نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحفية، أونا مولالي، كاتبة العمود في صحيفة آيرش تايمز، تناولت فيه موقف
بايدن من
العدوان على
غزة وكيف أثر ذلك على صورته في العالم ككل وليس داخل الولايات المتحدة فقط.
وقالت مولالي: "إنه إذا كان هناك شيء واحد يعرفه الشعب الإيرلندي عن الرئيس بايدن، فهو أنه واحد منا. يقول ذلك طوال الوقت. ويتذكر أن جده كان يقول (إن أفضل قطرة دم فيك هي الإيرلندية)".
وأضافت: "لقد اعتاد على الاقتباس من الشاعر شيموس هيني ولا يضيع فرصة تذكر أصوله أبدا. ومن الواضح أن اسمه الرمزي للخدمة السرية هو سلتيك".
لذلك، عندما زار إيرلندا العام الماضي، بدا الأمر وكأنه عودة إلى الوطن.
وأعلن رئيس البرلمان قبل أن يخاطب بايدن المشرعين الإيرلنديين: "أنت اليوم بين الأصدقاء لأنك واحد منا".
وتابعت: "وإن كانت الرحلة قد أخذت طابع أمريكي إيرلندي ثري يبحث عن جذوره، وهذا أمر متكرر في السياحة الإيرلندية، فقد عززت أيضا العلاقة بينه وبين البلاد عندما أشار بايدن إلى فريق الرغبي الإيرلندي الذي هزم بلاك آند تانس - قوة الشرطة الوحشية سيئة السمعة في عشرينيات القرن الماضي – بدلا من فريق أول بلاكس، وهو الاسم الذي يُعرف به فريق الرغبي النيوزيلندي، أصبحت الزلة بمثابة ميم لطيفة على الفور".
وبحلول نهاية الرحلة، كان الأمر رسميا: بايدن يحب إيرلندا، وإيرلندا تحب بايدن.
واستدركت مولالي: "لكن تشرين الأول/ أكتوبر الماضي غير كل شيء فبعد هجمات حماس، روع القصف الإسرائيلي لغزة الإيرلنديين".
وكان يُنظر إلى بايدن، باعتباره زعيم الحليف الأقرب لإسرائيل والمورد العسكري الرئيسي، على أنه هو الذي يسمح بالدمار، وقد أدى هذا التواطؤ إلى الإضرار بسمعته وعلاقته بالشعب الإيرلندي، وربما بشكل لا يمكن إصلاحه فإن وطن أجداده لم يعد يحبه.
وتتمتع إيرلندا بروابط طويلة وعاطفية مع الفلسطينيين، وهو أمر أصبح العالم أكثر وعيا به بشكل مطرد في الأشهر الأخيرة.
ومن جانبها، تدين الحكومة الإيرلندية بشكل لا لبس فيه هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر وتدعو مرارا وتكرارا إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وفق الكاتبة.
وأكدت مولالي: "لكنها -الحكومة- تحث أيضا على ضبط النفس في الرد الإسرائيلي، والقيام بتدخلات متعددة على مستوى الاتحاد الأوروبي والدعوة باستمرار إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي للمذبحة. فإيرلندا تعرف كل شيء عن وقف إطلاق النار وبناء السلام".
وفي هذا الصدد، تعتبر إيرلندا دولة شاذة في أوروبا.
وفي استطلاع للرأي أجري في كانون الثاني/ يناير، قال 71 بالمئة من المشاركين في إيرلندا إنهم يعتقدون أن الفلسطينيين يعيشون في ظل نظام فصل عنصري إسرائيلي.
وفي استطلاع آخر أجري في شباط/ فبراير، قال 79 بالمئة إنهم يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. وعلى النقيض من ذلك، قال ما لا يزيد على الـ27 بالمئة من الناس في سبع دول في أوروبا الغربية إنهم يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين.
هنا في أول مستعمرة بريطانية - وهو الوضع الذي تم التخلص منه من خلال حرب الاستقلال - فإن التعاطف مع الفلسطينيين متجذر بعمق، ويولد من تجربة تاريخية مشتركة، بحسب الكاتبة.
تقول مولالي، إن هذا الشعور أدى إلى ظهور موجة غير عادية من التحركات المؤيدة للفلسطينيين في إيرلندا منذ بدء الحرب.
وأضافت، أن مجموعة الاحتجاجات – التي لا تعد ولا تحصى من الحفلات الموسيقية وجمع التبرعات والمظاهرات التي تطالب بوقف إطلاق النار وإنهاء قصف غزة – تتجاوز بكثير أي قلق هامشي.
وبينت أن الاحتجاجات في إيرلندا كبيرة ومنتشرة في جميع أنحاء البلاد، مع تنوع المشاركين في العمر والطبقة والعرق والانتماء السياسي حيث إنها تجمع النقابيين ولاعبي كرة القدم والصحفيين والمواطنين العاديين صغارا وكبارا والسياسيين والعاملين في مجال الرعاية الصحية ومجتمع المثليين وغيرهم الكثير إنها ظاهرة وطنية حقا.
