حدت وكالة "
فيتش" للتصنيف الائتماني من سقف توقعات الحكومة
المصرية ومؤسساتها الإعلامية الجامحة، بشأن الاتفاق الذي أبرمته مع الإمارات العربية المتحدة بقيمة 35 مليار دولار، لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي للبلاد.
من وجهة نظر وكالة "فيتش"، من شأن الصفقة "أن تخفف من ضغوط السيولة الخارجية وتسهل تعديل سعر صرفها، ما يساعد على دفع صفقة صندوق النقد الدولي التي من شأنها أن تفتح الباب أمام تمويل أجنبي إضافي. ومع ذلك، ستظل مصر تواجه تحديات كبيرة على مستوى
الاقتصاد الكلي والمالية العامة، من شأنها أن تقيد الوضع الائتماني للبلاد.
وأعلنت الحكومة المصرية، الجمعة، تسلّمها لـ"5 مليارات دولار جديدة من صفقة مشروع مدينة رأس الحكمة غرب البلاد"، وذلك وفق بيان لمتحدث الحكومة، محمد الحمصاني، غداة إعلان تسلم دفعة بقيمة مماثلة من المشروع الاستثماري الذي تبلغ صفقته 35 مليار دولار، بشراكة مصرية إماراتية.
في غضون شهرين ستحصل مصر على المبلغ المتبقي الذي تم الإعلان عنه، لاستكمال مبلغ 35 مليار دولار كاستثمار مباشر يدخل للدولة من هذه الصفقة، بخلاف نسبة الـ 35 في المئة التي ستحصل عليها الدولة من صافي أرباح المشروع".
وكان مدبولي، قد أعلن في 23 شباط/ فبراير الماضي عن توقيع اتفاقية "أكبر صفقة استثمار مباشر" في تاريخها بقيمة 35 مليار دولار بالشراكة مع الإمارات، من أجل تنمية منطقة رأس الحكمة غرب البلاد، عبر شراكة وليس بيع في إشارة إلى اتهامات للسلطة ببيع جزء من أراضيها.
تعادل التدفقات النقدية البالغة 24 مليار دولار أمريكي حوالي 6.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، بناء على تقديرات وكالة فيتش، بعد خصم 11 مليار دولار أمريكي من الودائع الإماراتية المحتفظ بها في البنك المركزي المصري، التي سيتم إدراجها في الاستثمار.
وستعمل هذه الزيادة، بحسب فيتش، على تحسين موقف التمويل الخارجي الإجمالي لمصر بشكل كبير، حتى في سياق الضغط المتزايد على مركز الحساب الجاري لمصر الناجم عن الحرب المستمرة في غزة، وتعطيل حركة المرور في قناة السويس من قبل قوات الحوثي اليمنية.
وضع صعب للاقتصاد الكلي خلال عامين
وتتوقع فيتش أن يؤدي تعزيز سيولة النقد الأجنبي في مصر إلى تسهيل تعديل سعر الصرف في البلاد. وينبغي له أيضا أن يحد من حجم التعديل والمخاطر المترتبة على تجاوز قيمة العملة. وكان السعر الموازي حوالي 60 جنيها مصريا للدولار الواحد قبل الإعلان عن هذه الصفقة، وكان قد وصل إلى حوالي 70 جنيها مصريا للدولار الواحد في كانون الثاني/ يناير، وقد انخفض الآن إلى ما دون 50 جنيها مصريا للدولار الواحد.
وتشير الوكالة إلى أن تخفيف القيود المفروضة على المعروض من النقد الأجنبي وتحسين أداء سوق الصرف، بما في ذلك غياب سعر الصرف الموازي، من شأنه أن يشكل عاملا إيجابيا واضحا بالنسبة للاقتصاد. ومع ذلك، سيظل وضع الاقتصاد الكلي في مصر صعبا في العامين الماليين 2024 و2025 مع ارتفاع معدلات التضخم وضعف النمو نسبيا.
