استقبل الزعماء الأفارقة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف
بحميدتي، كما لو أنه انتصر بالفعل في الحرب الأهلية في
السودان. وقد تم تسليح قواته
سراً من قبل دولة
الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة لم يُنشر بعد.
حميدتي، قائد قوة شبه عسكرية سيئة السمعة تقاتل
من أجل التفوق في الحرب الأهلية في السودان، ليس رئيساً لبلاده. ومع ذلك، خلال جولة
سريعة قام بها مؤخراً في ست دول أفريقية، تمت معاملته كرئيس لواحدة من تلك الدول.
قام بعض أقوى القادة في القارة بفرش السجاد الأحمر لحميدتي بعد وصوله على متن طائرة فاخرة لعقد اجتماعات في أواخر كانون الأول/ ديسمبر وأوائل
كانون الثاني/ يناير، بعد أن استبدل بزيه العسكري بدلات رجال الأعمال. وفي كينيا، كان
الراقصون التقليديون ينتظرون على درجات سلم الطائرة. وفي جنوب أفريقيا، جلس على كرسي
بذراعين بجوار الرئيس المبتسم سيريل رامافوسا.
وفي رواندا، وقف حميدتي بشكل مهيب أمام نصب تذكاري
لضحايا الإبادة الجماعية في عام 1994، على الرغم من أن قواته واجهت اتهامات بالإبادة
الجماعية في منطقة دارفور في السودان.
وكانت الجولة المفاجئة بمثابة عودة ملحوظة لقائد كثيرا ما
ترددت شائعات عن مقتله أو جرحه منذ انزلاق السودان إلى الحرب في نيسان/ أبريل الماضي.
تتقدم قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي في بعض أنحاء
السودان، متغلبة على الجيش النظامي في البلاد وتدفعه إلى التراجع، ويرجع الفضل في ذلك
إلى حد كبير للدعم العسكري من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة نفطية في
الخليج العربي تبرز كصانعة ملوك في منطقة القرن الأفريقي، وفقًا لما ذكره تقرير جديد
لمحققي
الأمم المتحدة.
أسلحة الإمارات غيرت مسار الحرب في السودان
ويقدم التقرير الذي لم يُنشر بعد، والذي حصلت عليه صحيفة
"
نيويورك تايمز"، تفاصيل جديدة حول كيفية قيام الإمارات بتهريب أسلحة قوية
إلى قوات حميدتي، المعروفة باسم قوات الدعم السريع، عبر تشاد منذ الصيف الماضي؛ طائرات دون طيار مسلحة، ومدافع هاوتزر، وصواريخ مضادة للطائرات، يتم إرسالها عبر
رحلات شحن سرية وطرق التهريب الصحراوية. وقد عززت الإمدادات قواته، وحققت سلسلة من الانتصارات
التي غيرت مسار الحرب في الأشهر الأخيرة.
ويقول التقرير إن القوة النارية الجديدة لقوات الدعم السريع
كان لها تأثير هائل على توازن القوى، سواء في دارفور أو مناطق أخرى من السودان.
ووفق التقرير، فقد جلبت الحرب كارثة مطلقة إلى السودان، حيث
أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص منذ نيسان/ أبريل، وتشريد 7.4 مليون آخرين من
منازلهم، حسب تقديرات الأمم المتحدة. لقد أدى القتال إلى تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة
الخرطوم، ويحتاج 25 مليون من سكان السودان البالغ عددهم 45 مليون نسمة إلى مساعدات
الإغاثة من أجل البقاء.
ويقول الخبراء إن الإمارات تستخدم ثروتها الهائلة وأسلحتها
المتطورة لتوجيه مسار منطقة مضطربة في أفريقيا تعاني من الصراعات، لكنها تتمتع بثروات
طبيعية هائلة وساحل طويل على البحر الأحمر.
ويشير الخبراء إلى رغبة الإمارات في إبرام صفقات للموانئ
والأراضي الزراعية في جزء من أفريقيا تعتبره بشكل متزايد بمثابة الفناء الخلفي الاستراتيجي
لها، وإلى عدائها الطويل الأمد للقوى الإسلامية.
