الكتاب: مجازر ومخططات صهيونية في مئة عام.
الكاتب: محمد عبدالرحمن عريف.
الناشر: دار المكتب العربي- القاهرة،2022م.
أكثر من مائة وعشرين عاماً مرت على المشروع الصهيوني، ارتكبت فيها
دولة
الاحتلال الإسرائيلية، عدة مجازر بحق الشعب
الفلسطيني الذي حاولت تغيبه ونفيه
من أرضه، ولم تتوانى في تنفيذ مخطط الإبادة الجماعية الذي لم يغب عن الساسة
الإسرائيليين سواء من اليمين الإسرائيلي أو حتى اليسار، فالواقع الديمغرافي في
فلسطين شكل عقبة كبيرة أمام إسرائيل؛ نظراً لتشبث الشعب الفلسطيني بأرضه، ورفضه
الاستسلام لكل ما تحاول إسرائيل فرضه عليه سواء بالقوانين العنصرية أو عمليات
القمع اليومية على الحواجز الإسرائيلية، واجتياح المدن أو بشن حرب الإبادة التي
تنفذ ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال حرب طوفان الأقصى.
في هذه الدراسة يناقش عريف المجازر والمخططات الصهيونية في مئة عام،
إذ عرج فيها الكاتب لكافة مراحل الصراع العربي الإسرائيلي منذ القرن التاسع عشر،
كما أوضح فيه مدى صلابة الشعب الفلسطيني للمحافظة على أرضه وتاريخه لصد كافة
محاولات طمس القضية الفلسطينية، وكيف كانت فلسطين ضحية لمؤامرات الدول
الاستعمارية، ففلسطين لمئة عام وعامين بين سايكس بيكو تحولت من "قضية
قرن" إلى "صَفقَة قرن"، ولمئة عام وعام.. نهشت القدس بين بلفور
وترامب، ومازالت تهود وتعزل عن عمقها العربي والإسلامي، ويمنع الفلسطيني في القدس
ومدن الضفة الغربية من الوصول إليها منذ السابع من أكتوبر، حتى وصل الأمر لعدم رفع
الآذان وإقامة صلوات يوم الجمعة.
اعتمدت العصابات الصهيونية أسلوب المجازر الهمجية بحق الفلسطينيين،
من أجل تهجيرهم وتشريدهم من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم إبَّان النكبة التي
أصابتهم في عام 1948م, وقد وُصفت المجازر بالعمليات المخيفة نتيجة استخدام أساليب
القتل، والتشُريِّد، بالتفجير وإطلاق النار، والتدمير الممنهج.
بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي صرح: "إن الوضع في
فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية"، هذا يوضح الوجه الحقيقي للإرهاب الإٍسرائيلي
في فلسطين، إذ استخدمت على الدوام سياسة البطش وارتكاب المجازر لتحقيق أهدافها
التوسعية، ولخصت العبارة السابقة أهم المنطلقات الاستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة
الصهيونية، فكانت المجازر المنظمة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الصهيوني فيما
بعد ضد أهل القرى والمدن الفلسطينية من أبرز العناوين للتوجهات الصهيونية
والإسرائيلية؛ لحمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وإحلال
اليهود مكانهم.
كان من نتائج حرب عام 1948م، أنها أخرجت قسم كبير من الشعب الفلسطيني
من وطنه، وأتمت (إسرائيل) سيطرتها على المنطقة المخصصة لها في قرار التقسيم، وعلى
المناطق المخصصة للدولة العربية بموجب القرار ذاته، ومن ثم عرج الكاتب لأسباب فشل
العرب في حرب عام 1948م:
ـ عدم إشراك السياسيين القادة العسكريين في أي نقاش حول الحرب، مما
جعل هؤلاء الأخيرين في وضع غريب، فهم لم يطلعوا على قرار دخول الحرب إلا قبل وقت
من اندلاعها، ولم يتح لهم الوقت الكافي لاتخاذ الاستعدادات اللازمة لتهيئة القوات.
ـ ضحالة المعلومات المتوافرة لدى قيادات الجيوش العربية عن القوات
المعادية، في الوقت الذي امتلك الصهاينة المعلومات الكافية عن الجيوش العربية.
