نشرت
صحيفة "
الغارديان" مقالا للصحفيين جوليان بورغر من واشنطن، وتوبي هيلم ولورينزو توندو وكيكي كيرزينباوم من القدس، قالوا فيه إنه عندما جلس المبعوث
الإسرائيلي إلى
الأمم المتحدة، جلعاد إردان، أمام
مجلس الأمن للتنديد بقرار وقف
إطلاق النار الذي تم إقراره، بدا وكأنه شخصية أكثر عزلة من أي وقت مضى في القاعة.
ورفضت الولايات المتحدة، التي تعد الدرع الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة حتى هذه
اللحظة، استخدام حق النقض.
وكان
قرار وقف إطلاق النار بمثابة خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة - حتى يوم الاثنين- حتى إنها جعلته مشروطا بالإفراج عن الرهائن، ولكن بعد ما يقرب من ستة أشهر من
القصف المستمر، ومقتل أكثر من 32 ألف شخص في
غزة والمجاعة الوشيكة، سُمح لهذه
الخطوط الحمر بالتلاشي.
وكانت
الرسالة واضحة: إدارة بايدن لم تعد مستعدة للسماح لمصداقية الولايات المتحدة على
المسرح العالمي بالزوال من خلال الدفاع عن الحكومة "الإسرائيلية".
وقال
المبعوث الفلسطيني رياض منصور لمجلس الأمن، مذكرا بالذين لقوا حتفهم في الوقت الذي
استغرقه أعضاؤه للتغلب على خلافاتهم: "يجب أن تكون هذه نقطة تحول".
وفي
الأيام القليلة التالية، كانت هناك دلائل أخرى على أن الغرب كان يغير موقفه، على الأقل
من حيث خطابه. وأعلنت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، يوم الثلاثاء، أن
برلين سترسل وفدا لتذكير إسرائيل بوضوح بالتزاماتها بموجب اتفاقيات جنيف، وحذرت
إسرائيل من المضي قدما في الهجوم المخطط له على مدينة رفح.
وفي
هذه الأثناء، في المملكة المتحدة، كان وزير الخارجية ديفيد كاميرون يزيد من
انتقاداته بينما كان في الوقت نفسه حريصا للغاية على تجنب الأسئلة حول ما إذا كانت
وزارة الخارجية تصدق الآن أن حكومة بنيامين نتنياهو تنتهك القانون الإنساني
الدولي. وقد أدت محاولة تحقيق هذا التوازن إلى خلق توترات حقيقية وواضحة بشكل
متزايد داخل الحكومة البريطانية، وحزب المحافظين.
إلا
أن هذا التحول الواضح في المواقف الدولية لم يغير شيئا حتى الآن بالنسبة لـ 2.3
مليون شخص محاصرين في غزة. ولم يتوقف القصف والقنص. ربما يقوم الساسة بإعادة ضبط
حساباتهم، ولكن ليس بالسرعة الكافية بالنسبة لمن هم على خط النار.
وفي
الـ 48 ساعة التي أعقبت تمرير قرار وقف إطلاق النار، قُتل 157 شخصا في غزة. ولقي
18 منهم، بينهم تسعة أطفال وخمس نساء على الأقل، حتفهم عندما تم قصف منزل مليء
بالنازحين في شمال رفح. وغرق 12 شخصا أثناء محاولتهم الوصول إلى الطرود الغذائية
التي أسقطتها الطائرات في البحر.
وارتفع
عدد الشاحنات التي تعبر إلى غزة بشكل طفيف إلى نحو 190 شاحنة في اليوم ـ أي أقل من
نصف العدد الإجمالي اليومي في وقت السلم. وذكرت شبكة إن بي سي نيوز نقلا عن مسؤول
مساعدات مصري أن المفتشين الإسرائيليين ما زالوا يعيدون ما بين 20 إلى 25 شاحنة كل
يوم، لأسباب تعسفية مثل عدم كون المنصات الخشبية التي تحمل الطعام بالأبعاد
الصحيحة تماما. ومنعت إسرائيل الأونروا، وكالة الإغاثة الرئيسية التابعة للأمم
المتحدة في المنطقة، من استخدام المعبر. وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية
لوكالة رويترز يوم الجمعة إن المجاعة انتشرت بالفعل في بعض أجزاء غزة مكررا استنتاجا
مماثلا أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي الأسبوع الماضي.
وبعد
أربعة أيام من صدور قرار مجلس الأمن، نشرت صحيفة واشنطن بوست أنباء عن المزيد من
شحنات الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك 1800 قنبلة من طراز MK84 تزن 2000 رطل ـ
وهي ذخائر ضخمة استخدمت في العديد من الأحداث التي أسفرت عن إصابات جماعية على مدى
حرب غزة.
