نشرت صحيفة "
الغارديان" مقالا للصحفية شذى الإسلام، شددت فيه على فشل
الاتحاد الأوروبي في محاسبة
الاحتلال على انتهاكات القانون الدولي في
غزة، ما أدى إلى إحداث فجوة واسعة في ادعاءاته بأنه مدافع قائم على القيم عن القواعد الدولية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأضافت في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن الاتهامات بالكيل بمكيالين جاءت بقوة وبسرعة من حكومات الجنوب العالمي ضد الاتحاد الأوروبي، حيث قارن كثيرون بين إدانة
أوروبا القاطعة للغزو الروسي لأوكرانيا وإحجامها عن انتقاد الدمار الذي تلحقه إسرائيل بغزة.
ونقلت عن محلل شؤون الشرق الأوسط عمرو علي، قوله مؤخرا: "نادرا ما سيستمع أي شخص في الجنوب العالمي قريبا عندما يصر السياسيون الغربيون على القانون الدولي". وهذا هو النوع من الملاحظة التي تثير قلقا مبررا في بروكسل.
وقالت الصحفية؛ إنه مع ذلك، وعلى الرغم من كل الانتقادات الموجهة إلى "التفويض المطلق" الذي تم تقديمه لإسرائيل في أثناء ردها على حماس في أعقاب 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فإنها لا تجد صعوبة في الاعتقاد بأن العديد من الحكومات في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط ستواصل التعامل مع الاتحاد الأوروبي، وشراء سلعها وأسلحتها، أو مثل مصر وتونس، الحصول على أموال الاتحاد الأوروبي مقابل فرض ضوابط أكثر صرامة على المهاجرين.
ولكن ما ينبغي أن يكون أكثر إثارة للقلق بالنسبة لبروكسل، برأي الكاتبة، فهو أن سياستها في غزة قد أضرت بشدة بمصداقيتها بين الناشطين المؤيدين للديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه البلدان؛ الأشخاص الذين يقول الاتحاد الأوروبي؛ إنه يعدّهم محركات التغيير، ويقاتلون على الخطوط الأمامية من أجل المساواة والعدالة، وفقا للمقال.
وقالت شذى الإسلام؛ إنه لسنوات عديدة، عمل الاتحاد الأوروبي على إطلاق مجموعة من المبادرات و"حوارات المجتمع المدني" في العالم العربي وخارجه. الهدف هو كسب قلوب وعقول الطلاب والنقابيين والأكاديميين والسياسيين الشباب، ورجال الأعمال وقادة حقوق المرأة وممثلي الأقليات العرقية.
ونبهت إلى أنه في المقابل، سعى "صناع التغيير" هؤلاء، الذين غالبا ما يواجهون حكومات قمعية في الداخل، إلى الحصول على الإلهام والدعم والتمويل من الاتحاد الأوروبي. وأشارت إلى أنه بعد مشاركتها في لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني هؤلاء، تستطيع أن تؤكد قيمتهم في خلق الروابط وإقامة الروابط والتغلب على المفاهيم الخاطئة.
وأشارت إلى تركيز الاتحاد الأوروبي على الديمقراطية وحقوق الإنسان في تفاعلاته الخارجية، يعني أنه يتمتع بسمعة طيبة في تقديم قيم أكثر إثارة للإعجاب من القوى الأخرى. ومع ذلك، وفقا لمركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية -وهو ما أكده أصدقاؤها العرب والأفارقة والآسيويين-، فإن رد فعله [الاتحاد الأوروبي] تجاه غزة يمزق احتياطياته الضخمة من القوة الناعمة.
واستشهدت بما قالته ياسمين العكرمي، الباحثة التونسية في شؤون الشرق الأوسط: "لقد قدم الاتحاد الأوروبي نفسه دائما كقوة معيارية، تهتم بشكل أساسي بدعم القانون الدولي ويربط جميع مساعداته التنموية للجنوب العالمي، بمعايير مثل الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين".
وقالت كاتبة المقال، لكن حسن النية الذي تولد عن مثل هذه التدخلات المبدئية قد اختفى تقريبا. فلا عجب أن يستغرق الأمر ما يقرب من ستة أشهر من زعماء الاتحاد الأوروبي ومقتل نحو 30 ألف فلسطيني، بما في ذلك الأطفال، للدعوة، ليس حتى إلى وقف فوري لإطلاق النار، بل إلى "هدنة إنسانية" تؤدي إلى وقف إطلاق النار.
وأضافت أن العكرمي أخبرتها أن كلمات الأغنية العربية الشهيرة تلك قضية، التي أصدرتها فرقة الروك المصرية كايروكي، تشير كلماتها إلى النفاق الغربي وأصبحت "ترنيمة لجيلنا".
وذكرت الكاتبة أن الأغنية "أغنية عربية شعبية تلك قضية، أصدرتها فرقة الروك المصرية كايروكي، تحتوي على كلمات تشير إلى النفاق الغربي، وأصبحت 'نوعا من الترنيمة لجيلنا"'.
