عادت رياح الأسعار تهب مجددا في
مصر بعد التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، على استئناف برنامج حزمة الإنقاذ وزيادته إلى 8 مليارات بدلا من 3 مليارات دولار، في أعقاب تحرير سعر صرف الجنيه ورفع الفائدة، ذهبت معها جميع الأسعار القديمة أدراج الرياح.
انعكست تلك الإجراءات النقدية المؤلمة على أجواء استعدادات المصريين في الشراء وصنع كحك
العيد والبسكويت لعيد الفطر، كما أدت إلى زيادة الأسعار بسبب زيادة التكلفة بعد خفض قيمة الجنيه من 30 جنيها إلى حوالي 48 جنيها، وزيادة الدولار الجمركي إلى ذات السعر.
كما لجأت الحكومة المصرية إلى إجراءات
اقتصادية أخرى خلال الأيام القليلة الماضية، أدت إلى رفع الأسعار مجددا مثل زيادة أسعار جميع أنواع المشتقات البترولية وخاصة السولار المحرك الأساسي للاقتصاد وعمليات النقل والمواصلات.
أسعار غير مسبوقة وهدوء بالأسواق
وكشف عدد من المصنعين والتجار في تصريحات لـ "عربي21" أن "أسعار هذا العام قياسية مقارنة بأي عام مضى، ولم يسبق لها مثيل، فما كان يمكن شراؤه قبل عدة أعوام بمبلغ ما لا يمكن شراؤه إلا بأضعاف هذا المبلغ خمس مرات على الأقل؛ بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الجنيه".
وخلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان تراجع الإقبال على المخابز والمحلات والسلاسل التجارية لشراء (الكحك والبسكويت والبيتي فور والغريبة والسابليه والشوكولاتة) بشكل واضح مع ارتفاع الأسعار في ظل موجة غلاء طالت جميع ملابس ولعب الأطفال.
دفع ارتفاع سعر كحك العيد العديد من الشركات إلى التركيز على البيع بالقطعة، حيث تتكون أصغر علبة من 16 قطعة، ثم الأكبر حجما من 32 قطعة وهو ما يعادل نحو نصف كيلوغرام، وقد أدت هذه الأزمة إلى تغير سلوك الشراء لدى شريحة كبيرة من المواطنين حيث باتوا يشترون بكميات قليلة.
مع تراجع حركة البيع والشراء في الأسواق إلى قيام عدد كبير من البنوك وشركات المواد الغذائية والمتاجر إلى توفير كحك العيد والبسكويت لعيد الفطر بالتقسيط وبدون فوائد، حتى 12 شهرا، لحث المواطنين على الشراء وبيع منتجاتهم المرتبطة بأيام العيد فقط.
من 30% إلى 100% الزيادة الجديدة
وبشأن أسعار هذا العام، قال المشرف بإحدى المحلات التجارية التي تنتج كحك العيد، محمد مجدي، إن "الزيادة في الأسعار مختلفة، ولكنها تبدأ من 30% إلى 100% بحسب أنواع الكحك والبسكويت والجودة والشركة المنتجة، وهي زيادة كبيرة على المواطنين الذين يعانون أصلا من الغلاء".
وأبدى في حديثه لـ"عربي21" قلقه من تراجع الإقبال: "نحن نعاني من عزوف الناس عن الشراء بالكميات المعتادة، هناك سؤال كثير وشراء قليل، الجميع أصبح يحسبها قبل أن يتخذ قرارا بالشراء، والبعض الآخر يحرص على شراء كميات قليلة جدا لأنه لا يمكن قطع مثل تلك العادات".
مضيفا أن "سعر كيلو الكحك سادة بالسمن البلدي لا يقل عن 220 جنيها، والبسكويت حوالي 160 جنيها، والغريبة السادة 280 جنيها، والبيتي فور نحو 300 جنيه للأصناف الممتازة وليست الشعبية التي تقل عن هذه الأسعار بنحو 30% فقط.
وتعد عادة شراء الكحك والبسكويت وصنعه في المنازل هي أكثر مظاهر الاحتفاء بعيد الفطر في مصر، وتحرص الأسر المصرية على هذه العادات والتقاليد التراثية والتاريخية، وكانوا يتهادون الكحك والبسكويت فيما بينهم، حيث كانوا يصنعونه بكميات كبيرة، فقد كانت بعض الأسر تصنع ما لا يقل عن 20 كيلو من جميع الأصناف والأنواع، وهذا الوزن اليوم يعادل ثروة مالية.
وتقوم الحكومة بتوفير الكحك والبسكويت في منافذ الجيش والشرطة ووزارة التموين بأسعار مخفضة بنحو 20%، ولكنها تظل أعلى من أسعار العام الماضي بأكثر من 30%، كما أنها بحسب بعض المواطنين، أقل جودة من مثيلاتها بالخارج.
بدائل الشراء من المحلات
وعن آراء المواطنين في هذه الأسعار تقول المهندسة ولاء والتي تعمل بإحدى شركات الاتصالات: "البعض أصبح يحاول الآن العودة إلى الماضي وصنع كحك وبسكويت العيد في المنزل، وتسويته في الأفران الخارجية من خلال الفيديوهات المنتشرة من مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح لدى البعض حافز على فعل ذلك".
وأضافت في حديثها لـ"عربي21" ضاحكة: "لكن فشل التجربة سيكون مكلفا جدا وسيولد صدمة نفسية كبيرة خاصة أن مقادير الكحك والبسكويت أصبحت باهظة الثمن، وبالتالي فالأمر لا يحتمل التجربة، وكما يقول المثل ’شراء العيد أفضل من تربيته’، لكن صديقات حاولن وفشلن".
وأثار المركز القومي للبحوث في مصر سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أعلن معهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية التابع له عن طرح كحك العيد ومنتجاته من بسكويت وحلويات العيد بأسعار مميزة، وذلك في إطار سعيه لتطبيق مخرجاته البحثية وتقديمها للمجتمع.
وأوضح المشرف على المشروع، في تصريحات صحفية، أن معهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية يقدم منتجات العيد بجودة عالية، حيث يتم تصنيعه من مواد خام مختارة بعناية فائقة، مع استخدام السمن البلدي، ما يمنحه طعمًا فريدًا لا مثيل له.
ارتفاع أسعار المواد الخام
يقول صاحب أحد المخابز المتخصصة في إنتاج المخبوزات والكحك والبسكويت محمد فتيحي، لـ"عربي21": "توقعنا تراجع الإقبال بسبب تعويم الجنيه، وارتفاع الأسعار، وأنتجنا كميات أقل ولكن بنفس الجودة، والمتسوقون اشتروا أيضا بكميات أقل هذا العام، لم تعد حركة البيع والشراء كما كان في الماضي عندما كانت الأسعار منخفضة".
وأرجع زيادة الأسعار إلى: "ارتفاع كل مدخلات الإنتاج في صناعة الكحك والبسكويت سواء الدقيق الذي ارتفع من 13 و15 جنيها إلى 30 جنيها، والسمن البلدي، والمكسرات التي ارتفعت أسعارها بنسبة 100% وأكثر، حيث يتراوح سعر الكيلو بين 300 و500 جنيه، بالإضافة إلى تحريك سعر الوقود والنقل وإضافته على تكلفة المنتج، وهناك سبب آخر هو ضرائب القيمة المضافة".