تحدث الكاتب الصحفي البريطاني ديفيد
هيرست، عن سر التعاطف الكبير من إيرلندا مع قطاع
غزة، الذي يتعرض أهله لمجاعة حقيقية، بفعل الحصار الإسرائيلي
الخانق، تزامنا مع المجازر المستمرة ضد العائلات الفلسطينية.
وتطرق هيرست في مقال له بموقع "
ميدل إيست آي" إلى العلاقة بين
فلسطين وإيرلندا ونضالهما، وأثر
المجاعة في البلدين، مشيرا إلى تذكير رئيس وزراء
جمهورية إيرلندا ليو فاردكار الرئيس الأمريكي جو بايدن، لأوجه التطابق بين ما يحدث
الآن تحت سمعه وبصره، والمجاعة التي ضربت إيرلندا في القرن التاسع عشر.
ولفت المقال إلى أنه في أثناء حديث فاردكار بمناسبة يوم القديس باتريك داخل
البيت الأبيض، قال: "السيد الرئيس، كما تعلم؛ إن الشعب الإيرلندي منزعج جدا بسبب النكبة التي تجري أمام أعيننا في غزة. عندما أسافر حول العالم، عادة ما
يسألني الزعماء لماذا يتعاطف الشعب الإيرلندي بهذا الشكل مع الشعب الفلسطيني،
والإجابة على ذلك بسيطة؛ إننا نرى تاريخنا في عيونهم. إنها حكاية التهجير، وانتزاع
الممتلكات، والتشكيك في الهوية الوطنية أو إنكارها تماما، والهجرة القسرية،
والتمييز، والآن التجويع".
في خطاب وقعت عليه مجموعة من مؤرخي المجاعة الكبرى، ناشد الموقعون
"ضمير أمريكا الإيرلندية" حيث قالوا في خطابهم؛ "إننا نطالب
الأمريكيين الإيرلنديين بوصفهم مواطنين، وبوصفهم أعضاء في مجتمعات ثقافية ومحسنة،
كزعماء سياسيين، أن يستخدموا نفوذهم من أجل تجنب مجاعة شديدة كتلك التي واجهها
أسلافهم".
كما جاء في الخطاب: "في سبيل تحقيق ذلك، إنه لمن الضرورة أن تتوقف
الولايات المتحدة عن تسليح إسرائيل، وأن تمارس الضغط على إسرائيل من أجل وقف العمل
العسكري ورفع الحصار عن قطاع غزة، وأن تتوقف عن استخدام الفيتو (حق النقض) في مجلس
الأمن الدولي بشأن فلسطين، وأن تستأنف تمويل الأونروا، الوكالة التي تعد الأفضل
تجهيزا واستعدادا لتقديم المساعدات، وأن تقوم بدور الوسيط النزيه من أجل تحقيق
تسوية سلمية بين إسرائيل وفلسطين".
ولكن ثمة رسالة أشد قوة من وراء المقارنة بين المجاعتين. فكما يعلم بايدن
جيدا من تاريخه هو – كونه سليل من نجوا من المجاعة الكبرى – لم يتمكن القمع
البريطاني من إطفاء جذوة التمرد، بل زادها اشتعالا.
كانت المجاعة الكبرى هي التي أسست لجذور النضال من أجل الاستقلال، حرفيا،
في تلك الأجزاء التي كانت الأكثر تضررا داخل إيرلندا. لقد كانت سكيبرين، في أقصى
الطرف الغربي لمنطقة غرب كورك، واحدة من أكثر المناطق تضررا بالمجاعة ما بين 1845
و1852. ومن تلك المنطقة خرج ثلاثة من زعماء انتفاضة عيد الفصح في عام 1916: مايكل
كولنز، توم باري، وجريمايا أودونفان روسا.
بحلول عام 1916 لم يبق على قيد الحياة سوى قلة قليلة من الناس الذين عاشوا
المجاعة، ولكن ذلك لم يكن مهما كثيرا؛ لأن ذرياتهم لم تنس.
والشيء نفسه ينطبق على القضية الوطنية الفلسطينية اليوم، حيث أوقد التجويع
الجماعي في غزة شعلة النضال من أجل دولة فلسطينية، ومن أجل إنهاء الاحتلال
الإسرائيلي. إن تداعيات ما يجري الآن أمام أعيننا يبلغ من القوة ما يكفي لتغذية
المقاومة والتطلع نحو النصر لعدة أجيال قادمة.
ولكن آلة نتنياهو اليوم الآزمة، لا يخطر ببالها التوقف عن المحاولة، بل في
الواقع هي في بداياتها.