تشهد مدينة الباب بريف حلب الشرقي الخاضعة
لسيطرة المعارضة،
احتجاجات شعبية واسعة تطالب بتحسين الوضع الاقتصادي والخدمي وضبط
الوضع الأمني في المدينة وبقية مناطق
الشمال السوري.
وتحت عنوان "طوفان المحرر" خرج
المئات من أهالي الباب في تظاهرة الأحد، وبعدها نصبوا خيمة احتجاجية وسط المدينة،
للتأكيد على استمرارية التظاهرات حتى تحقيق مطالبها.
ورجحت مصادر لـ"عربي21" أن تتسع رقعة
التظاهرات، مع تزايد الدعوات في مدن أخرى للخروج في تظاهرات مشابهة، في ظل ضعف
الرواتب والأجور.
ما محركات الاحتجاجات؟
وكان قرار المجالس المحلية قبل أيام رفع سعر
الخبز بنسبة 50 في المئة بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات.
لكن الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل
المعراوي، المقيم في الشمال السوري، يؤكد أن كل الظروف الذاتية والموضوعية
لانطلاقة التظاهرات متوفرة، خاصة مع انسداد أي أفق سياسي في حل القضية السورية.
ويضيف لـ"عربي21" أن الشارع في
الشمال السوري فقد الثقة بمؤسسات المعارضة الرسمية وبـ"الحكومة
المؤقتة"، وقال: "من جانب آخر تعيش المنطقة حالة فلتان أمني وفساد نتيجة
للمحسوبيات في وزارة الداخلية وأجهزتها وتبعية الشرطة المدنية للمجالس المحلية بكل
مدينة أو بلدة، وهذا ما نجم عنه غياب أي خطط أمنية حقيقية على مستوى المنطقة".
من جانب آخر، لفت المعراوي إلى الانخفاض الحاد
في المساعدات الدولية، معتبراً أن "ذلك أشاع حالة من الخوف من المستقبل وعدم
تأمين أبسط المستلزمات الاساسية للحياة"، وقال إن "نسبة البطالة تصل إلى أكثر من 40 في المئة، وحتى شريحة العاملين فإنهم يتقاضون رواتب زهيدة، وخاصة في فصل
الشتاء وارتفاع أسعار مواد التدفئة".
وجراء ذلك، رجح الكاتب والمحلل السياسي أن تشهد
مدن الشمال السوري حالة من "العصيان المدني"، خاصة في ظل عدم استماع
المجالس المحلية للمطالب، لافتاً إلى "تجاهل تركيا صاحبة النفوذ في المنطقة
للمطالب الشعبية المحقة".
وكان فريق "منسقو استجابة
سوريا" قد
أكد الأحد وصول مؤشرات الحدود الاقتصادية في مناطق شمال غرب سوريا إلى مستويات
جديدة هي الأعلى منذ سنوات، موضحاً أن حد
الفقر المعترف به، ارتفع إلى 9.314 ليرة
تركية، وحد الفقر المدقع، ارتفع إلى 6.981 ليرة تركية، على اعتبار أن العملة
المتداولة هي الليرة التركية (متوسط الأجور 2000 ليرة تركية).
وتابع الفريق بأن هذا الوضع جعل المنطقة تعيش
انهياراً اقتصادياً مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وزيادة ملحوظة في
معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين، مؤكداً أن "غالبية العائلات
في المنطقة غير قادرة على تأمين المستلزمات الأساسية وفي مقدمتها مواد التغذية
والتدفئة لضمان بقائهم واستمرارهم على قيد الحياة".
من جهته، يقول عضو "هيئة القانونيين
السوريين" عبد الناصر حوشان لـ"عربي21" إن الأسباب الظاهرية
للاحتجاجات هي اقتصادية معيشية، نتيجة البطالة والفقر وضيق ذات اليد.
وعن الحلول يعتقد أن الشمال السوري يحتاج إلى
مشاريع إنتاجية، لإنعاش الاقتصاد الذي يعتمد في الغالب على السلة الإغاثية.
وبحسب حوشان، فإن "الحكومة المؤقتة
والمجالس المحلية والهيئات الثورية جميعاً غير قادرة على حل هذه الإشكاليات، لأنها
لا تمتلك الموارد المالية المستقلة، بل ما يتم تقديمه من الدول الداعمة".
وهنا، دعا حوشان المجتمع الدولي للقيام
بمسؤوليته تجاه الشمال السوري، وقال: "لا بد من مساواة الشمال السوري بمناطق
سيطرة النظام السوري، ولا بد من وضع برنامج إنمائي متوسط المدى أسوة بما يتم
تقديمه للنظام، في إطار مشاريع التعافي المبكر".
الحكومة المؤقتة: مشكلتنا انخفاض مستوى الدخل
في الأثناء، تعتزم "الحكومة المؤقتة"
عقد مؤتمر "الاستثمار الأول" منتصف كانون الثاني/ نوفمبر الحالي، في
المدينة الصناعية بمدينة الراعي تحت عنوان "الارتقاء ببيئة الاستثمار في
الشمال السوري"، وتقول مصادر الحكومة إن "ضعف المشاريع الاستثمارية في
الشمال السوري، يسهم في تردي الوضع المعيشي".
ويقول وزير الاقتصاد في "الحكومة
المؤقتة" عبد الحكيم المصري لـ"عربي21"، إن "الوضع الاقتصادي
في الشمال السوري يعاني من بطالة مرتفعة، وتدني مستوى الدخل".
وزاد الزلزال الذي ضرب تركيا والشمال السوري في
شباط/ فبراير 2023 من صعوبة الوضع المعيشي، كما يؤكد الوزير، مشيراً إلى انخفاض
الدعم والمساعدات الدولية، وقال: "كل ذلك زاد من معاناة الأهالي".
وعن رفع أسعار الخبز، أشار المصري إلى ارتفاع
تكاليف الإنتاج، مؤكداً أن "الأسعار في الشمال السوري مقارنة بالأسواق الأخرى
منخفضة، لكن مشكلتنا في انخفاض مستوى الدخل".
والحل، كما يرى الوزير، هو زيادة فرص العمل،
معتبراً أن "الحكومة المؤقتة تسعى إلى جذب الاستثمارات، حيث إن من المقرر أن
يشارك في المؤتمر المرتقب رجال أعمال من خارج سوريا، والأمل أن نستطيع أن نقنعهم
بتشغيل أموالهم في الشمال السوري".