ـ رجحان ميزان القوى لصالح (إسرائيل) رغم أن الديمغرافية العربية
تفوقهم؛ ذلك بسبب تفهم الصهيونيين الأعمق لمعنى الحرب ومتطلباتها، وإشراكهم كل
القوى المتوافرة، وإعلانهم التعبئة العامة، في حين اقتصرت الدول العربية على زج
جزء من قواتها، ونسبة لا تذكر من سكانها.
ـ ضعف القدرة والخبرة العسكريتين لدى القوات العربية، فبعضها كان
حديث التشكيل، وبعضها كان بقيادة أجنبية، وكلها لم يسبق لها الاشتراك الفعلي في
القتال، في حين توافرت للقوات الإسرائيلية خبرات قتالية اكتسبها قوادها وأفرادها
من مشاركتهم بالحرب العالمية الثانية.
ـ افتقار العرب إلى قيادة عسكرية موحدة جادة قادرة على التخطيط
والتنسيق بين الجيوش والإشراف على سير العمليات، وإصدارها لأوامر تفتقر إلى الدقة
في تحديد الأهداف والمهام. بل أدى تعدد القيادات وتضارب المصالح القطرية إلى تبديل
القيادة لقراراتها فجأة مخلفة فوضى وبلبلة بين القوات، في حين كانت القوات
الإسرائيلية كلها، من نظامية وغير نظامية، ذات قيادة واحدة أحكمت سيطرتها على
العمليات الحربية ووجهتها وفق الخطة العامة.
ـ عجز الدول العربية عن استغلال فترات الهدنة؛ لتحسين أوضاع قواتها
المسلحة، وتأمين السلاح، والعتاد اللازمين .
ـ قصور الدول العربية عن فهم استراتيجيات الدول العظمى المتحكمة في
السياسة العالمية، واطمئنانها للوعود، وتقبلها المماطلات، مما أدى إلى عجزها عن
الارتفاع إلى مستوى مجابهة الأخطار التي تهددها، في الوقت الذي كانت فيه الصهيونية
العالمية قد حشدت كامل طاقاتها المحلية والدولية لخدمة أهدافها الاستراتيجية.
كما عرض الكاتب في دراسته المذكرات السياسية، كمذكرات حاييم وايزمان،
التي بينت مدى التشويه الفكري، والعقائدي والثقافي الصهيوني، والعقلية الدموية
لزعماء دولة الاحتلال، وحرب 1973 في وثائق القيادة السياسية الإسرائيلية، وخفايا
مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر 1973.
اعتمدت العصابات الصهيونية أسلوب المجازر الهمجية بحق الفلسطينيين، من أجل تهجيرهم وتشريدهم من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم إبَّان النكبة التي أصابتهم في عام 1948م, وقد وُصفت المجازر بالعمليات المخيفة نتيجة استخدام أساليب القتل، والتشُريِّد، بالتفجير وإطلاق النار، والتدمير الممنهج.
تحدث عريف عن بناء الجدار عام 2002م "شرعت الحكومة الإسرائيلية
برئاسة أرييل شارون ببناء جدار فاصل بينها وبين الفلسطينيين داخل أراضي الضفة
الغربية، قالت إنه بهدف حماية إسرائيل من العمليات العسكرية الفلسطينية؛ لكنه
اقتضم الكثير من الأراضي، وساهم في إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني، وإفقار
اقتصاده الوطني بشكل شبه كامل، وتم عزل مدن وبلدات بكاملها عن محيطها الفلسطيني
جغرافيًا عن طريق رسمٍ للحدود مع الضفة الغربية، الذي تضمن، إضافة إلى نقطتي
الحدود الرسميتين في العقبة جنوباً، والشيح حسين شمالاً، نقطة مرور بسيطة عند جسر
الملك حسين (جسر اللنبي سابقًا)، حيث لا تختم السلطات الأردنية جوازات سفر الأشخاص
العابرين لهذا الجسر".
مجزرة باب العمود:
أظهرت مجزرة باب العمود التي وقعت بتاريخ 29 ديسمبر عام 1947م، مدى
تطابق السياسة الإٍسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بين الأمس واليوم، عنها يقول
الكاتب: "في مجزرة باب العمود بالقدس ألقت عصابة (الأرجون) الصهيونية،
برميلاً مملوءاً بالمتفجرات، عند باب العمود في القدس، مما أدى إلى استشهاد (14)
مواطناً وجرح (27) آخرين"، فاليوم تدك مئات البيوت والأحياء السكينة
بالبراميل المتفجرة من الطيران الإسرائيلي والأمريكي، لزعزعة بقاء الفلسطيني على
أرضه واجباره على الرحيل بعد حصار محكم استمر لعشرات السنوات، ومجاعة تتفاقم يوماً
بعد يوم في شمال قطاع غزة.