لكن أحدث تقرير للأمم المتحدة أعده خبراء يراقبون حظر الأسلحة
المفروض على دارفور عام 2005 يسلط الضوء على تكلفة تلك الطموحات. وهو يوثق العنف واسع
النطاق ضد المدنيين الذي رافق تقدم قوات حميدتي؛ المذابح والتفجيرات والتقارير
عن مئات حالات الاغتصاب التي تحاكي الإبادة الجماعية في دارفور قبل عقدين من الزمن.
وقد دفع هذا النمط من الفظائع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني
بلينكن، إلى اتهام قوات الدعم السريع رسميًا. في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بارتكاب
جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي.
وبعد أسابيع من ذلك الاتهام، استقل حميدتي طائرة بوينغ مقدمة
من شركة "رويال جيت"، وهي شركة يديرها مستشار رئيس دولة الإمارات العربية
المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وقالت الإمارات في بيان، إنها "لا تزود أيا من الأطراف
المتحاربة بالأسلحة والذخيرة"، ونفت انتهاكها لحظر الأسلحة. وقالت إن أولويتها
هي حماية المدنيين، والسعي من خلال الدبلوماسية مع الشركاء الأمريكيين والعرب والأفارقة،
إلى إيجاد حل سلمي للصراع.
ومع ذلك، فإن هذا الإنكار يواجه شكوكًا صريحة بشكل متزايد
من المسؤولين الأمريكيين، الذين يخشون من أن السودان ينزلق نحو المجاعة أو الإبادة
الجماعية أو جولة جديدة من الحكم الاستبدادي الوحشي إذا فازت قوات الدعم السريع بالحرب.
وفي أوائل كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي
جو بايدن أن نائبة الرئيس كامالا هاريس أثارت موضوع الحرب في السودان مباشرة مع الشيخ
محمد على هامش قمة الأمم المتحدة للمناخ.
وخلال عيد الميلاد، أثار جيك سوليفان، مستشار
الأمن القومي، الأمر بقوة أكبر خلال مكالمة مع نظيره الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد،
وفقًا لمسؤول أمريكي كبير على علم بالمكالمة، تحدث لـ"نيويورك تايمز" دون
الكشف عن هويته.
ومع ذلك، يقول العديد من المشرعين الأمريكيين -خاصة، حتى
بعض كبار المسؤولين في إدارة بايدن- إن الجهود لا تزال خجولة للغاية، ويلومون وزارة
الخارجية لفشلها في التوصل إلى خطة لإنهاء الحرب، على الرغم من أشهر من الجهود الدبلوماسية،
إلى جانب المملكة العربية السعودية.
وقد تم مؤخرا تعميم تقييم لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية
"سي آي إيه" مؤخرًا على الرئيس بايدن وغيره من كبار المسؤولين حول قوات الدعم
السريع. وقال مسؤولون أمريكيون إن هذه القوات ستنشر الانتهاكات وتعرقل انتشار الديمقراطية
في حال حققت انتصارا في السودان. وتشعر الولايات المتحدة أيضًا بالقلق بشأن علاقات
حميدتي مع مرتزقة "فاغنر" الروسية، الذين زودوه بصواريخ مضادة للطائرات في
الأشهر الأولى من الحرب.
توازي هذه المخاوف الدعوات الخارجية المتزايدة لتدخل أمريكي
أكثر إلحاحًا في السودان، بما في ذلك اتخاذ موقف أقوى تجاه التدخل الإماراتي الذي يصفه
النقاد بأنه كارثي.
وقد وكتبت ميشيل جافين، الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية،
مؤخرًا أن "الإمارات وفي سعيها لتحقيق النفوذ والأمن قد ينتهي بها الأمر إلى دفع
المنطقة بأكملها إلى الفوضى".
وبرز حميدتي، الذي كان تاجر جمال في السابق، على الساحة في
أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كقائد للمليشيا الوحشية المعروفة باسم
"الجنجويد" في دارفور. لقد جمع أموالاً من خلال بناء إمبراطورية تجارية،
في البداية من خلال السيطرة على مناجم الذهب، ثم كحليف للإمارات.