وستكون التحديات المالية أيضا ضاغطة، إذ وصل الدين الحكومي العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 95% في السنة المالية 2023، ونتوقع أن تتجاوز الفائدة 50% من الإيرادات الحكومية في السنة المالية 2025، وهو مستوى مرتفع للغاية مقارنة بالدول السيادية الأخرى المصنفة من قبل وكالة فيتش.
"تدفقات نقدية لا إصلاحات اقتصادية"
أيد الخبير الاقتصادي، الدكتور إبراهيم نوار، التقرير وقال؛ إن "تقييم فيتش لتأثير صفقة رأس الحكمة، التي ما تزال غامضة من حيث صيغتها القانونية حتى الآن، دقيق إلى حد كبير، من حيث إنه يحصر الفائدة منها في تأثير التدفقات النقدية في الأجل القصير، لكنه يحذر من الإفراط في التفاؤل نظرا للخلل الهيكلي الخطير في بنية الاقتصاد المصري، من حيث انفصال الاقتصاد النقدي عن الاقتصاد الحقيقي، ووجود فجوة هائلة داخل الاقتصاد الحقيقي تفصل بين قدرات جهاز الإنتاج العيني واحتياجات الاستهلاك".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ولذلك، فإن التدفقات النقدية من مشروعي رأس الحكمة على البحر المتوسط، ورأس جميلة على البحر الأحمر (وهو مشروع يجري إعداده في الخفاء كسابقه)، يمكن أن تسهم في سد فجوة الميزان التجاري وتحقيق فائض في الميزان الجاري لفترة محدودة".
واشترط نوار لاستمرار الأثر الإيجابي "ما لم يتم إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أساس سليم لسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وزيادة القدرة على التصدير، فإن الوضع لن يلبث بعد عامين أو أكثر أن يعود إلى ما كان عليه في تكرار مؤلم لتجربة التدفقات النقدية، التي صاحبت قرض الصندوق عام 2016 والتدفقات النقدية التي صاحبت تخفيض قيمة الجنيه عام 2021 ".
"ما يتمناه المسؤولون وما يتمناه المواطنون"
الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أشار إلى ضرورة أن "تواجه مصر التحديات التي تلم بها بطريقة صحيحة وبعيدا عن التضخيم الإعلامي وإفراط تقديرات المسؤولين، وعدم الاعتماد على مشروعات ليس لها مردود اقتصادي على الدولة والناس".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الواقع الاقتصادي لأي بلد يعتمد على الأداء الحقيقي وليس ما يتمناه الآخرون، نحن أمام حقائق تمس حياة الناس في الإنتاج والاستثمار والعمل، وهي التي تعكس مدى قوة أوضاع الاقتصاد".
ورأى الصاوي، أن "تعويل الحكومات على أن تصدر وكالات الائتمان تصنيفا معينا ما، حتى يساعدها على أن تقترض من السوق الدولية أو تنخفض قيمة التمويل، كل هذه الأمور تعتني بها الدول الضعيفة التي تفتقر لمقومات التمويل السليم، وتفتقر لموارد محلية اقتصادية قوية، أو عائد لنشاط اقتصادي في الخارج يدر عليها ما يلزمها من موارد النقد الأجنبي".
وأوضح الباحث الاقتصادي، أن "المواطن المصري معني بالاقتصاد المصري الحقيقي، لا يهمه تصريحات المسؤولين ولا تقييمات وكالات التصنيف الائتماني، يريد أن يطمئن لمعاشه وقيمة المدخرات وأسعار الغذاء وتوفيره بأسعار معقولة، والحصول على وظيفة وفرصة عمل وتوفير السكن وحالة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ووجود آلية للرقابة ومحاربة الفساد، وأن تكون هناك عدالة في توزيع الدخل والثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية، كل ما عدا ذلك كلها أمور تهم الحكومة والمستثمرين المعنيين بالأموال الساخنة".