مئة ألف شهيد وجريح ومفقود، ودمار غير مسبوق في المباني والمنشآت والبنى التحتية، ونظام صحي منهار، خلفتها حرب
الإبادة الجماعية التي يشنها
الاحتلال الإسرائيلي على
الفلسطينيين في قطاع
غزة برا وبحرا وجوا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
لم تكتف دولة الاحتلال بهذه الإحصائيات الكارثية من القتل والدمار، بل خرج رئيس الحكومة السبت، بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي ليقول: "لن يوقفنا أحد، لا لاهاي ولا أي شخص آخر"، في إشارة إلى دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، التي اتهمت الاحتلال بارتكاب أعمال إبادة جماعية في غزة، وطالبت باجراءات احترازية فورية لوقف العدوان.
إحصائيات صادمة
وتشير إحصائيات غير نهائية، إلى أن عدوان الاحتلال اسفر عن استشهاد 23,843 فلسطينيا، بينهم أكثر من 7 آلاف امرأة، و10,300 طفل، فيما أصيب 60,317 مواطنا، وفقد تحت انقاض المباني المدمرة أكثر من 8 آلاف آخرين.
واستشهد جراء عدوان الاحتلال المتواصل منذ مئة يوم، أكثر من 109 صحفيين، و373 من الكوادر الصحية، و148 موظفا للأمم المتحدة، و4,257 طالبا، و227 معلما وإداريا.
وفي تقرير صدر مؤخرا عن منظمة إنقاذ الطفولة التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، أشار إلى أن ما لا يقل عن 10 أطفال يفقدون سيقانهم كل يوم في قطاع غزة، وأن معظم العمليات الجراحية التي أجريت للأطفال، تمت دون تخدير، جراء عدم توفر المستلزمات الطبية.
دمار غير مسبوق
وتوثق إحصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، والتي أوردتها وكالة "وفا"، أن 290,000 وحدة سكنية في قطاع غزة، تضررت بفعل قصف الاحتلال البري والجوي والبحري الذي شنه جيش الاحتلال على مدار الأيام المئة.
وطال القصف 65,000 وحدة سكنية دمرت وأصبحت غير صالحة للسكن، ونحو 25,010 مبانٍ تم تسويتها بالأرض، فضلا عن تدمير 145 مسجدا و3 كنائس، ووصل عدد المستشفيات التي خرجت عن الخدمة إلى 30، فيما تضرر 26 مستشفى، فضلا عن تدمير 121 سيارة إسعاف وتوقفها عن العمل.
وأدى قصف الاحتلال إلى تدمير 95 مبنى تابعا لمدرسة أو جامعة بشكل كلي، و295 مدرسة وجامعة تضررت جزئيا، و130 منشأة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين أصيبت بشكل مباشر في قصف الاحتلال، بما فيها مدارس.
وبحسب وزارة الصحة، لا يزال الحصول على رقم دقيق للعدد الإجمالي للمهجرين قسرا أمرا صعبا، في ظل استمرار عدوان الاحتلال وتداعياته.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 1.93 مليون مواطن (85% من سكان غزة) مهجرون قسرا، والعديد منهم نزحوا عدة مرات سعيا وراء الأمان.
ومؤخرا، أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء جديدة لسكان ونازحين في منطقة المواصي وعدة كتل سكنية بالقرب من طريق صلاح الدين في جنوب غزة، تغطي مساحة تقدر بـ 4.6 كيلومتر مربع، ومن المتوقع أن تؤثر موجة الأوامر الجديدة على أكثر من 18,000 فرد وتسعة ملاجئ تستوعب عددًا غير معروف من النازحين قسرا.
وقد تم تسجيل ما يقرب من 1.4 مليون نازح داخلي في 155 منشأة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، حوالي مليون مسجل في 94 ملجأ للأونروا في مناطق جنوب قطاع غزة.
وأصبحت محافظة رفح المكان الرئيسي للنازحين، حيث تستوعب أكثر من مليون مواطن في بيئة عالية الكثافة السكانية.
وتظهر تقديرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، أن عدد النازحين في 156 مرفقا تابعا لها في قطاع غزة وصل إلى 914 ألفا، من بينهم 5,000 امرأة حامل، وأكثر من 2,000 من ذوي الإعاقة، عدا عن الأطفال والرضع وأصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة.
ويتواجد بحسب الأونروا 670 ألف نازح في 97 منشأة في خانيونس ودير البلح وسط قطاع غزة، و160 ألفا من النازحين في 57 منشأة في شمال القطاع، الذي لا تصله المساعدات الإنسانية ويصعب الوصول إليه للاطلاع على الأوضاع هناك.
ويتواجد في الصفوف المدرسية ما بين 70 و80 نازحا، ويتشارك في مرافقها أكثر من 500 شخص في المرافق الموجودة بالمدارس، ما يضطرهم للانتظار لساعات لاستخدام دورة المياه إذا توفرت المياه.
