عندما ظهر تنظيم
داعش، وانطلق في عملياته الوحشية ومارس على الأرض أسلوبه
في إدارة ما سماه منظروه بإدارة التوحش، اتفق الجميع على وصف مقاتليه بـ"الإرهابيين"،
وتم إدراجه ضمن "الحركات الإرهابية". وبناء عليه أقيم تحالف دولي
لمواجهة هذا الوحش السياسي الذي كاد أن يحول المنطقة والعالم إلى حالة فوضى
واقتتال مستمر.
تقف اليوم كل هذه الأطراف عاجزة، أو بالأصح متواطئة مع وحش من نفس الطينة
بل وأكثر شراسة. الوحش الحالي يملك أسلحة أكثر فتكا وتدميرا؛ ليست هذه فقط الخاصية
التي تميزه عن بقية الوحوش، وإنما أيضا يعتبر نفسه غير ملزم بكل القوانين والأعراف
والأخلاق وقواعد الحرب، ويمكنه في الآن ذاته أن يجرّ الآخرين من الغربيين إلى مساندته
والوقوف إلى جانبه مهما كانت الكلفة الإنسانية والاقتصادية المترتبة عن هذا
الجنون.
تقف اليوم كل هذه الأطراف عاجزة، أو بالأصح متواطئة مع وحش من نفس الطينة بل وأكثر شراسة. الوحش الحالي يملك أسلحة أكثر فتكا وتدميرا؛ ليست هذه فقط الخاصية التي تميزه عن بقية الوحوش، وإنما أيضا يعتبر نفسه غير ملزم بكل القوانين والأعراف والأخلاق وقواعد الحرب، ويمكنه في الآن ذاته أن يجرّ الآخرين من الغربيين إلى مساندته
اتهام
الإسرائيليين بالتوحش والإرهاب المطلق ليس ادعاء باطلا أو مبالغة في
الوصف نابعة كما يدعون من عداء للسامية، والدليل على ذلك ما يلي:
يقول "موشي فيغلين"، عضو الكنيست السابق عن حزب الليكود: "لا
يوجد شيء اسمه تفكيك حماس، كما لم يكن لتشرشل مسمى تفكيك الحزب النازي.. لا يوجد ألمان
بريئون لهذا تم سحق مدينة دريسدن.. الأمريكيون لم يبحثوا عن ممر إنساني في هيروشيما
أو ناكازاكي؛ حرقوا كل الأولاد اليابانيين في هذه المدن ومدن أخرى. يجب أن نغير كل
القواعد ونأخذ بعين الاعتبار يوم المحرقة (السابع من تشرين الأول/ أكتوبر) ونضع كل
القواعد القديمة جانبا، وننتصر انتصارا ساحقا ومؤلما، بحيث نحقق ثلاثة شروط وهي
احتلال- تهجير- استيطان".
هل هناك قول واعتراف أشد وضوحا من هذا؟ يقول إن المطلوب حاليا ليس تفكيك
حماس كما يدعي نتنياهو في تصريحاته الديماغوجية؛ المسألة أبعد من ذلك بكثير،
المطلوب هو إعادة ما حصل في الحرب العالمية الثانية، إبادة الغزاويين برجالهم
ونسائهم وأطفالهم وتهجيرهم كخطوة ثانية، وأخيرا احتلال أرضهم بالكامل، ولتحقيق ذلك
لا بد من التخلي عن جميع الضوابط الأخلاقية والعسكرية والقانون الإنساني والدولي.
هذا هو جوهر المشروع الصهيوني الذي عبر عنه "موشي" بكل وضوح؛ نحن سنقوم بالسيطرة
على كل
فلسطين، سواء قبلتم بذلك أم لا، نحن نقرر والعالم سيقبل، ونعرف كيف نُخضع البقية ونجعلهم شركاء في الجريمة.