أما عن مذبحة دير ياسين فقد أورد الكاتب شهادات من مرتكبيها، فقد
وقعت بتاريخ 9 أبريل عام 1948م على يد الجماعتين الصهيونيتين: أرجون وشتيرن. أي
بعد أسبوعين من توقيع معاهدة سلام طلبها رؤساء المستوطنات اليهودية المجاورة ووافق
عليها أهالي قرية دير ياسين، إلا أنهم نكثوا الاتفاق، وراح ضحية هذه المذبحة أعداد
كبيرة من أبناء هذه القرية وصل عددهم لأكثر من 250 شهيد؛ فكانت المذبحة عاملاً
مهمّاً في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة
لما سببته المذبحة من حالة رعب عند المدنيين.
حرب الطرق
لعلّها الشعرة التي قسمت ظهر البعير في إشعال حرب النبكة الفلسطينية
عام 1948. وأضافت مذبحة دير ياسين حِقداً إضافياً على الحقد الموجود أصلاً بين العرب
والإسرائيليين، واشتعلت الأحقاد بعد قرار بريطانيا سحب قواتها من فلسطين مما ترك
حالة من عدم الاستقرار في فلسطين، وقام جيش التحرير العربي والمؤلّف من
الفلسطينيين ومتطوعين من مختلف البلدان العربية على تشكيل هجمات على الطرق الرابطة
بين المستوطنات اليهودية، وقد سمّيت الحرب بحرب الطرق، حيث أحرز العرب تقدّماً في
قطع الطريق الرئيسي بين مدينة تل أبيب وغرب القدس مما ترك 16% من جُل اليهود في
فلسطين في حالة حصار.
هنا قرر الصهاينة تشكيل هجوم مضاد للهجوم العربي على الطرقات الرئيسية
فقامت عصابة شتيرن والأرجون بالهجوم على قرية دير ياسين على اعتبار أن القرية
صغيرة، ومن الممكن السيطرة عليها مما سيعمل على رفع الروح المعنوية اليهودية بعد
خيبة أمل اليهود من التقدم العربي على الطرق الرئيسية اليهودية.
حرب إعلامية عربية يهودية
لم تكتف العناصر اليهودية المسلحة من إراقة الدماء في قرية دير
ياسين، بل أخذوا عددًا من القرويين الأحياء بالسيارات واستعرضوهم في شوارع الأحياء
اليهودية وسط هتافات اليهود، ثم العودة بالضحايا إلى قرية دير ياسين، وانتهكت جميع
المواثيق والأعراف الدولية حيث جرى أبشع أنواع التعذيب، وعن ذلك يشير الكاتب "إنه
شيء تأنف الوحوش نفسها ارتكابه لقد أتو بفتاة واغتصبوها بحضور أهلها، ثم انتهوا
منها وبدأوا تعذيبها فقطعوا نهديها ثم ألقوا بها في النار".
في احدى الشهادات الإسرائيلية حول فظائع مجزرة دير ياسين، أشار بن
تسون كوهن، من عصابة "إيتسيل": "لو كان هناك 3 أو 4 مذابح على غرار
ما حصل في دير ياسين، لما تبقى عربي واحد في البلاد، مؤكدًا أن هؤلاء اللاجئين
(الفلسطينيين) في لبنان والأردن وسوريا ذهبوا إلى هنالك بسبب أحدهم. يوجد يهودي
واحد يمكنه أن يقول: بسببي. أنا قدت دير ياسين".
قفازات من حرير
وصف أحد مرتكبي المذبحة كيفية هروب الفلسطينيين من منازلهم بسببها،
قائلًا: "لم نكن هناك بقفازات من حرير، بل دخلنا منزلًا إثر منزل، نلقي مادة
متفجرة والسكان يهربون، تفجير يتلوه آخر، وفي غضون بضع ساعات لم يعد نصف القرية
موجودًا".
كما وصف عضو ليحي أعمال السلب والنهب التي نفذها هو ورفاقه قائلا: "صادرنا
الكثير من المال والمجوهرات التي وقعت في أيدينا.. كانت هذه عملية هائلة حقا، وليس
صدفة أن اليسار يشهر بنا مرة أخرى".
