ألقت الأزمة
الداخلية في هيئة تحرير الشام، المسيطرة على مناطق واسعة من محافظة إدلب وأرياف
حلب واللاذقية وحماة في شمال غربي سوريا، بظلالها على واقع الحياة في المنطقة، بعد
أن عصفت الخلافات الداخلية في صفوف الهيئة، فيما عرف لاحقا بملف العملاء، حيث
انعكست هذه الأزمة على شكل احتجاجات ومظاهرات في الشارع، بعد الكشف عن تعذيب
وممارسات داخل سجون الهيئة.
وبدأت
الاحتجاجات في يوم 27 من شباط/فبراير شباط الماضي، عقب الكشف عن ممارسات التعذيب المنظم
داخل سجون الهيئة، بعد أن أفرج جهاز الأمن العام عن عدد من قادة وعناصر الهيئة،
الذين تم اعتقالهم بتهمة العمالة لجهات أجنبية، وما فاقم الوضع، اعتراف الهيئة
بمقتل قيادي في جيش الأحرار تحت التعذيب، ودفنه في منطقة الشيخ بحر غربي مدينة
إدلب.
وخرج المئات من
سكان مناطق إدلب في منطقة سرمدا بالقرب من الحدود السورية التركية، يرددون شعارات
تطالب بإسقاط قائد الهيئة "أبو الجولاني"، وتبييض السجون التي تتبع
لفصيله وكسر الاحتكار المفروض من جانبه على المشهد الاقتصادي والسياسي والأمني،
كما حملوا لافتات تطالب بالكشف عن المفقودين والمغيبين في سجون الهيئة.
توسع رقعة
الاحتجاجات والجولاني في وجه العاصفة
وما لبثت
المظاهرات أن توسعت حتى وصلت إلى مدينة إدلب المكتظة بالسكان، وبنش إلى الشرق من
مدينة إدلب وحزانو شمالي المحافظة، والأتارب ودارة عزة بريف حلب الغربي، وغيرها من
المدن والبلدات في المنطقة، مطالبة بالإفراج عن المعتقلين والمغيبين في سجون
الهيئة.
ويرى الباحث في
مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي في حديثه لـ"عربي21"، أن الاحتجاجات ذاهبة
بالاتساع بسبب حجم شرائح المشاركين فيها من الناقمين على جهاز الأمن العام أو
الهيئة أو الجولاني نفسه، حيث يشارك فيها نشطاء مدنيون مستقلون وأعضاء من حزب
التحرير، وعناصر من بعض ألوية الهيئة ممن تعرض قادتهم وأقاربهم للانتهاكات وأفراد
من فصائل مناهضة للهيئة.
وأشار عاصي إلى
أن اتساع المظاهرات سيؤثر بطبيعة الحال على الهيئة التي تمر أساسا بأزمة داخلية
إثر قضية عملاء التحالف، لكنها لن تؤدي إلى تفكيك الهيئة أو إسقاط الجولاني، فيما
يتوقع تقليص حجم تدخل جهاز الأمن العام؛ لأنّ الجولاني لا يبدو مستعدا لتقديم
تنازلات تقوض من صلاحيات الجهاز الأمني لصالح الجهاز العسكري، فذلك يضعه تحت ضغوطهم
باستمرار.
من جانبه قال
الناشط السياسي عبد الكريم العمر في حديثه لـ "عربي21"؛ إن مطالب
المحتجين تجاوزت تبيض السجون، وإخراج المعتقلين بدواع أمنية، وظهرت تلك المطالبات
في عدد من المناطق، تجسدت برفع القيود عن السكان من النواحي الاقتصادية، وحرية
التعبير عن الرأي، ورفع يد جهاز الأمن العام عن السكان دون أي معوقات أمنية،
وإلغاء الضرائب والاحتكار لجميع المواد الأساسية؛ نظرا لما تعانيه المنطقة من فقر
وعوز نتيجة سنوات الحرب القاسية التي عاشها السكان.
سياسة الاحتواء
وإصلاحات جديدة
وأمام موجة
الاحتجاجات الشعبية، بدأت هيئة تحرير الشام وذراعها المدني حكومة الإنقاذ بإصدار
سلسلة من القرارات للتخفيف من احتقان الشارع.
فأصدرت حكومة
الإنقاذ قرارا يتضمن عفوا عاما عن الجرائم، وحددت جملة من الشروط والمحددات لمن
يشملهم العفو، وخرج على إثره نحو 420 معتقلا في سجون الهيئة، وبالتزامن مع قرار
العفو خرج قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، مخاطبا سكان المناطق الخاضعة
لسيطرته، في لقاء جمعه بعدد من وجهاء ونخب المناطق الخاضعة لسيطرة الهيئة.