وفي جميع أنحاء العالم، تتشابه الهتافات في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى حد كبير لكن خلال فصل الشتاء، انتشرت ترنيمة محددة في الشوارع الإيرلندية. وعلى الرغم من أن عيد القديس باتريك كان على بعد أشهر، إلا أن المتظاهرين كانوا يتطلعون إلى الاجتماع السنوي في واشنطن بين رئيس الوزراء الإيرلندي والرئيس الأمريكي.
رفي المكتب البيضاوي في 17 آذار/ مارس من كل عام، يقدم الزعيم الإيرلندي للرئيس الأمريكي وعاء من نبات النفل.
وكانت الترنيمة، التي نبهت لهذا التقليد، بسيطة للغاية: "لا نباتات النفل لجو [بايدن] الإبادة الجماعية".
وأكدت مولالي: "لقد انتشرت هذه الفكرة، وأصبحت المحور المسموع للاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في أكبر المظاهرات يوم السبت في وسط مدينة دبلن".
وقد تم تحويلها مع تعديل طفيف إلى لوحة جدارية في بلفاست، المدينة التي رفعت فيها الأعلام الفلسطينية منذ فترة طويلة في المجتمعات القومية -مناطق الكاثوليك- وتم رشها بالدهان على طول مسارات الترام في دبلن وسيطرت على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث قام الناس برسم نبات النفل الأسود على راحة أيديهم.
وتضافرت هذه الاضطرابات حول مطالبة رئيس الوزراء ليو فارادكار بمقاطعة زيارة البيت الأبيض هذا العام.
وإلى جانب هذا الطلب، أصبح بايدن محط غضب إيرلندي، وفي الاحتجاجات، تعرض للتوبيخ من قبل شخصيات عامة، ليس أقلها برناديت ديفلين مكاليسكي، بطلة حركة الحقوق المدنية في الستينيات في شمال إيرلندا.
وفي الصحافة، اصطف المعلقون لإصدار الأحكام على الرئيس الأمريكي، بما في ذلك الروائية الشهيرة سالي روني، التي وصفت الهجوم على غزة بأنه "حرب بايدن".
وكانت الانتقادات في بعض الأحيان حميمية؛ وفي مقاطعة لاوث، حيث ولد الجد الأكبر للرئيس بايدن، جيمس فينيغان، تجمعت مجموعة من الأشخاص في مقبرة لانتقاد الرئيس لخيانته جذوره.
وفي حين أن نصف الناخبين الإيرلنديين لا يزالون يفضلون فوز بايدن بإعادة انتخابه على دونالد ترامب، فإن ما يقرب من الثلث يرغبون في عدم فوز أي من الرجلين بالرئاسة.
ووقع 20 ألف شخص على رسالة مفتوحة يلغي فيها "الدعم الرمزي" لحملته الانتخابية لعام 2024.
وبالنظر إلى أن 80 بالمئة من الشعب الإيرلندي دعموا بايدن في عام 2020، وكان فوزه موضع ترحيب على نطاق واسع، فإن هذا يمثل انخفاضا مذهلا في احترام ابننا المهاجر.
ومع تزايد الدعوات لمقاطعة اجتماع البيت الأبيض وعرض نبات النفل، فقد أصبحت انتقادات فارادكار للحرب في غزة أكثر قوة.
وتحدث عن "الأمل" الذي يمكن أن يجلبه وقف إطلاق النار و"الإيمان بإنسانيتنا المشتركة" لكنه لن يفوّت الرحلة أبدا، فالعلاقات القوية مع الولايات المتحدة تشكل أهمية مركزية بالنسبة للسياسة الاقتصادية والخارجية الإيرلندية.
ومع ذلك، فإن توقعات الشعب الإيرلندي من الزيارة، التي أتاحت فرصة لإقناع السيد بايدن بآرائهم، كانت عالية.
وبذل فارادكار قصارى جهده لنقل الرسالة، فقال: "سيدي الرئيس، كما تعلمون، فإن الشعب الإيرلندي منزعج للغاية بشأن الكارثة التي تتكشف أمام أعيننا في غزة..
ويسألني القادة في كثير من الأحيان عن سبب تعاطف الإيرلنديين الكبير مع الشعب الفلسطيني. الجواب بسيط: نحن نرى تاريخنا في عيونهم".
ووفق الكاتبة فقد تبين أن هذا الخطاب المثير كان أحد أعماله الأخيرة في منصبه. وأعلن فارادكار، الذي أنهكته وظيفته، استقالته الأسبوع الماضي. ومن المؤكد أن القرار الذي جاء قبل عام من الانتخابات المقبلة كان مفاجأة لكنه لم يفعل الكثير لتهدئة مزاج التحدي في إيرلندا.
وعادة ما يستشهد بايدن بكتاب [الشاعر الإيرلندي شيماس] هيني"العلاج في طروادة".
وتقول القصيدة: "التاريخ يقول لا تأمل/ على هذا الجانب من القبر/ ولكن بعد ذلك، مرة واحدة في العمر/ يمكن لموجة المد التي طال انتظارها/ للعدالة أن تنهض/ ويتناغم الأمل والتاريخ".
وختمت، بأنه "بينما يتطلع الشعب الإيرلندي عبر المحيط الأطلسي إلى حفيد إيرلندا، فإن الكثيرين ينتظرون وصول هذه القافية".