مذبحة حيفا:
سمي الهجوم على مدينة حيفا عملية بيعور حميتس (التطهير في الفصح)،
وكان الهدف من العملية هو الاستيلاء على الأحياء العربية في حيفا، وكان حدثًا
هامًا في المراحل الأخيرة من حرب التطهير العرقي في فلسطين، بدأ البريطانيون إخلاء
القوات عن طريق ميناء حيفا في مطلع أبريل.
بات الطريق مفتوحًا نحو حيفا ويافا، فقد اعتبرت القيادات الصهيونية
السياسية والعسكرية أن بقاء مدينتي يافا وحيفا بيد العرب كارثة كبرى للمشروع
الصهيوني "لذا فإن تصفية هاتين المدينتين هو في حد ذاته مساهمة كبيرة في نجاح
هذا المشروع، وبالتالي يؤدي إلى إضعاف أي محاولة فلسطينية لإعادة بناء المدينة من
جديد، وبمعنى آخر فإن تصفية حيفا ويافا هو في حد ذاته تصفية للحياة المدينية
الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين في هاتين المدينتين والقرى المحيطة بهما إلى
لاجئين ومشردين بعيدين عن مراكز القرار وصنعه وتأثيره".
لقد رعت بلدية حيفا برئاسة شبتاي ليفي هدم مئات البيوت والمباني
العربية في معظم الأحياء العربية التي استولت عليها عصابة رابين وشارون، وذلك من
منطلق منع عودة الحيفاويين إلى مدينتهم، كما تم أيضًا هدم الحسبة بكاملها، وهي
المنطقة التي كانت الملجأ الأمين لأهالي حيفا العرب. كانت الحسبة قريبة من بوابة
الميناء، لذا فمع القصف زحفت الجموع الغفيرة من الحسبة باتجاه الميناء، واعتبر
اليهود طرد الفلسطينيين فرصة ذهبية لتحويل حيفا من مدينة عربية إلى مدينة يهودية
شكلاً ومضمونًا، وأصدر بن غوريون أوامره بعدم هدم الأماكن المقدسة لإظهار احترام
اليهود لها، بالإضافة إلى كل ذلك، فلم يتم بناء أي حي عربي جديد في حيفا منذ 1948،
في حين تمّ بناء المئات من الأحياء اليهودية!!.
مَذبَحَة قَلقِيِليَة شَاهِدَة:
رفض أهالي قلقيلية كافة الإغراءات التي قدمها المحتل لشراء أي شبر من
أراضيهم، فخطط بحقهم مذبحه ارتكبتها كتيبة الموت رقم"101" التي قادها
أرئيل شارون رئيس وزراء الأسبق، حين تسللت الكتيبة، وقامت باغتيال 70 شهيدًا
فلسطينيًا من الرجال والنساء والأطفال في جنح الليل، بدأت القصة قبل العاشرة بعشر
دقائق من مساء يوم العاشر من أكتوبر 1956، عندما تفاجأ أهل قلقيلية بانطفاء
الأضواء في المستوطنات المقابلة لقلقيلية، وتسللت إلى المدينة قوة من الجيش
الاسرائيلي تقدر بكتيبة مشاة وكتيبة مدرعات تساندها كتيبتا مدفعية ميدان، ونحو عشر
طائرات مقاتلة فقطعت بعض أسلاك الهاتف، ولغمت بعض الطرقات في الوقت الذي تجمعت فيه
قوة كبيرة من المستعمرات القريبة، وهاجمت المدينة من ثلاثة جهات مع تركيز الجهد
الرئيس بقوة المدرعات على مركز الشرطة فيها.
يقول المؤرخ فائق مزيد: "هذه المذبحة استخدمت فيها كافة أنواع
الأسلحة بدايةً بالسلاح الأبيض ثم الرصاص من بنادق أوتوماتيكية ثم مواد ناسفة وضعت
في زوايا المركز وبعدها قذائف الدبابات، فهي مذبحة وجريمة منظمة شارك فيها أشخاص
أصبحوا قادة في جيش الاحتلال مثل اسحاق رابين وموشيه ديان وغيرهما".