ومع دخول فصل الشتاء، غرقت عشرات مراكز الإيواء التي تؤوي عشرات آلاف المواطنين النازحين في المناطق الشمالية والجنوبية من قطاع غزة، بعد أن دخلت مياه الأمطار المختلطة مع مياه الصرف الصحي إلى الغرف الصفية، والخيام، ومنازل المواطنين.
حصار كامل
أعلن وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت يوم 9 من تشرين الأول/ أكتوبر أنه أمر بفرض "حصار كامل" على قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاما، بما يشمل قطع كافة الإمدادات الحيوية من الماء والكهرباء والطعام والوقود، وأغلقت بموجب ذلك معابر غزة.
وعلى وقع الضغوط الدولية، دخلت إلى قطاع غزة في 21 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قافلة المساعدات الأولى منذ بدء العدوان قادمة من معبر رفح، وكانت مؤلفة من 20 شاحنة تحمل أدوية ومستلزمات طبية وكمية محدودة من المواد الغذائية، ومع مطلع الشهر التالي، فتح المعبر أول مرة لخروج بعض الجرحى والمرضى وعدد من حاملي الجوازات الأجنبية.
وواصل الاحتلال منع دخول الوقود إلى قطاع غزة حتى 24 من تشرين الثاني/ نوفمبر، حين أعلن عن سريان "هدنة إنسانية" لأربعة أيام، تم تمديدها بثلاثة أيام أخرى، شملت إطلاق سراح 240 من الأسرى الأطفال والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ويدخل إلى قطاع غزة في الآونة الأخيرة ما بين 80 و120 شاحنة مساعدات يوميا بحسب تقديرات المؤسسات الإنسانية، التي أكدت أن القطاع يحتاج لأكثر من 600 شاحنة يوميا.
وتؤكد الأمم المتحدة، ان السلطات الإسرائيلية تضع عقبات أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة، بما يكلف مزيدا من الأرواح.
وأوضح ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنه وفي الفترة بين 1 و10 كانون الثاني/ يناير، تم إيصال 3 شحنات فقط من أصل 21 شحنة من المساعدات الإنسانية إلى شمال وادي غزة.
حراك لوقف العدوان قوبل بالفيتو الأمريكي
عقد مجلس الأمن الدولي، ست جلسات حول العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، لم يتمكن في الجلسات الأربع الأولى من اعتماد أي من مشاريع القرارات التي طرحت للتصويت إما باستخدام "الفيتو"، أو عدم الحصول على العدد الكافي من الأصوات.
وفي المحاولة الخامسة اعتمد مجلس الأمن مشروع قرار رقم 2,712 الذي قدمته مالطا، ويدعو إلى إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة، وأيده 12 عضوا وامتنعت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت.
واعتمد مجلس الأمن الدولي بأغلبية كبيرة القرار رقم 2720، وصوتت 13 من الدول الـ15 في المجلس الأمن لصالح القرار الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة، في حين امتنعت الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، ويدعو القرار "كل الأطراف إلى إتاحة وتسهيل الإيصال الفوري والآمن ومن دون عوائق لمساعدة إنسانية واسعة النطاق" إلى غزة، وإلى اتخاذ إجراءات "عاجلة" بهذا الصدد و"تهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية".
واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد محاولة روسية لإضافة دعوة "لوقف عاجل ومستدام للأعمال القتالية" لمشروع القرار.
وفي المملكة العربية السعودية، عقدت قمة عربية إسلامية مشتركة غير عادية بشكل استثنائي في مدينة الرياض، استجابة للظروف الاستثنائية التي تشهدها غزة والأراضي الفلسطينية، طالبت مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان الإسرائيلي، ويكبح جماح سلطة الاحتلال، واعتبار التقاعس عن ذلك تواطؤا يتيح لـ"إسرائيل" الاستمرار في عدوانها الوحشي.
دعوى جنوب أفريقيا
بعد 100 يوم من جرائم الإبادة الجماعية والقصف المتواصل برا وبحرا وجوا، ينتظر الشعب الفلسطيني، أن تصدر محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية، قرارها في الدعوة التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" القوة القائمة بالاحتلال، وتتهمها بارتكاب جريمة "إبادة جماعية" بحق المواطنين في قطاع غزة.
وكانت المحكمة قد عقدت أولى جلساتها يوم الخميس الماضي الحادي عشر من كانون الثاني الجاري، واستمعت إلى مرافعة وكيل دولة جنوب أفريقيا، ووزير العدل رونالد لامولا، واستمعت في جلستها الثاني التي عقدت الجمعة إلى مرافعة "إسرائيل".
وينتظر أن تصدر المحكمة قرارا عاجلا يفضي بوقف فوري للعدوان على قطاع غزة ويضمن تدفق المساعدات الانسانية ويمنع التهجير القسري، وآخر نهائيا لادانة "إسرائيل" بتنفيذ جريمة "الإبادة الجماعية" في قطاع غزة.