رفضا لما يتضمّنه "
قانون الهجرة الجديد في
فرنسا"، خرج حوالي 75 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد، الأسبوع الماضي، من أجل الاحتجاج بصوت واحد، في محاولة للضغط على الحكومة الفرنسية، وذلك قبل أربعة أيام من إصدار المجلس الدستوري قرارا بهذا الشأن.
ونظمت أكثر من 160 مسيرة في مختلف أنحاء فرنسا، بما في ذلك في العاصمة باريس حيث تظاهر 16 ألف شخص، بحسب أرقام رسمية من الشرطة.
وفي السياق نفسه، دعت الأمينة العامة لنقابة الكونفدرالية العامة للعمل، صوفي بينيه، إلى التعبئة مع نظيرتها في نقابة الاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل، ماريليز ليون، بالقول إن "هذا القانون يمثل خرقاً للمبادئ الفرنسية السارية منذ 1789 المتعلقة بحق الأرض ومنذ عام 1945 بشأن عالمية الحماية الاجتماعية".
"الهجرة فرصة لفرنسا"
شعارات كثيرة، رُفعت خلال المظاهرات التي توصف بـ"الحاشدة"، أبرزها: "الهجرة فرصة لفرنسا" و"فرنسا نسيج من المهاجرين"؛ وذلك في الوقت الذي تسارع فيه الإحساس بالخوف في الانتشار بين المهاجرين، خاصة منهم العرب، ممّن استفسروا: كيف يمكن أن يؤثر القانون الجديد على وضعية المهاجر العربي في فرنسا؟
ورصدت "عربي21" جُملة من التدوينات والتغريدات، على مدار الأسبوع الماضي، لعدد من الناشطين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، من المهاجرين العرب، بين من يطالب الحكومة الفرنسية بـ"التراجع عن القانون"، وبين من يتمنى الحفاظ على وضعيته الاجتماعية القائمة في البلاد.
ويرى الباحث في الإعلام وقضايا الهجرة واللجوء، وليد اتباتو، بأن "التعديلات الأخيرة التي تهم قانون الهجرة في فرنسا، هي نتاج طبيعي وامتداد لتغول اليمين المتطرف في فرنسا، وفي غالبية أوروبا".
وأوضح اتباتو، في حديثه لـ"عربي21" بأن "الرسالة الإعلامية الغربية، في مفهومها السياسي، والتي تصنعها وتُساهم في تكريسها وسائل الإعلام الفرنسية، باعتبارها سلطة تمرّر من خلالها باقي السلط الأخرى رسائلها، عن طريق تزكيتها وتغذيتها وإحياء أصواتها، أصبحت قناة لتمرير حملات العنصرية والتخويف والتحريض ضد المهاجرين، بشكل لا يجعلهم فقط في موقع اتهام، بل يجعل انتماءهم الديني والهوياتي ككل في موضع إدانة".
وتابع: "تستغل وسائل الإعلام غموض مفهوم الكراهية، لتمرير مواقفها إزاء هذه الإشكالية، وتقليبها وفق التصور الذي تتبناه أو تدافع عنه"، مشيرا إلى أن العديد من وسائل الإعلام الأوروبية، تبنّت السردية السياسية التي تعتبر الهجرة تهديدا حقيقيا يمس أمنها الداخلي، ومع تنامي حالة الرُهاب والشعور بالتهديد شكل ذلك ذريعة فرنسية للمساس بالجانب الإنساني لظاهرة الهجرة، ودفعها إلى سلب مجموعة من الحقوق والمكتسبات.
وأكّد الباحث في الإعلام وقضايا الهجرة واللجوء، على أن "الحملة الإعلامية الفرنسية التي تواكب هذه القرارات، خصوصا من قبل وسائل الإعلام المحسوبة والمقربة من اليمين المتطرف تنهل من لغة سياسية تبريرية وتخويفية من هذا "المد" تحت ذريعة حماية الهوية الوطنية، مع استحضار ثنائية رئيسية في السردية الإعلامية تجمع بين الذات الغربية المتفوقة، والذات المهاجرة المتخلفة".