مجزرة بَحر البَقر:
الدرس انتهى لِمُّوا الكراريس بالدم اللي على ورقهم سال "بهذه
الكلمات وثّق الشاعر صلاح جاهين لواحدة من مذابح الاحتلال الصهيوني. ففي صباح
الثامن من أبريل 1970م، وقع هجوم شنته القوات الجوية للمحتل الإسرائيلي عندما قصفت
طائرات من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية
بمحافظة الشرقية في مصر، ويضيف عريف: " هذا القصف ضمن تصعيد الغارات
الإسرائيلية على مصر لإرغامها على إنهاء حرب الاستنزاف وقبول مبادرة روجرز، ولم
يكن بغريب أو جديد على إسرائيل أن تزيف الحقيقة وتؤكد على أنها قصفت أهدافًا عسكرية،
وليس مدرسة".
مجزرة قانا:
في 18 أبريل 1996، وقعت مذبحة قانا، وهي جزء من عملية كبيرة سُميَّت "عملية
عناقيد الغضب"، تعَد هذه العملية الرابعة من نوعها للجيش الإسرائيلي تجاه
لبنان بعد اجتياح 1978 وغزو 1982، واجتياح 1993م، استهدفت 159 بلدة وقرية في
الجنوب والبقاع الغربي، وكان لهذه العملية ثلاثة أهداف أساسية غير تلك التي أعلنها
القادة والزعماء الرسميون والإعلاميون في إسرائيل:
1 ـ الحد من عملية تآكل هيبة الجيش الإسرائيلي.
2 ـ محاولة نزع سلاح الجنوب اللبناني أو على الأقل تحجيمه وتقييد
نشاطه من خلال الضغط إلى الدرجة القصوى على القيادتين اللبنانية والسورية لتحقيق
هذا الهدف.
3 ـ تحقيق جزء من الأمن المفقود للمستوطنات في الشمال، وأمن الجنود
الإسرائيليين في الحزام المحتل في جنوب لبنان" .
أسفرت هذه العملية عن مقتل 250 لبنانياً منهم 110 لبنانيين في قانا
وحدها، بالإضافة للعسكريين اللبنانيين والسوريين، بعد قصف قانا سرعان ما تحوَّلت
إلى فضيحة كبرى لإسرائيل أمام العالم فسارعت بالإعلان أن قصف الموقع تم عن طريق
الخطأ. ولكن أدلة كذب القوات الإسرائيلية بدأت تظهر وتمثَّل الدليل الأول في فيلم
فيديو تم تصويره للموقع والمنطقة المحيطة به أثناء القصف، وظهرت فيه لقطة توضح
طائرة استطلاع إسرائيلية بدون طيار تُستخدَم في توجيه المدفعية، وهي تُحلق فوق
الموقع أثناء القصف المدفعي، بالإضافة لما أعلنه شهود العيان من العاملين في الأمم
المتحدة من أنهم شاهدوا طائرتين مروحيتين بالقرب من الموقع المنكوب.
يضيف الكاتب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي (شيمون بيريز) علق عن ذلك
بقوله: "إنها فضيحة أن يكون هناك 800 مدني يقبعون أسفل سقف من الصاج ولا
تبلغنا الأمم المتحدة بذلك". ولكن مسئولون في الأمم المتحدة أخبروا إسرائيل
مراراً بوجود تسعة آلاف لاجئ مدني يحتمون بمواقع تابعة للأمم المتحدة. كما أعلنوا
للعالم أجمع أن إسرائيل وجهت نيرانها للقوات الدولية ولمنشآت الأمم المتحدة 242
مرة في تلك الفترة، وأنهم نبَّهوا القوات الإسـرائيلية إلى اعتدائها على موقع
القوات الدولية في قانا أثناء القصف، ولقد أكد تقرير الأمم المتحدة مسئولية حكومة
شيمون بيريز وجيشه عن هذه المذبحة المتعمدة.
تميز أسلوب الكاتب محمد عريف بمزج الكتابة التاريخية مع الأدب، ولديه
قدرة على المحاكاة وعرض الأحداث والصور التاريخية لتفاصيل دقيقة حول المجازر التي
ارتكبت على مدار مائة عام، مما يدل على امتلاك ناصية اللغة والقدرة على التعبير
والإبداع معاً، وامتلاك عنصر التشويق، وجاء بمؤثرات وجدانية، واستخدمها بشكل صحيح،
وتحليل الأحداث وربطها ببعضها البعض.