أثار تحول الحكومة
المصرية نحو تصفية الشركة العامة لصناعة الورق "راكتا" أو ما تسمى بقلعة صناعة الورق، التي تأسست عام 1958، بعد نحو عامين من الإعلان عن تطويرها وتحديثها، تساؤلات، بشأن التخلي عن خطط التطوير والتحديث.
وقرّرت الجمعية العامة غير العادية للشركة العامة لصناعة الورق "راكتا" الواقعة بمدينة الإسكندرية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط على مساحة 97 فدانًا ، حل الشركة وتصفيتها، والتي عُقدت، قبل يومين، بمقر الشركة القابضة للصناعات الكيماوية.
يأتي
قرار التصفية على خلفية خسائر الشركة التي وصلت إلى 385.2 مليون جنيه (الدولار نحو 47 جنيها)، مقارنة بخسائر 46.98 مليون جنيه خسائر خلال نفس الفترة، من العام المالي الماضي.
أرجعت الشركة في بيان لها ارتفاع الخسائر إلى خروج بعض العاملين إلى المعاش المبكر، بتكلفة 315.8 مليون جنيه، حيث تم اقتراض قيمة المعاش المبكر من الشركة القابضة للصناعات الكيماوية (التابعة لقطاع الأعمال) بفوائد.
وبلغت خسائر الشركة المرحلة 967.33 مليون جنيه (نحو 20.5 مليون دولار) بنهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بينما حققت الشركة إيرادات بقيمة 591 ألف جنيه فقط خلال أول 4 أشهر من العام المالي الجاري.
وكانت الشركة التي تأسست قبل 66 عاما كشركة مساهمة مصرية عام 1958 وتم إدراج أسهمها في البورصة المصرية عام 1994 تقوم باستخدام قش الأرز لإنتاج لب الورق ثم القيام بتصنيع ورق الكتابة والطباعة من المخلفات الزراعية، وكذلك إنتاج الكرتون العادي والكرتون متعدد الطبقات "الدوبلكس".
من التطوير إلى التصفية
في آذار/ مارس عام 2022 أصدرت وزارة قطاع الأعمال العام بيانا، بشأن استعراض خطة تطوير "راكتا" للورق بتكلفة تتجاوز 200 مليون دولار، حيث تم استعراض دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتطوير شركة راكتا التي أعدها المكتب الاستشاري الهندي C2C .
تتضمن خطة التطوير شراء خط إنتاج (ورق التغليف) بطاقة 500 طن/ يوم يعمل كبديل لخطي الإنتاج (1، 2)، وشراء ماكينة جديدة لإنتاج 220 طن/ يوم من كرتون دوبلكس مغطى (ورق مقوى)، وخط الإنتاج لب مبيض/ غير مبيض بطاقة 250 طن / يوم من خامة جريد النخيل ونواتج تقليم الأشجار.
كما سيتم إنتاج ورق تغليف عالي الجودة (دوبلكس) يستخدم في تصنيع علب تعبئة من الكرتون لمنتجات الفاكهة والخضروات والمخطوطات الكتابية، بالإضافة إلى ورق تغليف عالي الجودة يستخدم في صناعة صناديق كرتونية للأجهزة الكهربائية ومنتجات الأطعمة.
الاستيراد بديلا للصناعة المحلية
بحسب مواقع محلية، تستورد مصر ورق بقيمة 1.5 مليار دولار سنويًا؛ ما يجعل إنتاجها لا يكفي سوى 30 في المئة، من الاستهلاك المحلي، لافتة إلى أن الشركات المصرية تُواجه تنافسًا شديدًا بسبب الأوراق المستوردة بمبالغ مخفضة.
وكشف تقرير سابق لصحيفة "الأهرام" الحكومية، أن "صناعة الورق في مصر تتعرض لأزمة تدفعها للخروج من السوق المحلي، ويرى المصنعون أن هناك مخططا متكاملا الأركان لمحاربتهم ودفعهم لإغلاق المصانع، مشيرا إلى أنه لا يوجد في مصر سوى أربعة مصانع لتصنيع الورق الأبيض، تنتج نحو 225 ألف طن ورق سنويا لسوق يستهلك نحو 400 ألف طن ورق سنويا".
وكشف مدير عام شركة إدفو للب ورق الكتابة والطباعة، عمرو عتريس، حينها أن المصانع توقفت بسبب امتناع العملاء بالسوق المصري ومنهم وزارة التربية والتعليم والهيئات الحكومية الأخرى عن شراء الورق وتشترط أن يكون الورق مستورد حيث تستورد مصر 60 في المئة من احتياجاتها من الورق.
