بورتريه

غونيس.. يكشف خيانة الممولين ويسأل "أين أموال العرب"؟

عربي21
 يرى أن مزاعم تورط 13 شخصا من بين طاقم وكالة "أونروا" المكون من 13 ألفا في غزة وأكثر من 30 ألفا في مناطق أخرى خيانة أقل بكثير من خيانة المانحين والممولين للوكالة.

وحتى قبل بدء التحقيق الرسمي في نيويورك، في مكتب الرقابة الداخلية، قامت "أونروا" بفصل هؤلاء الأشخاص لحماية نفسها وخطوط إمدادها.

يبدو وكأن الأمر هجوم سياسي على وكالة "أونروا" والسبب في ذلك هو أن الإسرائيليين يعتقدون "على نحو خاطئ تماما" أنه إذا تخلصوا من "أونروا"، فسيتخلصون من اللاجئين وحق العودة، كما قالوا ذات يوم.

كريستوفر روبرت بول غونيس، المولود عام 1959 بحسب ما كان يعرف آنذاك بمستعمرة التاج في ترينيداد، وهي جزء من جزر الهند الغربية البريطانية، تلقى تعليمه في إنجلترا، في البداية في كلية أردنغلي، قبل أن يحصل على منحة دراسية في جامعة أكسفورد في عام 1979.

انضم إلى هيئة الإذاعة البريطانية كمتدرب خريج في عام 1982. وخلال حياته المهنية في الإعلام التي استمرت 23 عاما في مجال البث، فإنه غطى جميع الأدوار الإعلامية، فكان: المنتج، ومدير الأستوديو، والمراسل، والمذيع.

في عام 2005، غادر كريستوفر غونيس هيئة الإذاعة البريطانية للانضمام إلى منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، التي تم إنشاؤها بعد توقيع اتفاقيات أوسلو. وكان عضوا في البعثة الأممية التي كلفتها الأمم المتحدة بمحاولة وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006 (حرب تموز، حسب التسمية الشائعة في لبنان) أو "حرب لبنان الثانية" بحسب التسمية الإسرائيلية.

وفي عام 2007، عين متحدثا رسميا ومديرا للاتصالات الاستراتيجية في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا).

برز بشكل لافت في عام 2014، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي عرف إسرائيليا بـ"الجرف الصامد"، وردت كتائب عز الدين القسام عليه بمعركة "العصف المأكول".

وبعد مقابلة تلفزيونية مباشرة من مكتبه في القدس مع قناة الجزيرة، انهار غونيس بالبكاء وهو يناقش قصف مدارس "أونروا" في غزة التي كانت تؤوي نحو 3300 نازح، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات.


وقال غونيس آنذاك: "على العالم أن يشعر بالعار إزاء هذا الانتهاك الفاضح من قبل إسرائيل للقانون الدولي الإنساني"، واصفا ما جرى بأنه "مجزرة مروعة بحق الأطفال".

هذا التصريح وغيره  دعا سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة، رون بروسور، إلى تعليق عمل غونيس، متهما إياه باتباع "نمط مستمر من التحيز ضد إسرائيل".

ورد غونيس بالقول: "نحن نحرس حيادنا بغيرة، ولدينا عدد كبير من التدابير التي نتخذها لحراسة حيادنا"، وذلك على خلفية مزاعم إسرائيلية اكتشاف مخابئ للصواريخ في ثلاث مدارس منفصلة تابعة لوكالة الغوث، واتهامات إسرائيلية بأن "أونروا" قامت بتسليم مخبأ واحد للصواريخ إلى "حماس"، ووصف غونيس هذه الادعاءات بأنها "لا أساس لها من الصحة".

وفي نفس العام، وردا على مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية غرد غونيس: "قاطعوا جي بوست.. لا تقرأوا أكاذيبهم"، وردا عليه أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا يؤكد على "أهمية أن تتمسك الأونروا بسياستها الحيادية المعلنة".

وفي عام 2019، غادر غونيس الأمم المتحدة، وأسس مشروع محاسبة ميانمار في عام 2021، ويدير أيضا شركة استشارية. في عام 2021، دافع نيابة عن سفير ميانمار السابق لدى المملكة المتحدة، كوسيلة لتقويض شرعية المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في انقلاب في وقت سابق من ذلك العام.