وقال الجولاني فيه؛ إن مهمة بناء المجتمع ليست مهمة فردية أو تتعلق بفئة من الناس بل هي مهمة جماعية،
والواجب على أي سلطة الاستماع إلى مطالب الناس وتنفيذ المحقة منها.
وأضاف:
"الكثير من الناس يطالب بحالة مثالية في "المحرر" المناطق الخارجة
عن سيطرة النظام، وهذا طموح جيد ونشجعه، إلا أننا يجب أن ننظر إلى الواقع
بموضوعية، ولهذا نجلس معكم كممثلين عن شرائح عديدة في المجتمع لسماع المطالب، وفق
ما نقلت وزارة الإعلام التابعة لحكومة الإنقاذ.
ويقول الباحث
عبد الوهاب عاصي؛ إن الجولاني بدأ فعليا عددا من
الإجراءات مثل توجيه وزارة العدل في حكومة الإنقاذ لإصدار عفو عام، وإطلاق سراح
أبي ماريا القحطاني وتغيير مسؤولين في جهاز الأمن العام، وإعطاء منح مالية
للمتضررين من أزمة عملاء التحالف، والاجتماع مع الوجهاء والنشطاء والعسكر وغير ذلك.
لجنة قضائية
لمتابعة ملف العملاء
وكانت هيئة
تحرير الشام قد شكلت لجنة قضائية كلفتها قيادة الهيئة، بمتابعة ارتدادات
"قضية العمالة" داخل الفصيل، مؤلفة من 3 أشخاص، هم القاضي "أبو
عزام الجزراوي"، والقاضي "أبو عبد الله طعوم"، ورئيس المحكمة
العسكرية أبو الهيثم.
وقالت اللجنة في
بيانها الأول: "نظرا لما مرت به الساحة الشامية في النازلة الأخيرة
"قضية العمالة"، وبعد اتضاح براءة من السجن بهذه التهمة، ولما ترتب على
هذا الحدث من أضرار وقعت على المعتقلين وضرورة رد اعتبارهم، سارعت القيادة إلى رفع
هذه المظالم بتشكيل لجنة قضائية لمحاسبة المسؤولين عن هذا الحدث، والتعويض عن
الأضرار الحاصلة.
وأشار البيان
إلى أن اللجنة القضائية باشرت عملها باتخاذ عدة إجراءات أهمها، سماع الدعاوى
المقدمة من المتضررين، واعتقال من ثبت عليه التعدي والتجاوز، وتشكيل لجنة تحقيق
لمعرفة حجم الخلل وأسبابه، ولجنة طبية لتقييم الحالات، ولجنة مالية للنظر في حجم
الخسائر المادية التي وقعت على المتضررين.
ووفق البيان،
استكملت اللجنة القضائية السماع لدعاوى 155 شخصا، لتنتقل إلى مرحلة تحرير
الادعاءات وتحديد المسؤولين عن الضرر ودرجة مسؤولية كل شخص توجهت إليه الدعوى،
متعهدة "ببذل الجهد المطلوب منها شرعا للوصول إلى الحق والحكم به، وإنصاف
المظلومين بهذه القضية".
هل يستثمر
منافسو الهيئة هذا الحراك؟
وأمام هذا
الحراك الشعبي الممتد والمتسع، تتواصل الدعوات للتظاهر والاحتجاجات ضد ممارسات
الهيئة وتسلطها على المنطقة الخاضعة لسيطرتها وهيمنتها، حيث يعلن بشكل مستمر ناشطون
عن تظاهرات لتأكيد مطالب المحتجين.
ويرى الناشط
السياسي عبد الكريم العمر أن مسببات هذا الحراك الشعبي هي الضغوطات التي تعرض لها
السكان خلال السنوات الماضية، ولا يمكن لمنافسي الهيئة كالحكومة السورية المؤقتة
وفصائل الجيش الوطني، التي تسيطر على مناطق ريف حلب الشمالي أن تستثمر في هذا
الحراك الذي لا يوجد له أي محرك أو تبعية، سوى أن حالة الغضب بدأت تتوسع مع زيادة
الضغوطات التي تمارسها الهيئة بحق السكان.
ماذا يعني إعلان روسيا "استحالة" التطبيع بين تركيا والنظام السوري
احتجاجات السويداء السورية مستمرة.. ومصادر توضح الأسباب لـ"عربي21"