ضجت مواقع التواصل الاجتماعي التركية، الثلاثاء، بردود الفعل على قرار أنقرة تقييد تصدير 54 منتجا إلى دولة
الاحتلال الإسرائيلي، والتي تضمنت وقودا للطائرات ومعادن ومواد للبناء، وذلك بعد تصاعد السخط الشعبي خلال الأيام الأخيرة بسبب تواصل التجارة مع "إسرائيل"، التي انعكست على الانتخابات المحلية.
واعتبر ناشطون وسياسيون أتراك أن قائمة المواد المقيدة التي نشرتها وزارة التجارة التركية صباح الثلاثاء، تثبت صحة الاتهامات بتصدير مواد تدعم الاحتلال الإسرائيلي، والتي دأبت الحكومة على إنكارها منذ بدء العدوان على قطاع
غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وشدد آخرون على أن الإجراءات التركية، التي أتت بعد 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية الدموية ضد الشعب
الفلسطيني، ليست كافية مقارنة بحجم العدوان على غزة، مطالبين بتعزيز الموقف الرسمي بمزيد من الإجراءات، منها إغلاق المجال الجوي أمام طائرات الاحتلال، والموانئ أمام السفن المتوجهة إلى "إسرائيل".
وفي تعليقه على قرار التقييد، قال حزب "الرفاه من جديد" بزعامة فاتح أربكان، نجل رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، إن هذه "الخطوة لا تكفي، ويجب أخذ خطوات أخرى إلى الأمام"، مطالبا الحكومة التركية بإغلاق رادار الإنذار المبكر "كوريجيك" في ولاية ملاطيا جنوب شرق البلاد.
وشدد الحزب المحافظ على أن حملته الانتخابية ركزت في الانتخابات المحلية الأسبوع الماضي على ضرورة وقف التجارة مع الاحتلال الإسرائيلي، على أن أربكان تحدث سابقا عن الموقف الذي اتخذته الحكومة مرات عديدة، إلا أن الأخيرة أنكرت ذلك، معتبرا أن نشر قائمة المواد المقيدة بمثابة "اعتراف".
من جهته، شدد رئيس الوزراء التركي الأسبق، وزعيم حزب "المستقبل" المعارض، أحمد داود أوغلو، على أن التقييد ليس كافيا، مطالبا بإيقاف التجارة المستمرة مع الاحتلال بشكل كامل وفوري.
وقال داود أوغلو في تدوينة عبر منصة "إكس": "بما أنكم كنتم تملكون القدرة على إيقاف العديد من الشحنات، وبما أنه كان من غير الوارد أن تذهب هذه المواد إلى فلسطين؛ فلماذا لم تقطعوا الخط الناقل لمواد الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ 7 أشهر؟".
وأضاف أن "54 بندا فقط من العقوبات ليست كافية، أوقفوا التجارة المستمرة مع إسرائيل بشكل كامل وفوري"، مشددا على ضرورة "إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المتجهة إلى الاحتلال ومنع السفن من الدول الأخرى من التجارة مع ’إسرائيل’ عبر الموانئ التركية وقطع كافة خطوط النقل".
بدوره، قال النائب في البرلمان التركي عن حزب "هدى بار"، سيركان راملي، "في حال لم يكن الأمر (تقييد الصادرات) كذلك لأن الصهاينة لم يعودوا بحاجة إلى هذه السلع أو أن المخزون الموجود في
تركيا قد استنفد، فإن أمرا تقييديا محدودا، حتى بعد 6 أشهر، أفضل من لا شيء".
وأضاف في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، على ضرورة "التوقف التام عن التجارة مع عصابة الاحتلال".
وفي السياق ذاته، قال الناشط التركي مصطفى دوان في معرض تعليقه على الجدل المثار عقب القرار التركي: "في البداية قلنا أوقفوا التجارة مع إسرائيل ثم قالت (الحكومة) إن القطاع الخاص، وليس الدولة، هو الذي يتاجر مع إسرائيل. ولا تستطيع الدولة حظر التجارة".
وأكد أن "قرار الحكومة المتأخر بتقييد الصادرات إلى إسرائيل صحيح، وضروري، ولكنه غير كاف"، مشيرا إلى أنه "سيقف إلى جانب الحكومة ويدعم أي خطة عمل ملموسة من شأنها أن تضرب إسرائيل".
وتطرق دوان إلى رد وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس على القرار التركي، مشددا على أن المسؤول الإسرائيلي لن يتمكن من "إخضاع تركيا".