ورغم ابتعاده عن الملف الفلسطيني وعن "أونروا" إلا أنه لم يستطع البقاء بعيدا في ظل ما تواجهه هذه الوكالة الأممية الحيوية للشعب الفلسطيني.

فقد وضع النقاط على الحروب حتى تبدو أكثر وضوحا، ووضع خطوطا حمرا تحت الكلمات حتى نراها رأي العين، فهو لا يتوانى عن السؤال، الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة بعد تعليق الغرب تمويله (للأونروا)، عن مليارات العرب التي يمكنها حل مشكلة الوكالة في ظل قرار عدد من الدول قطع تمويلها.

وبشيء من السخرية السوداء يعيد صياغة عبارة للإسرائيليين، تعليقا على اتهام الاحتلال بعض موظفي "أونروا" بالضلوع في الهجوم على المستوطنات في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي: "إنهم لا يستطيعون كسب الحرب على غزة ما لم يتم حل الأونروا".

ويضيف: "رسالتي إلى العالم العربي، وخاصة إلى الخليج، أين أنتم؟ لأنهم يكسبون المليارات كل يوم من عائدات النفط. إن نسبة ضئيلة من عائدات النفط تلك ستؤدي إلى اختفاء المشاكل المالية للأونروا بين عشية وضحاها".

واستغرب غونيس، كيف يؤخذ عشرات آلاف الموظفين في الوكالة الدولية بجريرة 13 شخصا فقط لم يثبت بعد تورطهم في ما اتهموا به، معتبرا أن الأمر كله سياسي ويهدف إلى شطب قضية اللاجئين وحق العودة.

غونيس، يعتبر أن قطع التمويل عن الوكالة الدولية "خيانة للقانون الدولي ولنظام المساءلة، ويسبب تدهورا خطيرا لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين ليس في غزة فحسب، بل في جميع دول الشتات الفلسطيني." بحسب قوله.

"أونروا" تشبه إلى حد كبير حكومة موازية. فلها، برنامج التعليم الخاص بها، الذي يعلم أكثر من نصف مليون طفل في الشرق الأوسط، هذا هو البرنامج الأكبر. وكما يقول، غونيس، إنها تشبه نظاما تعليميا كاملا في حد ذاتها. ولديها عدد كبير من خدمات الرعاية الصحية الأولية، ولها تقريبا 150 عيادة صحية أولية وخدمات الإغاثة والخدمات الاجتماعية، وهي مساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة، والنساء، والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتواجه "أونروا" قبضة خانقة يمسك بها الأمريكيون، وهم ينفذون ما تريده دولة الاحتلال حرفيا دون تفكير، لذلك يرى غونيس أنه يجب تحقيق التوازن بين المانحين الغربيين والمانحين العرب.

يقول: "لنكن واضحين، لدينا وضع إجمالي، إيرادات النفط لـ’أوبك’ في عام 2022 كانت 888 مليار دولار. ميزانية الأونروا هي 1.5 مليار. هذا 0.2٪ من كل ذلك الربح النفطي لـ’أوبك’. يمكن لـ’أوبك’ حل هذه المشكلة في لحظة، وسيغير ذلك الديناميكيات تماما عن ما يحدث الآن".

وهذا حل مؤقت بالنسبة له لأن "وضع اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يتم حله في إطار حل سياسي للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. حان الوقت لتحرك سياسي لحل هذه الأزمة التي طال أمدها" بحسب قوله.

وتبدو مشكلة الاحتلال مع غزة عصية على الفهم والاستيعاب الإسرائيلي؛ فمنذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة وحتى اليوم يكاد السيناريو يتكرر، حصار وحروب تنتهي بتفاهمات ومساعدات تدخل بـ"القطارة" وأكاذيب مكررة ومملة يكررها الاحتلال في كل مرة حتى يبرر جرائمه.

يبدو غونيس مدركا تماما للّعبة الإسرائيلية مع غزة ومع "أونروا" وهو يطرح حلا يسحب هذا الملف من يد أمريكا والاحتلال عبر تمويل عربي لهذه الوكالة يساهم في استقلالها وتقويتها لأداء وظيفتها دون مضايقات وحملات تشويه لا تتوقف.