ما علاقة الأرض بالتصفية لصالح مستثمرين عرب؟
ربط مراقبون ومتابعون تصفية الشركة بموقع الشركة الواقعة على نحو 97 فدانا (338 ألف متر مربع) وبجوار شركة أبوقير للأسمدة والتي تم بيع حصص منها للسعودية والإمارات، والتي قامت بدورها بشراء أرض مصنع راكتا لإنشاء مصنع جديد.
في آذار/ مارس 2022، كشف رئيس مجلس إدارة شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، الكيميائى سعد أبوالمعاطي، أن الشركة تعتزم إنشاء مصنع جديد للأسمدة على أرض شركة "راكتا"، باستثمارات مبدئية تُقدر بنحو 1.2 مليار دولار.
خلال الفترة ذاتها استحوذت السعودية والإمارات على نسبة 41.3 في المئة من شركة أبوقير للأسمدة المجاورة لشركة راكتا، وتنقسم بين نسبة 19.8 في المئة لصندوق الاستثمارات السعودي، بنسبة 21.5 في المئة للصندوق السيادي الإماراتي.
كارثة تصفية الأصول بدون بديل
انتقد الاقتصادي المصري، عبد الخالق فاروق، "بيع أي أصل من أصول الدولة دون بناء أصل بديل، هو خسارة للاقتصاد الوطني وخسارة للصمود في مواجهة أي تحديات، السياسة العامة للمجموعة التي تحكم وتدير الاقتصاد منذ تسعينات القرن الماضي هي تصفية أي أصل من الأصول يمتلك محفظة أراضي كبيرة بغض النظر عن قيمتها الإنتاجية وتكررت في عشرات الشركات".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "أن عدد الشركات الحكومية تقلصت من نحو أكثر من 300 شركة إلى أقل من 80 شركة، والمثير في الأمر أن المستثمرين المتحفزين للشراء هم أقرب لسماسرة أراضي وعقارات منهم إلى منتجين ومصنعين، وهؤلاء السماسرة من الخليج وتحديدا من الإمارات التي يستحوذون على أكبر عدد من الأصول، ثم يعيدون بيعها لآخرين حيث تقوم بدور وظيفي مشترك لجهات أخرى كما حدث في العديد من الشركات، مثل شركة "بيسكو" مصر أحد أبرز الشركات الصناعات الغذائية".
أما بخصوص فتح الباب لاستيراد على حساب الإنتاج المحلي، أكد فاروق أن "بيع الأصول والشركات بشكل عام يترك فراغات بالسوق المحلي في تلك القطاعات، وغيابها من السوق يعني أن يترك المستوردين من رجال المال والأعمال واللواءات وشركائهم الاستفراد بالسوق والاستيراد من الخارج على حساب المنتج المحلي وبالتالي زيادة فاتورة الاستيراد، كما حدث مع محصول القمح تم تدميره لصالح 10 أشخاص من رجال الأعمال والمحسوبين على النظام والاعتماد على الاستيراد".
غياب الشفافية
فنّد الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، غياب الشفافية، بالقول: "النقطة الأساسية أنه لا توجد شفافية، بمعنى أن المعلومات غير متاحة فيما يتعلق بمثل هذه الشركات ومصيرها".
وأردف: "لكن بوجه عام يجب أن ننتبه إلى أن مثل هذه الشركة الواقعة في مدينة الإسكندرية تمتلك مساحة كبيرة من الأراضي في مناطق مهمة، ومن خلال تجارب سابقة تم تصفية شركات تابعة لقطاع الأعمال للاستفادة من أراضيها الشاسعة كما في شركة الحديد والصلب وشركة النحاس المصرية، وكان محور البيع هو الأرض".
مضيفا لـ"عربي21": "افتقاد المعلومات الكافية عن وضع الشركات المالية يجعل من الصعب الحكم على مدى صواب أو خطأ قرار البيع والتصفية أو الخصخصة، إلا أنه في العموم تفيد التجارب الغربية التي سبقتنا مثل التجربة الألمانية بعد الوحدة بين الشرق والغرب كان الحل إسنادها للقطاع الخاص، بدولار واحد، لأنها مُحمّلة بتراث من الديون والمشاكل ولكن كان هناك تعهد بالاستمرار في العمل وتطويره والحفاظ على العمالة والمساهمة في التصنيع والإنتاج".
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بالقول: "بالتالي فإن استمرار شركة راكتا أو تطويرها في ظل وجود فجوة في الإنتاج واللجوء للاستيراد لتغطية الاحتياجات كان ينبغي أن يكون له الأولوية".