وكان كاتس قال في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس" إن تركيا "انتهكت من جانب واحد" الاتفاقيات التجارية بقرارها تقييد صادرات إلى "إسرائيل"، معتبرا أن الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان "يضحي مرة أخرى بالمصالح الاقتصادية للشعب التركي من أجل دعم حماس".
وتعهد وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي بالرد بالمثل على أنقرة، مشيرا إلى أن "إسرائيل ستتخذ إجراءات موازية ضد تركيا من شأنها الإضرار بالاقتصاد التركي".
وزعم كاتس أنه "قام بالاتصال بالدول والمنظمات في الولايات المتحدة من أجل وقف الاستثمارات في تركيا ومنع استيراد المنتجات منها"، مضيفا أنه "طالب واشنطن بفرض عقوبات على تركيا بناء على ذلك".
وكان وزير الخارجية التركية هاكان فيدان استبق الإجراءات التي أعلنت عنها وزارة التجارة، في مؤتمر صحفي عقده مساء الاثنين في العاصمة أنقرة، موضحا أسباب التصعيد التركي تجاه "إسرائيل".
وقال فيدان إن أنقرة تعتزم اتخاذ سلسلة تدابير جديدة ضد الاحتلال، على خلفية عرقلته مساعي بلاده لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأوضح المسؤول التركي أن "إسرائيل رفضت طلبا قدمته تركيا للانضمام إلى جهود إسقاط المساعدات الإنسانية جوا للفلسطينيين في غزة"، مشددا على أن "أنقرة سترد على إسرائيل بإجراءات جديدة" دون ذكر فحوى تلك الإجراءات، غير أنه أشار إلى أن المؤسسات التركية المعنية ستعلن في وقت لاحق التفاصيل.
"جاء بعد ثمن باهظ"
شهد الشارع التركي خلال الأيام الأخيرة تصعيدا واسعا في الحراك الرافض لمواصلة التجارة مع الاحتلال الإسرائيلي في ظل العدوان المتواصل على قطاع غزة للشهر السابع على التوالي، وذلك بعد تداول تقارير تشير إلى تصدير مواد متفجرة وبارود إلى "إسرائيل"، وهو ما نفته الجهات الرسمية بشكل قطعي.
وتزايدت حدة المطالبات بوقف التجارة بعد فض السلطات الأمنية مظاهرة في شارع الاستقلال بالشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول، طالبت بقطع العلاقات التجارية مع "إسرائيل" بشكل كامل، واعتقالها العشرات من المتظاهرين قبل أن يتم الإفراج عنهم بشكل كامل لاحقا.
وألقت الحرب الدموية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة بظلالها على الانتخابات المحلية التركية منذ إطلاق الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية وإلى غاية فرز صناديق الاقتراع في 31 آذار/ مارس الماضي، التي أسفرت عن خسارة غير مسبوقة لحزب "العدالة والتنمية" بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان الحاكم أمام المعارضة.
وأقر أردوغان خلال اجتماع مع أعضاء حزبه في جلسة تقييمية لنتائج الانتخابات المحلية، الأسبوع الماضي، بأن أداء حكومته تجاه الأوضاع في قطاع غزة لم يُرض أطيافا من المجتمع التركي، قائلا: "سنقوم بتقييم أدائنا تجاه أزمة غزة والذي لم ننجح للأسف أن نقنع به أطيافا عدة".
في هذا السياق، قال الناشط التركي فورقان بولوك باشه: "لقد جرى توجيه انتقادات شديدة لعدة أشهر بسبب قضية التجارة مع ’إسرائيل’، وتم دفع ثمن سياسي باهظ في الانتخابات المحلية".
وأضاف في تدوينة عبر منصة "إكس" بعد قرار وزارة التجارة: "هذا يعني أنه كان من الممكن تقييد التجارة، لذلك أتساءل حقا لماذا لم نفعل ذلك حتى الآن؟".
من جهته، رجح الصحفي التركي متين جهان، الذي يتابع ملف الصادرات إلى الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة، أن "قرار تقييد التجارة وليس قطعها بالكامل جاء في إطار الخوف من الاحتجاجات المتوقعة في جميع أنحاء البلاد عقب صلاة العيد"، بحسب قوله.
وشدد في منشور عبر منصات التواصل الاجتماعي، على أن السلطات في النهاية "اعترفت بالتجارة الدموية" مع الاحتلال عبر هذا القرار.