منذ عام 2016 تقريبًا، أرسل حميدتي مقاتلين إلى اليمن، مقابل
مبالغ طائلة من الإمارات، ثم استثمر هذه الأرباح لاحقًا في شبكة تضم حوالي 50 شركة،
مقرها الرئيسي في دبي، التي لا تزال تمول آلته الحربية، حسبما وجد محققو الأمم المتحدة
في التقرير الذي لم ينشر.
وفي تموز/ يوليو الماضي، ضاعفت الإمارات من دعمها لحميدتي،
فقد ظهر مستشفى جديد بنته دولة الإمارات في أم جرس، وهي بلدة نائية في شرق تشاد، يقدم
العلاج الطبي للاجئين السودانيين. لكن أجهزة الاستخبارات الغربية سرعان ما أدركت أن
طائرات الشحن التي تهبط على مهبط طائرات قريب من المستشفى كانت في الواقع تحمل أسلحة
متجهة إلى قوات الدعم السريع.
ووصفت الإمارات في بيانها المستشفى الميداني بأنه "شريان
حياة بالغ الأهمية للمدنيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية"، وقالت إنها دعت مفتشي
الأمم المتحدة لزيارته.
وفي غضون أسابيع، بدأ جنود حميدتي في اجتياح دارفور، واستولوا
في نهاية المطاف على أربع من العواصم الإقليمية الخمس. لكن الاستيلاء على ود مدني،
وهي مدينة تقع في الجزيرة سلة غذاء وسط السودان، في 15 كانون الأول/ ديسمبر، هو الذي
تسبب في أكبر مفاجأة في الحرب.
وكانت العملية الإماراتية لدعم حميدتي مصدر قلق للاتحاد الدولي
لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وهي شبكة عالمية تفتخر بالحياد. ويشعر مسؤولو
الصليب الأحمر بالقلق إزاء المجموعات الإماراتية التي تحمل شعار الهلال الأحمر، بشأن
عمليات الإغاثة في أم جرس، التي يقال إن الهلال الأحمر الإماراتي يديرها.
وردا على الأسئلة، قال الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر
والهلال الأحمر، الذي يشرف على 191 جمعية وطنية، إنه أرسل "بعثة لتقصي الحقائق"
إلى تشاد في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وسيرسل بعثة أخرى الشهر المقبل. وقال توماسو
ديلا لونجا المتحدث باسمه في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إذا تم إثبات أي ادعاء،
فإن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر سيبدأ تحقيقًا".
وقال العديد من المسؤولين الأمريكيين، الذين تحدثوا بشرط عدم
الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الأمر، إن إدارة بايدن عينت توم بيرييلو، الدبلوماسي السابق
وعضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، كمبعوث خاص للسودان. لكن التعيين تم تأجيله بسبب
نزاع حول من سيقدم السيد بيرييلو تقاريره إليه، ومدى السلطة التي سيمارسها، خاصة عند
التعامل مع الإمارات، حسبما قال أحد المسؤولين.
وواصل حميدتي هجومه الدبلوماسي يوم الخميس، حيث التقى في
أوغندا مع رمضان لعمامرة، مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى السودان. وبالنسبة للمنتقدين
السودانيين، فإن البدلات الأنيقة والحديث السلس هو مجرد تكتيك بينما يستعد حميدتي للجولة
القادمة من المعركة، مشيرين إلى خطابه في رأس السنة الجديدة كدليل على سوء نيته.
وفي خطاب مسجل بالفيديو، تمنى حميدتي عيد ميلاد سعيدًا للمسيحيين
السودانيين، قبل أيام من قيام قواته بإحراق كنيسة. ثم انتقد "عمليات القتل على
أساس العرق"، على الرغم من المذابح في دارفور.
لكن حميدتي سجل ملاحظة واحدة يمكن أن يرتبط بها العديد من
السودانيين. وقال: "هناك سؤال ملح في أذهان الشعب السوداني.. أين نتجه؟"