التحديق بمشاهد الموت والدمار التي يخلفها العدوان
الإسرائيلي المستمر على
غزة
مع حرب الجوع التي يئن تحتها
الفلسطينيون على مرأى ومسمع العالم كله، يثير كل
أنواع الغضب والنقمة، والغوص في تفاصيل جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة يكشف عن
قدرٍ غير متناهٍ من الهستيريا الأمنية للمؤسسة الصهيونية، وعن حقدٍ يتمثل
بالتفاصيل المرعبة التي تدفع لفهم العلاقة المشوهة بين الأمن والسياسة لهذه
المؤسسة، فانتهيا (الأمن والسياسة) إلى الفشل الذي يضيف دعما جديدا لصحة وصواب
المواقف المناهضة لأوهام وسراب التعويل على سياسات عربية وغربية وأمريكية لوقف
جريمة الإبادة الصهيونية، وتدعي حرصها على سلام حدهُ الأقصى بقاء إسرائيل قوة
استعمارية متفوقة في المنطقة العربية، وبجعل كل النظام العربي خاضعا ومطبعا معها،
وحده الأدنى فرض إذلال وهزيمة أبدية على الشعب الفلسطيني بعدم الاعتراف بوجوده
وحقوقه.. هذه هي الحدود التي يمكن أن تُجنى من استمرار تكريس سياسة العجز الذاتي
العربي والنفاق الدولي.
ثمة شهادة علنية على السقوط العاصف لأنظمة الاستبداد العربي في منع أو وقف
الإبادة الجماعية في غزة، ومثلها شهادة علنية أخرى على سقوط أكثر عصفا لمعايير
ومواقف سياسية غربية وأمريكية بعد عملية "طوفان الأقصى"، مواقف أعادت ضخ
الدماء مجددا لتمكين المشروع الصهيوني من متابعة دوره وطريقه كمطية للمصالح
الاستعمارية في المنطقة العربية، وفي فلسطين، كقاعدة استعمارية شرسة للصهيونية واختصار
رمزي لاختبار مدى مقاومة هذا المشروع الاستعماري الإحلالي الاستيطاني.
تبدو كل الجهود في جولة العدوان الحالي، والتي تبحث وقف العدوان ومستقبل غزة والقضية الفلسطينية، غير قادرة على أن تكون خارج دائرة المصلحة الصهيونية ومكتوبا عليها الفشل، مع استمرار النفاق الدولي تجاه إسرائيل بالتمسك برواية صهيونية عن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ثم الانشغال بمصير لأسرى لدى المقاومة، وتبرير ذريعة الرد الصهيوني على "طوفان الأقصى" بدعم وإسناد الفاشية الصهيونية، دون الإسراع لإنقاذ حياة أكثر من مليوني فلسطيني مهددين بالإبادة الجماعية والتهجير
لهذا تبدو كل الجهود في جولة العدوان الحالي، والتي تبحث وقف العدوان
ومستقبل غزة والقضية الفلسطينية، غير قادرة على أن تكون خارج دائرة المصلحة
الصهيونية ومكتوبا عليها الفشل، مع استمرار النفاق الدولي تجاه إسرائيل بالتمسك
برواية صهيونية عن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ثم الانشغال بمصير لأسرى لدى
المقاومة، وتبرير ذريعة الرد الصهيوني على "طوفان الأقصى" بدعم وإسناد
الفاشية الصهيونية، دون الإسراع لإنقاذ حياة أكثر من مليوني فلسطيني مهددين
بالإبادة الجماعية والتهجير. وقد تسارعت خطط المؤسسة الصهيونية للظهور على التوالي
بتصريحات أقطاب الحكومة الاسرائيلية من نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وبقية الائتلاف،
وجلها معبر عن مكنونات فاشية وعنصرية، تبيح مواصلة جرائم الإبادة الجماعية ضد
الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس.
فكل الطروحات الإسرائيلية المعلنة والخفية، بخصوص الوجود الفلسطيني وحقه
ومستقبله في أرضه، تناقض بشكل مطلق دعوات الاعتراف بدولة فلسطينية، والعودة لسكة
المفاوضات والتمسك بالسلام كخيار فلسطيني وعربي. كانت التجربة والنتائج لهذا
الخيار مُدمرة بكل المقاييس لعدم الخضوع لمنطق مراجعة الخيارات والسياسات والنظر
للحقائق على الأرض، واليوم الأنظار تتجه نحو وقف إطلاق النار ومحاولة إنقاذ الشعب
الفلسطيني من حرب التجويع التي فرضتها المؤسسة الصهيونية إلى بقية الجرائم هناك.