كما أشار المقال إلى أنه بحسب استطلاع للرأي أجري في 16 دولة عربية، فإن 75 بالمئة من العرب ينظرون إلى المواقف الفرنسية والألمانية بشأن غزة على أنها "سيئة أو سيئة للغاية". ومع تزايد خيبة الأمل تجاه الغرب، يتم تسليط الضوء على المعايير المزدوجة لأوروبا على وسائل التواصل الاجتماعي العربية، من خلال الميمات ومقاطع الفيديو والرسوم المتحركة.
وقالت كاتبة المقال: "بعد أن قمت بإعداد تقارير عن السياسة الخارجية والتجارية والتنمية في الاتحاد الأوروبي لما يقرب من أربعة عقود من الزمن، أعلم أن التوفيق بين الخطابة النبيلة والواقع الصعب كان دائما أمرا صعبا. النفاق جزء من اللعبة الدبلوماسية. لقد كنت في كثير من الأحيان في الغرفة، بينما كان صناع القرار في الاتحاد الأوروبي يوجهون الاتهامات للحكومات في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط بسبب انتهاك حقوق الإنسان، ثم شاهدتهم وهم يوقعون اتفاقيات تجارية واستثمارية بملايين اليورو مع قادة تلك الدول نفسها، غالبا ما يكون غضب الاتحاد الأوروبي انتقائيا. ولكن هناك أمثلة أيضا - على سبيل المثال في انتقادها لروسيا وميانمار والصين وباكستان-، حيث كان الاتحاد الأوروبي على الجانب الصحيح من التاريخ".
ثم نبهت بأن هذا يجعل الفشل الجماعي في إدانة وحشية إسرائيل غير المنضبطة في غزة أكثر فظاعة، حيث يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، ولكن لم يكن هناك أي استجابة لمطالب جماعات حقوق الإنسان بتعليق الاتفاقية التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، على الرغم من أنها تحتوي على بند يسمح بمثل هذا الإجراء.
وأشارت كاتبة المقال إلى استمرار دول الاتحاد الأوروبي في بيع الأسلحة إلى حكومة نتنياهو، حتى بعد أن دمرت غارات القصف العسكرية عائلات ومجتمعات ومستشفيات وجامعات بأكملها، وقتلت العاملين في المجال الإنساني الذين كانوا يقدمون المساعدات الغذائية الطارئة لمنع المجاعة.
كما شددت في مقالها على أن جمود الاتحاد الأوروبي يجعل مهزلة من خطة العمل التي اعتمدها قبل أربع سنوات، والتي تَعِد بأن احترام كرامة الإنسان وحقوق الإنسان سوف يشكل الأساس لكل جوانب سياساته. كما أنها لا ترقى إلى مستوى الالتزام الذي قطعه منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وكان بوريل قد رفض بشكل قاطع فكرة أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتوقف عن التدخل في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم. وقال؛ إن حقوق الإنسان "في كل مكان" هي شأن أوروبا؛ لأنها عالمية وهي شأن الجميع.
وأشارت إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا، قامت بتصحيح مسارها. ويقال؛ إن ألمانيا الحليف الأوروبي الأقوى لإسرائيل، تشعر بعدم الارتياح إزاء الكارثة الإنسانية في غزة. ولكن مثل هذه التعبيرات الوطنية عن الانزعاج تعمل على تسليط الضوء بشكل أكبر على الفشل الجماعي للاتحاد الأوروبي. وهي تبرز التناقض بين الغضب الغربي إزاء مقتل عمال الإغاثة الأجانب والاستجابة الصامتة لمعاناة الفلسطينيين. وهي لا تفعل الكثير لمحو الانطباع العام بأن حقوق الإنسان وحياة الإسرائيليين، بالنسبة لأوروبا، أكثر أهمية من حياة الفلسطينيين.
وقالت الصحفية في مقالها؛ إن البعض قد يتجاهل الانتقادات الموجهة إلى الاتحاد الأوروبي في الجنوب العالمي، باعتباره خطرا على "أوروبا الجيوسياسية" التي تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ببنائها.
ونبهت إلى أن ما يزيد الأمر إيلاما بالنسبة للعديد من الناشطين الديمقراطيين في جميع أنحاء العالم، هو حملات القمع المحلية التي تشنها الحكومات الأوروبية على منتقدي إسرائيل. وبالنسبة للعديد من نشطاء حقوق الإنسان في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، هناك تشابه بين المواقف الغربية الرسمية تجاه سلوك إسرائيل والاستعمار.
وشددت في نهاية مقالها على أن الضرر الذي يلحق بسمعة الاتحاد الأوروبي قد يصبح غير قابل للإصلاح. وحتى لو كان العديد من المواطنين الأوروبيين ينظرون الآن إلى المذبحة في غزة باعتبارها إبادة جماعية جارية، فإن حكوماتهم لا تمثل هذا الرأي. وبالنسبة للكثيرين في الجنوب العالمي، فإن هذا أمر لا يغتفر. وكما كتب المؤلف الهندي رانجيت هوسكوت مؤخرا: "غزة في كل مكان. غزة هي الهواء الذي نتنفسه. غزة في قلوبنا".