعلامية "الفرقان"، بعنوان "دمر الله عليهم وللكافرين
أمثالها" للمتحدث باسم التنظيم أبو حمزة القرشي، الذي دعا إلى إفشال
"الصفقة"، وقال: "لا زالت عيون أجناد الخلافة في كل مكان على بيت
المقدس"، متعهدا بهجمات كبيرة "في قادم الأيام".
ومع كل ذلك لم
يتمكن تنظيم الدولة من تأسيس هياكل تنظيمية واضحة، داخل الأراضي الفلسطينية
المحتلة، رغم وجود مجموعات أعلنت ولاءها للتنظيم خصوصا في غزة، لكنها دخلت في صدام
مع حركة حماس. وكانت هذه المجموعات قد أعلنت عن تأسيس مجلس شورى المجاهدين في 18 حزيران/
يونيو 2012، وهو عبارة عن ائتلاف أهم مكوناته: "جيش الإسلام" و"جيش
الأمة" و"جماعة التوحيد والجهاد" و"جند أنصار الله"،
إضافة لوجود منظمتين قريبتين من الجهادية العالمية، وهما: "لواء
التوحيد" التابع لألوية الناصر صلاح الدين، وكتائب عبد الله عزام. ولذلك فإن إمكاناته
وقدراته محدودة.
عملية "طوفان الأقصى" عززت من مكانة حركة حماس ونهجها كحركة مقاومة وتحرر وطني إسلامي، وكشفت عن الاختلافات العميقة بين الحركات الجهادية العالمية. فحماس ليست "القاعدة" وليست "داعش"، وهي حركة تحرر وطني تناضل من أجل الحرية والاستقلال ضد نظام استعماري فاشي عنصري، بينما تنقسم الجهادية العالمية بين نهجين
وفي الضفة
الغربية نجحت السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال نسبيا في تفكيك البنية التحتية
العسكرية لحركة "حماس"، وفشلت الجهادية العالمية في إنشاء هياكل تنظيمية
واضحة، رغم ظهور بعض الخلايا الفردية التي أعلنت قربها من تنظيم الدولة.
خلاصة القول أن
عملية "طوفان الأقصى" عززت من مكانة حركة حماس ونهجها كحركة مقاومة
وتحرر وطني إسلامي، وكشفت عن الاختلافات العميقة بين الحركات الجهادية العالمية.
فحماس ليست "القاعدة" وليست "داعش"، وهي حركة تحرر وطني تناضل
من أجل الحرية والاستقلال ضد نظام استعماري فاشي عنصري، بينما تنقسم الجهادية
العالمية بين نهجين.
فالقاعدة تبنت أولوية
قتال العدو البعيد ممثلا بالغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، باعتبارها حامية
للأنظمة العربية الاستبدادية وراعية لحليفتها الاستراتيجية "إسرائيل"،
وتبنت نهجا قتاليا واستراتيجيا يقوم على تنفيذ عمليات قتالية انتقامية تستند إلى
مفهوم جهاد "النكاية"، من خلال طليعة مهمتها الوصول إلى خلق حالة
إسلامية تصل إلى جهاد الأمة، بصرف النظر عن مذهبيتها الدينية الطائفية السنية
والشيعية.
أما تنظيم الدولة
فترتكز أجندته على أولوية مواجهة العدو القريب، في إطار عقيدة شمولية تقوم على دمج
الأبعاد الجهادية المحلية والإقليمية والدولية ويصر على قتال العدو القريب من
الأنظمة ويعتبرها كافرة مرتدة، ويؤكد على قتال العدو البعيد الأمريكي والأوروبي
باعتباره "كافرا صليبيا"، ويشدد على قتال العدو الوسيط الإقليمي
الإيراني الشيعي، ويصفه بالكفر والإقليمية من خلال تنفيذ "المشروع
الصفوي"، ويدعو إلى قتال العدو الإسرائيلي اليهودي، ويصفه بالكفر والعنصرية من
خلال تحقيق "المشروع الصهيوني".
فالأساس الهوياتي
الديني هو المحرّك الأيديولوجي للتنظيم، وإذا كانت فلسطين محل إجماع لدى الجميع،
فإن طريقة التحرير ومواجهة المشروع الصهيوني تشكل نقاط خلاف بين المشاريع الجهادية.
twitter.com/hasanabuhanya