كلما توالت مثل هذه الاعترافات الفظيعة ازدادت في المقابل التصريحات
الغاضبة التي تدل على حالة وعي جديد بأن الوحش خرج من مخبئه. يقول أحد الصحافيين
الفرنسيين: "في مرحلة أوسلو كان هناك 120 ألف مستوطن في الضفة الغربية، أصبح
العدد اليوم 700 ألف. وهذه سياسة الأمر الواقع التي يعتمدها نتنياهو، فمنذ انتخابه
في سنة 2006 تقوم استراتيجيته على تقسيم الفلسطينيين، وتحييد الأجانب، والعمل على
حل المشاكل مع الدول العربية دون الإشارة إلى القضية الفلسطينية.. يعمل على منع التوصل
إلى إقامة دولة فلسطينية".
طاف الكيل وبلغ الصراع أقصى درجاته فكان لا بد أن ينفجر الطوفان، والطوفان
حالة مفاجأة تشبه الغليان، وتكون نتائجها غير متوقعة. تبادل الطرفان الضربات بعنف،
وفجّر الوحش خزان حقده ضد المدنيين؛ لم يتقيد بكل القيم والقواعد القديمة، وانتهى به
الأمر إلى اختيار الحرب المفتوحة؛ إما تصفية نهائية للقضية الفلسطينية أو تحقيق
انتصار على الوحش بمنعه من إنجاز أهدافه، ووضع القضية على أسس مختلفة؛
وفجّر الوحش خزان حقده ضد المدنيين؛ لم يتقيد بكل القيم والقواعد القديمة، وانتهى به الأمر إلى اختيار الحرب المفتوحة؛ إما تصفية نهائية للقضية الفلسطينية أو تحقيق انتصار على الوحش بمنعه من إنجاز أهدافه، ووضع القضية على أسس مختلفة؛ لن يكون هناك طريق ثالث. قد لا تستطيع المقاومة التخلص من الوحش بحكم موازين القوى، لكن يمكن استنزاف قواه، وإضعاف إرادته وتكثيف الضغط عليه حتى يضطر إلى التوقف، لكنه في كل الحالات سيعود إلى الهيجان عندما يستعيد بعض قوته وتتوفر له الظروف الملائمة
لن يكون
هناك طريق ثالث. قد لا تستطيع المقاومة التخلص من الوحش بحكم موازين القوى، لكن
يمكن استنزاف قواه، وإضعاف إرادته وتكثيف الضغط عليه حتى يضطر إلى التوقف، لكنه في
كل الحالات سيعود إلى الهيجان عندما يستعيد بعض قوته وتتوفر له الظروف الملائمة.
وصفت إحدى الاذاعات العبرية الحالة الإنسانية في
غزة بكونها أخطر مما فعلته
هيروشيما ونازاكي خلال الحرب العالمية الثانية؛ دمار غير مسبوق، وستكون لهذا
نتائجه التي لن يتم نسيانها وتجاوزها بسهولة، لكن يمكن ذلك في حال عدلت بعض الحكومات
العربية الأساسية من موقفها كما توحي به بعض الاجتماعات الأخيرة التي عقدتها الدول
الخليجية. هناك تململ ورفض لطريقة تعامل نتنياهو مع هذه الدول، إذ يعتبرها مجرد
خزائن سليمان؛ يأمرها فتستجيب. المتوحشون يتعاملون دائما مع الآخرين باستعلاء
وتفوق.
تحدثت سيدة فرنسية بكل جرأة: "الوحش في طريقه نحو الموت. الوحش لا
يستسلم بسهولة، يترك دائما وراءه أضرارا عالية. الوحش هم الشياطين الصهاينة. أعداؤنا
ليسوا المسلمين أو اليهود الحقيقيين، هؤلاء صنف آخر من اليهود، هؤلاء يعبثون بكل
شيء.. يجب أن يتوقف هذا، يجب أن نكون أقوياء صبورين ومتحدين".
بقطع النظر عن الخلفيات السياسية والأيديولوجية لهذه السيدة، لكن ما دعت
إليه ينطبق بدرجة أساسية على الفلسطينيين؛ الذين بوحدتهم ورفضهم الخضوع للخوف
والابتزاز والانفراد بالرأي والتنسيق مع الجهات المعادية لقضيتهم.. يمكن أن
يستثمروا الوقوف وراء المقاومة.. ذلك هو قدرهم إن أرادوا إفشال المخطط الداعشي
الصهيوني.