إلى ذلك، أشار اتباتو، إلى أن "شعبوية اليمين المتطرف، على سبيل المثال، أسست خطابها الانتخابي على فرضية أن المهاجرين واللاجئين يشكلون تهديدا للوحدة القومية والتماسك الوطني الداخلي، ووجد هذا الخطاب استجابة ملحوظة من طرف الناخب الغربي، الأمر الذي اتضح بشكل جلي في الانتخابات المحلية والبرلمانية لعدد من الدول الغربية".
رفض مُتسارع..
"نطالب بوضع سياسة اندماج حقيقية، خاصة من خلال العمل، لصالح قطاعنا ولصالح المجتمع ككل"، بهذه الجُملة، انطلق المئات من محترفي قطاع المطاعم، بما فيهم الشيف أوليفييه رولينجر، في بيان ضد قانون الهجرة، الثلاثاء، مؤكدين على "دعمهم للعديد من المهاجرين غير الشرعيين العاملين في هذا القطاع الذي يعتمد على اليد العاملة المهاجرة".
كذلك، الطهاة المتميزون، والجيل الجديد من الطهاة المتخصصين في الطبخ العابر للقارات، أكّدوا على أن: "هذا القانون يجلب بعدا تمييزيا تجاه الأجانب الذين يمثلون حجر الأساس في مطاعمنا، من مطاعم الذواقة إلى المطاعم اليومية"، مشيرين إلى أن قانون الهجرة الجديد هو: "ذراع ممدودة لحزب التجمع الوطني الذي نرفض نظرياته".
بدوره، أكد المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية أن "نسبة 50 في المئة من العاملين في قطاع المطاعم في المنطقة الباريسية هم من الأجانب"، في حين لا يزال هناك "200 ألف وظيفة شاغرة في البلاد".
بدورهم، أكثر من 300 منتخب ونائب من قوى اليسار السياسي، إضافة لعدد من الفنانين والكتاب، دعوا المواطنين الفرنسيين إلى الخروج بقوة للتظاهر رفضا لقانون الهجرة وللضغط على المؤسسات حتى لا يتم إصدار القانون؛ مؤكدين على أن "القانون هو تراجع كبير عن القيم الإنسانية التي أسست لها الثورة الفرنسية وانتهاك غير مسبوق للحقوق والحريات الفردية للمهاجرين".
تجدر الإشارة إلى أن القانون اعتمد على فرض عقوبات وصفت بـ"القاسية" على "المخالفين من الأجانب"؛ مع تشديد الحصول على المعونات الاجتماعية، إذ يجب على الأجانب العاطلين عن العمل إثبات إقامتهم في فرنسا لمدة 5 سنوات على الأقل، وتُخفض المدة إلى 30 شهرا بالنسبة للعاملين. بالمقابل، كان في ما مضى كان يحق للأجنبي غير الأوروبي الحصول على هذه المعونات بشكل فوري.
ويأتي قانون الهجرة الجديد، الذي صوتت عليه الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وسط حُزمة من الإجراءات التي تُصادر عددا من المكتسبات الحقوقية والاجتماعية للمهاجرين، ويشرع الترحيل وسحب الجنسية؛ فيما يُلغي المساعدة الطبية الحكومية للمهاجرين غير الشرعيين، ويقيد الحصول على تصريح إقامة "الأجنبي المريض".
كذلك، يشدد على شروط لمّ الشمل العائلي، إذ أصبح على المتقدّم بطلبه أن يثبت إقامته على الأراضي الفرنسية لمدة 24 شهرا (مقارنة بـ18 شهرا سابقا)، مع ضرورة وجود مصدر دخل كاف ومنتظم، كما رفع الحد الأدنى لسن الزوج الراغب في لمّ شمل العائلة إلى 21 عاما.
وأصبح يمكن للسلطات الفرنسية فرض التوقيع على "عقد التزام احترام مبادئ الجمهورية" من أجل منح تصريح الإقامة للأجانب، كما سوف يصبح من المفروض على الطلبة الراغبين في الدراسة بفرنسا تأدية مبلغ مالي ضمانا لعودتهم إلى بلادهم بعد انتهاء مدة الدراسة.