وعلى
الرغم من تصويت الأمم المتحدة قبل أيام قليلة، فقد أوضحت إدارة بايدن لحلفائها أن
التهديد بوقف إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل كوسيلة ضغط هو أمر غير مطروح، على الأقل
في الوقت الحالي. وقال الرئيس في مناسبة لجمع التبرعات يوم الخميس: "لا
يمكنكم أن تنسوا أن إسرائيل في وضع حيث إن وجودها ذاته على المحك".
وفي
المملكة المتحدة، هناك شعور متزايد بأن القضايا القانونية، والمسائل ذات الصلة
بمبيعات الأسلحة، لا يمكن تجنبها، أو التهرب منها، لفترة أطول.
وكما
ذكرت صحيفة "الغارديان" في نهاية هذا الأسبوع، قالت رئيسة لجنة الشؤون
الخارجية لحزب المحافظين، أليسيا كيرنز - الموظفة السابقة في وزارة الخارجية
ووزارة الدفاع - في حفل لجمع التبرعات لحزب المحافظين في شمال لندن في 13 آذار/
مارس إن وزارة كاميرون حصلت على مشورة قانونية مفادها أن إسرائيل انتهكت القانون
الإنساني الدولي، لكنها اختارت عدم نشرها على الملأ.
ومن
شأن هذا الادعاء أن يثير القلق في لندن وواشنطن، لأنه يضرب في قلب واحدة من أكثر
القضايا حساسية في الدبلوماسية الدولية.
في
كانون الثاني/ يناير، أثناء مثوله أمام لجنة كيرنز، تهرب كاميرون من الأسئلة حول
مسألة ما إذا كان قد اطلع على مثل هذه المشورة القانونية، قائلا: "لا أستطيع
أن أتذكر كل قطعة من الورق وُضعت أمامي... لا أريد الإجابة عن هذا السؤال.".
وحتى
في ذلك الوقت، وفي جلسة الاستماع نفسها - وقبل أن يصبح صوته عاليا كما هو الآن -
اعترف بأنه كان "قلقا" من أن إسرائيل ربما تكون قد انتهكت القانون.
ليس
من الصعب أن نفهم السبب وراء غموض وزارة الخارجية وكاميرون. إن وجود مثل هذه
المشورة، وأي اعتراف علني بها، من شأنه أن يثير سلسلة من المتطلبات على الوزراء،
ليس أقلها واجب وقف جميع مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل.
وفي
الواقع، حتى لو أشارت المشورة القانونية إلى وجود "خطر" في قيام إسرائيل
بانتهاك المعاهدة، فسيتعين عليها وقف الصادرات. ويقول البعض إن المملكة المتحدة
ستضطر إلى التوقف عن تبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة لأن
الولايات المتحدة قد تقوم بتسليمها إلى إسرائيل.
وفي
رسالة حديثة إلى كاميرون، ركز وزير خارجية الظل، ديفيد لامي، على نفس النقطة
المتعلقة بصادرات الأسلحة، في إشارة إلى المعيار 2ج من معايير ترخيص الصادرات الاستراتيجية
في المملكة المتحدة، والذي يتطلب من الحكومة "عدم منح ترخيص إذا قررت أن هناك
خطرا واضحا من إمكانية استخدام هذه المواد لارتكاب أو تسهيل انتهاك خطير للقانون
الإنساني الدولي".
ويخشى
العديد من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين أن يكون كاميرون على وشك إعلان حظر على
بيع الأسلحة لإسرائيل. وفي اجتماع للجنة 1922 للنواب المحافظين يوم الاثنين، نفى
وزير الخارجية أنه كان يفكر في أي شيء من هذا القبيل، على الرغم من أن مسؤولي
وزارة الخارجية يقولون إن الأمر لا يمكن أن يكون مستبعدا إذا نفذت إسرائيل تهديدها
بمهاجمة رفح.
وكما
هو الحال في الولايات المتحدة، ربما تتحول لهجة المملكة المتحدة إلى نغمة أكثر
انتقادا لإسرائيل. ولكن خلق الحيز السياسي لمضاهاة ذلك بالانفتاح بشأن المشورة
القانونية المقدمة، ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة، سوف يكون أمرا أكثر صعوبة.
ومن
جانبها، تعرضت إسرائيل لانتقادات شديدة، لكنها لا تزال بعيدة كل البعد عن كونها
منبوذة.. ويواصل نتنياهو ومجلس الوزراء الحربي إصراره على أن إسرائيل ستمضي قدما في
هجومها على رفح.. متجاهلا التحذيرات الأمريكية.
ومن
المقرر أن يصل وزيران إسرائيليان إلى واشنطن لمناقشة الهجوم المخطط له في الأسبوع
المقبل، في زيارة ألغاها نتنياهو في البداية احتجاجا على امتناع إدارة بايدن عن
التصويت في مجلس الأمن.
