تشهد محافظة ديالى
العراقية المحاذية لإيران، صراعا سياسيا حادا على منصب المحافظ بين أطراف داخل الإطار التنسيقي الشيعي، الأمر الذي يهدد باقتتال مسلح محتمل، كون المدينة تحظى بأهمية كبيرة، ليست على المستوى المحلي فقط، وإنما الإقليمي أيضا.
لم تستطع القوى السياسية انتخاب رئيس مجلس للمحافظة، الذي يختار بعدها المحافظ، خلفا لمثنى التميمي القيادي في منظمة "بدر" بقيادة هادي العامري، الذي يتولى المنصب منذ عام 2015، وتهدد عشيرته بالتصعيد في حال أقصي من منصبه ولم يُجدد له.
سيطرة العائلات
وكشفت مصادر سياسية عراقية لـ"عربي21" طالبة عدم الكشف عن هويتها، أن "
الصراع القائم داخل الإطار التنسيقي الشيعي بخصوص منصب محافظ ديالى ينحصر بين منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، القياديين في الإطار".
وأضافت المصادر أن "الوضع السياسي في ديالى ذات الغالبية السنية، صعب ومعقّد للغاية، ومن الممكن أن يتطور إلى توتر أمني خطير بتفجّر الصدام المسلح بين الأطراف المتنازعة في حال لم يحصل اتفاق ينهي الأزمة القائمة بخصوص منصبي المحافظ ورئيس مجلس المحافظة".
ولفتت إلى أن "خطورة الموضوع تكمن في أن العائلات التي تنتمي إلى أطراف الصراع أصبحت أقوى من قياداتها في بغداد، ولم تعد تستمع لها، لأن باستطاعتها تحريك الشارع، ولديها نفوذ كبير بفعل تجارة المخدرات وعمليات التهريب، لذلك لن تتنازل بسهولة عن نفوذها هذا".
وأوضحت المصادر أن "الأطراف السنية ليست بعيدة عن الصراع القائم، كونهم أيضا انقسموا إلى فريقين، فحزب تقدم بقيادة محمد الحلبوسي لديه تحالف مع منظمة بدر، بينما حزب السيادة بزعامة خميس الخنجر متحالف مع الطرف الآخر الذي تمثله
عصائب أهل الحق".
وأشارت المصادر إلى أن "الخلافات الحاصلة في ديالى بخصوص منصبي رئيس المجلس والمحافظ، أوصل سعر صوت عضو مجلس إلى 250 ألف دولار أمريكي، مقابل التصويت لصالح أحد الأطراف المتنازعة".
وينحصر منصب رئيس مجلس المحافظة، بين نزار اللهيبي عن "تقدم"، وعمر الكروي عن "السيادة"، إذ لم يستطع أحد الطرفين حتى الآن كسب 9 أصوات من أعضاء مجلس المحافظة البالغ عدد 15 عضوا.
وأسفرت نتائج الانتخابات المحلية في ديالى، عن فوز "بدر" بأربعة مقاعد، و"العصائب" والمتحالفين معها بثلاثة مقاعد، بينما حصل تحالفي "تقدم" و"السيادة" على ثلاثة مقاعد لكل منهما، في حين حقق كل من تحالف العزم (السني)، والاتحاد الوطني الكردستاني، مقعدا واحدا لكل منهما.
خلافات متصاعدة
من جهته، قال عضو الإطار التنسيقي السابق، عائد الهلالي إن "الخلاف موجود بالفعل، وهذا بدا واضحا في البصرة عندما حصلت قائمة تصميم برئاسة أسعد العيداني على منصب المحافظ، وذهبت رئاسة مجلس المحافظة إلى منظمة بدر، وهذا كان خلاف الاتفاقات داخل الإطار".
وأضاف الهلالي لـ"عربي21" أن "هذا الأمر ألقى بضلاله على ما يجري في ديالى حاليا، لأن المحافظة لها خصوصية تأتي من تنوعها القومي والمذهبي، وقوة الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، وكذلك الطابع الموجود فيها، فهي تحسب على المكون السني".
وتابع: "دخول منظمة بدر بهذه القوة على منصب المحافظ، ثم مجيئ حركة صادقون (الذراع السياسي لعصائب أهل الحق) يعتبر تمدد على مساحات الآخرين، الذين لا يريدون التفريط فيها، بالتالي حدثت هذه المشكلات".
