يحل شهر
رمضان على السوريين في ظل تحديات اقتصادية غير مسبوقة، يفرضها الغلاء واستمرار تدهور قيمة
الليرة السورية، يفاقمها هذا العام انخفاض حجم المساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
وتواجه الشريحة الواسعة من السوريين ضغوطات كبيرة، ناجمة عن ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في الأسواق، وسط انخفاض القدرة الشرائية، بفعل عدم تناسب معدل الإنفاق مع مستويات الدخل التي لا تتجاوز 300 ألف ليرة سورية (الدولار عند 14 ألف ليرة).
وتقدر مصادر اقتصادية محلية تكلفة وجبة إفطار بما لا يقل عن 120 ألف ليرة سورية، ما يجعل العائلات دائمة البحث عن وجبات رخيصة، تتناسب مع مستوى الدخل.
وبحسب مرصد "قاسيون" الاقتصادي، فإن الحد الأدنى الرسمي للأجور في
سوريا البالغ 278,910 ليرات سورية، لا يغطي سوى 6.1 في المئة من تكلفة إفطار العائلة المكونة من 5 أشخاص على مدار شهر رمضان.
وقارن المرصد بين أسعار بعض السلع الأساسية في رمضان الماضي، وفي الوقت الحالي، مبيناً أن سعر كيلو البطاطا ارتفع من 2,500 ليرة إلى 8,000، والبندورة من 2,500 إلى 8,000، والكوسا من 4,500 إلى 14,000، والبرغل من 8,000 إلى 10,000، والأرز المصري من 8,500 إلى 17,000، والبصل من 6,000 إلى 8,500، والتمر (نوع متوسط) من 22,000 إلى 45,000، والفروج الحي من 18,000 إلى 40,000، وصحن البيض من 23,000 إلى 40,000، ولحم العجل من 59,000 إلى 170,000، ولحم الغنم من 80,000 إلى 250,000.
ويؤكد جمال أحد باعة الخضار في مدينة حلب لـ"عربي21" أن حركة الشراء أقل من الحد الأدنى، ويقول: "الله يكون بعون الناس، رمضان على الأبواب، والأسعار نار"، ويضيف أن "الأسواق لا تبدو عليها بهجة رمضان بسبب الغلاء، وزيادة الفقر".
وليس من المبالغة في شيء القول إن "رمضان هذا العام هو الأصعب على السوريين"، كما يرى المنسق الطبي والإغاثي في الشمال السوري الدكتور مأمون سيد عيسى.
ويلفت في حديثه لـ"عربي21" إلى تخفيض برنامج الأغذية العالمي محتويات السلة الغذائية المقدمة للنازحين السوريين، مبيناً أن "النصف الأول من عام 2023 كان هناك 2 مليون شخص يحصلون على المساعدات الغذائية شهريا في شمال غرب سوريا، لكن منذ شهر تموز/ يوليو 2023 انخفض هذا العدد الشهري إلى ما يزيد عن مليون شخص، حسب كتلة الأمن الغذائي وسبل العيش".
ويتابع سيد عيسى بالإشارة إلى إعلان برنامج الأغذية العالمي في أواخر 2023، عن انتهاء مساعداته الغذائية العامة في سوريا في كانون الثاني/يناير 2024 بسبب نقص التمويل، حيث توقف توزيع ما يقارب 250 ألف سلة كانت توزع شهريا خاصة في منطقة المخيمات.
من جانب آخر، يشير إلى ارتفاع نسبة الفقر ومعدلات البطالة بين السكان في المنطقة، ويقول: "الظروف السابقة سوف تنعكس حكماً على نوعية ومستوى المعيشة وعلى الأوضاع الصحية للسوريين، ويأتي رمضان هذا العام في ظل الظروف السابقة ليجد السوريون أنفسهم بمواجهة ظروف يصعب التعايش معها".
أما الخبير الاقتصادي سمير الطويل فيقول لـ"عربي21" إن الظروف الاقتصادية الصعبة غيرت عادات غالبية السوريين في شهر رمضان، فلم تعد الموائد المعروفة حاضرة وتحديداً
اللحوم، وخاصة في هذا الشهر الذي يأتي على وقع مختلف نتيجة التضخم.
ويؤكد أن اللحوم ارتفعت بما يتجاوز 5 أضعاف مقارنة برمضان الماضي، مضيفاً: "لذلك ستغيب اللحوم عن موائد رمضان في سوريا، والمؤكد أن العائلات تحاول الاقتصاد في كل شيء، وخاصة المأكولات الرمضانية مثل المعروك والمشروبات الرمضانية، بحيث ينصرف اهتمام الأهالي إلى الأساسيات".
وفي محاولة "عديمة الأثر" أعلنت "السورية للتجارة" التابعة للنظام عن تجهيز سلتين غذائيتين لشهر رمضان، إحداهما بقيمة تبلغ 195 ألف ليرة، والأخرى بقيمة 125 ألف ليرة، ما يعادل نصف راتب شهر.
واللافت أن مواد السلة لا تكفي العائلة إلا ليومين، حيث تحتوي على كيلو سكر وكيلو أرز وكيلو سمن وكيلو تمر وكيلو عدس وعلبة حلاوة أو مربيات، وعبوة شاي ظروف.