ويقول
المسؤولون الأمريكيون إنهم سيستخدمون الاجتماعات لتقديم مخطط بديل لمكافحة حماس في
رفح، مع التركيز على الغارات الدقيقة على كبار الشخصيات في حماس، لكنهم يعترفون
بأنه ليس لديهم أي وسيلة لإجبار زوارهم على أخذ الاقتراحات على محمل الجد.
وفي
تحد واضح آخر لوجهات نظر واشنطن، يقوم الجيش الإسرائيلي بإقامة منطقة عازلة حول
حدود غزة والتي ستغطي 16% من القطاع الساحلي بأكمله، وفقا لصحيفة هآرتس.
لقد
أثبت الرأي العام الإسرائيلي حتى الآن أنه منيع إلى حد كبير أمام الضغوط الأمريكية
وغيرها من الضغوط الدولية، وتتراوح نسبة التأييد للحرب في غزة حاليا حول 80%.
والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لآمال واشنطن في احتواء الصراع هو أن أكثر من
70% من الدعم الشعبي الإسرائيلي لعملية عسكرية واسعة النطاق ضد حزب الله في لبنان
ــ وهو الأمر الذي تمكنت واشنطن حتى الآن من إحباطه.
وكان
غياب الردع في توبيخات المجتمع الدولي سببا في تعزيز شعور التحالف الإسرائيلي
الحالي بالحصانة من الرأي العام العالمي، إلا أن ظهور مجاعة واسعة النطاق، أو الهجوم
على رفح، قد يؤدي إلى ردود فعل أكثر حدة من قِبَل أصدقاء إسرائيل وخصومها.
وكما
هي الحال في المملكة المتحدة، فإن التوتر في الولايات المتحدة يتصاعد حول مسألة
القانون الدولي. في الأسبوع الماضي، استقالت مسؤولة في مجال حقوق الإنسان بوزارة
الخارجية، قائلة إن الحكومة تنتهك التشريعات المحلية التي تحظر المساعدة العسكرية
لأي وحدات جيش أجنبي متورطة في الفظائع، أو إلى أي دولة تعيق "نقل أو إيصال
المساعدات الإنسانية الأمريكية".
وقالت
المسؤولة، أنيل شيلاين، إن وزارة الخارجية لديها أدلة على حدوث انتهاكات، لكن يتم
التكتم عليها. وقالت شيلاين: "أعتقد أن بعض هذه العمليات الداخلية لن تصبح
علنية حتى يرغب البيت الأبيض في الكشف عنها".
وقالت
وزارة الخارجية الأسبوع الماضي إن عملية المراجعة التي تجريها لم تقدم حتى الآن أي
سبب للشك في أن الضمانات الإسرائيلية الرسمية بأنها تلتزم بالقانون الإنساني
الدولي، كما هو مطلوب بموجب القانون الأمريكي، "ذات مصداقية وموثوقة".
ولكن من غير المقرر صدور تقرير كامل عن هذه الضمانات قبل 8 أيار/ مايو، الأمر الذي
قد يصبح نقطة ضغط على إسرائيل إذا لم يتم تحقيق تقدم في توفير الإغاثة الغذائية
لغزة.
وقال
آرون ديفيد ميلر، المفاوض السابق في وزارة الخارجية ويعمل الآن في مؤسسة كارنيغي
للسلام الدولي: "هذا هو ما يجب أن تبحث عنه". لكن ميلر أضاف:
"سأشعر بالذهول إذا أصدرت الإدارة حكما بأن الإسرائيليين لم يلتزموا".
ولكن
التحول المحتمل الآخر الذي يخلف عواقب طويلة الأمد على مستقبل إسرائيل يتلخص في
المواقف المتغيرة للشباب الأمريكيين، الذين تخلى العديد منهم عن ردود أفعال آبائهم
المؤيدة لإسرائيل، وجعلوا من غزة قضية تتعلق بالأصوات الاحتجاجية في الانتخابات
التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب
مؤخرا أن 63% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما لا يوافقون على
العمل العسكري الإسرائيلي، كما فعل 55% من المشاركين في الاستطلاع.
وقال راي أبيلا، الناشط اليهودي الأمريكي التقدمي: "إننا نشهد لحظة غير مسبوقة من
الوعي الجماعي حول الاحتلال المستمر وظروف الفصل العنصري في إسرائيل وفلسطين. لم
يسبق لي أن رأيت هذا المستوى من الناس يخرجون باستمرار إلى الشوارع. لسنوات، كان
بإمكانك القول: 'يمكنك أن تكون تقدميا إلا في ما يتعلق بفلسطين'. ولا يمكننا أن
نقول ذلك بعد الآن"، مضيفا أن "المؤشرات واضحة أكثر من أي وقت مضى".