وأشار إلى أن "ديالى لها خصوصية اقتصادية كبيرة جدا، فهي من المناطق الحدودية المهمة جدا مع إيران، ولها حدود أيضا مع إقليم كردستان العراق، وفيها ثروات نفطية وغازية كبيرة، وبالتالي تشكل مطمعا لجميع الكتل السياسية التي غاب عنها التوافق في عملية توزيع مناصب المحافظات".
ورأى الهلالي أن "هناك ضيق أفق لدى القوى السياسية، والتي يجعل من الكتل أن تدفع بشخصيات غير مؤهلة لتبوء مناصب مهمة جدا. رغم أن الجميع لا يريد الذهاب إلى أزمة بعد الاستقرار السياسي الحالي في البلد".
وبيّن الخبير السياسي أن "الإطار التنسيقي يعتبر الأب للحكومة الحالية في العراق، لذلك فإن العبث بأوراق محافظة ديالى على وجه التحديد ربما تكون له تداعيات سلبية كبيرة جدا على وحدة الإطار".
وخلص الهلالي إلى أنه "في النهاية سيتم التوصل إلى بين الأطراف هذه، لكن اتفاق اللحظات الأخيرة قد يأتي بشخصية توافقية غير مهيأة، وتكون مسلوبة الإدارة، وهذا يؤثر بشكل كبير على أدائها وتقديم خدمات لأهالي المحافظة، لذلك العملية السياسية بحاجة إلى نضج أكبر".
"لعب بالنار"
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد إن "مشكلة ديالى قد تمتد إلى محافظتين المجاورتين كركوك وصلاح الدين، لأن الأولى لم تختار محافظ بعد، والثانية صدر مرسوم رئاسي قبل أيام يرفض فيه المصادقة على انتخاب النائب أحمد الجبوري (أبو مازن) محافظا للمدينة".
وأوضح العابد لـ"عربي21" أنه "في حال تم التلويح باستخدام الورقة العشائرية أو ورقة الشارع في ديالى، فإنه سيتنقل الأزمة إلى المحافظات الأخرى، لذلك يجب البحث عن حلول للأزمة الحالية".
وبحسب الخبير العراقي، فإن "انتخاب محافظ نينوى تُعد تجربة ناجحة، وذلك باتفاق جميع الأطراف السياسية الفائزة على تسمية شخصية غير مرشحة بالانتخابات المحلية، وهو عبد القادر الدخيل، لتولي منصب المحافظ، لأن جميع الأطراف لا تمتلك الأغلبية العددية لتمرير مرشحها".
ولفت إلى أن "المشكلة في محافظة ديالى معقدة، كونها قريبة من إيران، وتتواجد فيها الكثير من المليشيات المسلحة، وأيضا هناك نشاط لتنظيم الدولة فيها، وكذلك موضوع التهريب يلعب دورا في الأزمة، وسط منطقة جغرافية واقعها معقد من الناحية القومية والاثنية".
وتابع: "رغم أن الأطراف المختلفة داخل الإطار التنسيقي لها ضابط خارجي يتمثل في إيران، لكن المشكلة أن هذه الجهات لديها أذرع مسلحة، وقد ينفلت الوضع في أي لحظة ويفقد الجميع السيطرة على الوضع".
وشدد العابد على أن "أطراف الإطار التنسيقي تلعب بالنار في ديالى، لأن المحافظ السابق مثنى التميمي لديه جمهور واسع وهو من قبيلة كبيرة. في المقابل، الأطراف الأخرى لا تقل نفوذا وقوة وتسليحا في المحافظة، لذلك فإن حادثة صغير من أي طرف قد يشعل شرارة القتال".
وأكد الخبير العراقي أن "الإطار التنسيقي هو من تسبب في فتنة مناصب المحافظين، كونه قرر بداية بضرورة تغيير كل المحافظين السابقين، لكنه فشل في إزاحة محافظي (البصرة، كربلاء، واسط)، وأن الذهاب إلى ديالى بالاستراتيجية ذاتها قد يؤدي إلى اقتتال داخلي بالمحافظة".