ولعل هذه الحقائق تتأكد بأجلى مظاهرها في سلوك النظام العربي مع مواقف
دولية من الجرائم، وفي الجوع العربي للتطبيع والذي تظهره بعض الأنظمة العربية في
وجه الضحايا الفلسطينيين بالارتماء مجددا بأحضان الوهم الصهيوني، كتعويض عن حالة
عجزٍ مخزٍ يقايض كفاح الشعب الفلسطيني المرير والشاق بتفضيل الجوع للاستسلام على
التوق للحرية والكرامة والعدالة.
غزة الآن مركز الفعل والانفعال، يريدها أقطاب الحكومة الفاشية في إسرائيل
أن تكون مقبرة لوأد الحق الفلسطيني، وهم يحشرون شظايا القضية الفلسطينية فيما تبقّى
لشعبها على الأرض في الضفة والقدس. وما يجري في غزة من إبادة جماعية ومن فرض حرب
التجويع عليها؛ في منتهى الجدية من حيث الدلالة والنتائج،
معظم الشارع العربي والفلسطيني ينتظر وقف الجرائم في غزة، ويراقب مساعي الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو لتصفية القضية لفلسطينية، ويراقب الأداء الفلسطيني الرسمي الذي يحاول النهوض من شلله في لحظة تاريخية ومفصلية تتطلب الكثير من الفعل لا الانفعال فقط. والفعل يبدأ بسرعة إنجاز قيادة فلسطينية موحدة وحكومة وحدة وطنية بمقدورها الاستجابة لمطالب شعبها بعيدا عن قيعان اليأس من سلام مفقود واستسلام "محقق"؛ بحسب رؤية صهيونية سقط بناؤها
فحالة الانكسار التي
ينتظر الإسرائيلي إيقاعها هناك، لا تترك مجالا أمام الإنسان الفلسطيني والعربي إلا
أن ينفجر في وجه المأساة التي تتقدم لتطيح بحقوقه تحت يافطة مهزلة "السلام"
والتطبيع والدمج، وبقية الشعارات التي سقطت تحت وطأة الدمار والحصار والتهجير والاستيطان
وتهويد القدس، ونتنياهو وحكومته الفاشية الآن يتخبطون في أوحال خيارهم المدمر عبر
تصعيد السلوك واللهجة والمواقف بكل اتجاه.
بكل الأحوال، فهم السياسة الإسرائيلية ومشروعها الاستعماري، ونقيضها
الفلسطيني والعربي ودوره بالتصدي لها، لا يمكن أن يُحصر بالانفعال على حساب تغييب
الفعل لوقف العدوان وإنهاء الاحتلال، ولو أن الانفعال يتراجع على المستوى العربي،
في الوقت الذي ترفض فيه شعوب وسياسات من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا التصرف تحت
القوة والوحشية الاستعمارية، بينما المحك الحقيقي لكل الفعل حُصر عربيا ودوليا
بالعجز المفضوح عن لجم العدوان وإدخال قارورة ماء أو كيس طحين إلى غزة، ولوم
الضحية على مقاومتها.
معظم الشارع العربي والفلسطيني ينتظر وقف الجرائم في غزة، ويراقب مساعي
الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو لتصفية القضية لفلسطينية، ويراقب الأداء
الفلسطيني الرسمي الذي يحاول النهوض من شلله في لحظة تاريخية ومفصلية تتطلب الكثير
من الفعل لا الانفعال فقط. والفعل يبدأ بسرعة إنجاز قيادة فلسطينية موحدة وحكومة
وحدة وطنية بمقدورها الاستجابة لمطالب شعبها بعيدا عن قيعان اليأس من سلام مفقود
واستسلام "محقق"؛ بحسب رؤية صهيونية سقط بناؤها المتهالك ركاما فوق
أصحابها وأصحاب المدافعين عنها والمروجين لسلامها، وهذا ما يدفع لشعب الفلسطيني
لمواجه مباشرة أمام سؤال لا يحتمل التأجيل عن ضرورة البناء الفلسطيني البديل.
twitter.com/nizar_sahli