يتكون الجسم البشري في غالبيته (60%) من الماء (حوالي 42 لترا) موزعة على
نحو فريد، إذ إن ثلثي هذه الكمية في داخل الخلايا والثلث الباقي في خارجها، وهذه
البحيرة المائية معرضة بين الحين والحين لمخاطر عدة أهمها الغزو الخارجي، لذا فقد
خلق الله جهازا كاملا للمناعة يعمل على مدار الساعة لمنع أي محاولة للاختراق والتعامل
معها فور دخولها والتفاعل الإيجابي، ولولا جهاز
المناعة أو ما أسميه
"
المقاومة" بلغة السياسة والحرب؛ سوف يصبح الإنسان عرضة للفناء في وقت
قصير كما الحال مع ظاهرة نقص المناعة المكتسبة والمعروفة اختصارا بالإيدز (AIDS).
لولا المقاومة أو المناعة لأصبح الجسم البشري كلا مباحا للكائنات الدقيقة
من فيروسات وبكتريا وفطريات أو للطفيليات والخلايا السرطانية، ولأي شيء قد يثير
دخوله الجسم تفاعلات سلبية مثل الغبار الذي قد تنشأ عنه "حمى القش" على
سبيل المثال.
وكلما زادت مقاومة الجسم قلت معدلات الإصابة بالأمراض المختلفة، والعكس
صحيح، فكلما قلت المناعة أو المقاومة زادت معدلات الإصابة ومضاعفاتها في فترة
زمنية قصيرة، على أن أخطر ما يصيب
جسم الإنسان هو أن يتحول جزء منه إلى جزء معاد
له، وهذا ما يحدث في مرض السرطان إذ تتحول بعض الخلايا إلى خلايا سرطانية تأكل
المزيد وتنهش مساحات واسعة من جسم الإنسان الذي يصبح جهازه المناعي عاجزا وضعيفا
عن فهم ما يجري وعن كيفية التصدي له؛
أخطر ما يصيب جسم الإنسان هو أن يتحول جزء منه إلى جزء معاد له، وهذا ما يحدث في مرض السرطان إذ تتحول بعض الخلايا إلى خلايا سرطانية تأكل المزيد وتنهش مساحات واسعة من جسم الإنسان الذي يصبح جهازه المناعي عاجزا وضعيفا عن فهم ما يجري وعن كيفية التصدي له؛ لأن الجهاز المناعي تم تكييفه على أنه يقاوم العدو الخارجي أما في حالة السرطان فالعدو داخلي لذا فالمهمة تصبح شبه مستحيلة، لذلك فالاكتفاء بجهاز المناعة وحده ليس كافيا في كثير من الأحيان والأمر يتطلب جهاز بل أجهزة الكشف المبكر
لأن الجهاز المناعي تم تكييفه على أنه يقاوم
العدو الخارجي أما في حالة السرطان فالعدو داخلي لذا فالمهمة تصبح شبه مستحيلة، لذلك
فالاكتفاء بجهاز المناعة وحده ليس كافيا في كثير من الأحيان والأمر يتطلب جهاز بل
أجهزة الكشف المبكر؛ حتى يتم التعامل مبكرا وقبل أن تستفحل الحالة وتقتل خلايا
السرطان بقية خلايا الجسم الحية دون ردة فعل مناسبة لوتيرة المرض.
إذا أردت أن تقوم بعمل مقاربة بين ما يحدث في داخلك من تفاعلات عنوانها
المقاومة أو المناعة؛ مع ما يحدث معك في خارج الجسد وأعني به في الحياة والمجتمع
فالأمر بسيط جدا، ويمكنك النظر في حجم الإغراءات والإغواءات والشر الذي يتربص بك
على مدار اليوم والليلة، وانظر إلى حجم المقاومة أو المناعة (المقاومة) التي تتمتع
بها، وانظر كيف يمكنك أن تتحول إلى شخص ضعيف غير قادر على مواجهة الإغراءات التي
تسقطك من أول نظرة وتحيلك إلى عبد ذليل غير قادر على قول "لا"، أو أن
تصبح قويا عزيزا تواجه بقوة. قد تسقط مرة وتنهض مرات، ولكنك في كل الأحوال تبقى
شخصا قويا تحترم ذاتك كلما نظرت في المرآة كل صباح.
وإذا أردت أن تقوم بعمل مقاربة بين طبيعة عمل المناعة في الجسم وبين عمل
المقاومة في الأمة فالأمر جد بسيط، فكما هو الحال في الجسم فالوضع نفسه يسري على
الأمم والشعوب التي من المفترض أن يكون لديها مقاومة وجهاز مناعي يحول بينها وبين
دخول القوات المعادية، ويقاومها إن دخلت على حين غرة أو غفلة أو بسبب خيانة النظم
نفسها أو بعض "حراس البوابات" والقائمين على الثغور.
حين يكون العدو من خارج الجسم (الوطن) فالأمور تبدو معقولة ويمكن التعامل
معها بطريقة أو بأخرى، وسواء كانت الجيوش مستعدة أم لا فالشعوب يمكنها تحفيز
وتشغيل ودعم جهاز المناعة (المقاومة)، وهذا ما جرى في العديد من البلدان على مر
التاريخ، ولكن المصيبة الكبرى ستظهر حين يكون العدو داخل الوطن إذ يصعب اكتشافه
وحين يتم اكتشافه عادة ما يكون الأمر متأخرا ولا سبيل للمقاومة، إذ نكتشف أن الأمة
تتمزق مع سرعة انتشار السرطان (العدو الداخلي)، وهنا تأتي أهمية الكشف المبكر
والتنبيه على الأمة بأن تعرضها للخيانة من داخلها أمر يمكن حدوثه، فليس هناك أمة
معصومة وليس هناك شعب محصن ضد
الخيانة خصوصا بين أولئك الذين يتبنون خطاب الوطنية
الجوفاء، إذ اكتشفنا أن من يفسدون أو يخونون هم أكثر من يتغنون بالوطنية،
وراجع تاريخ المنطقة خلال النصف قرن الماضية وستكتسف أن الذين باعوا الأوطان وأثْروا
على حساب المواطنين البسطاء هم أصحاب المناصب والخطابات الرنانة في حب الوطن
والوطنية.
مشكلة العالم العربي منذ وصول العساكر المدعومين من الغرب إلى السلطة أن
السرطان استشرى في الجسم العربي؛ وتم تمزيقه عبر اتفاقيات أعدت خصيصا لتناسب طبيعة
الحكام الجدد الذين تنقصهم الخبرة ولا ينقصهم الجشع وشهوة الانتقام من الشعوب، ولا ينقصهم
أيضا الاستعداد لبيع كل شيء والتفريط في كل شيء نظير بقائهم في كرسي الحكم.
"العساكر" الذين يحكموننا اليوم هم سرطان العصر الحديث ولولا
أنهم سرطان ما تخلصت أوروبا والعديد من دول أمريكا اللاتينية من حكم العساكر، فغالبية
هؤلاء العساكر تربوا على موائد الغرب وتم نزع جهاز المناعة من أجسامهم وزرعت
مكانها أجسام مضادة للاستقلال والإرادة الحرة، لذا فهم ينظرون للشعوب باحتقار
وللأمة بازدراء شديدين، ناهيك عن احتكارهم للمعرفة بشؤون الدنيا واطلاعهم على شؤون
الدين.
سر الصمود الهائل في غزة وفلسطين هو أن المقاومة في فلسطين أدركت بعد الحسم في غزة خطورة العدو الداخلي وقامت بانتزاع سرطان التجسس من الجسد المقاوم، فباتت المهمة في المتناول على صعوبتها
المقاومة الحاصلة في فلسطين اليوم واستمراريتها على مدار ما يقرب من خمسة
أشهر هي دليل إدانة لكل من كان يراهن على سقوطها بعد عدة أيام أو أسابيع، وهي دليل
إثبات على صحة ما نقوله، فالجسم الفلسطيني لا يزال حيا أما الجسد العربي فيبدو أن
سرطان حكم العساكر قد أنهكه لدرجة عدم القدرة على التمييز بين الحق في البقاء
والاستسلام للفناء.
أعتقد أن سر الصمود الهائل في
غزة وفلسطين هو أن المقاومة في فلسطين أدركت
بعد الحسم في غزة خطورة العدو الداخلي وقامت بانتزاع سرطان التجسس من الجسد
المقاوم، فباتت المهمة في المتناول على صعوبتها، ولولا تنظيف المجتمع الفلسطيني من
عشرات المئات من الجواسيس لما صمدت المقاومة هذا الصمود الأسطوري طوال هذا الوقت
الطويل في تاريخ حروب العدو على شعبنا وأهلنا في غزة والضفة الغربية.
تحتاج الأمم إلى أن تكون عيونها مفتوحة على مدار الساعة على العدو الداخلي
الذي ينتشر في هدوء وبسرعات فائقة، تماما كما يجب أن تكون منتبهة إلى العدو
الخارجي الذي -في رأيي المتواضع- يمكن للأمة المتعافية من سرطان الداخل (العساكر)
أن تواجهه وتهزمه شر هزيمة والتاريخ خير شاهد.