كشفت صحيفة "
لوفيغارو" الفرنسية
عن ممارسات
التعذيب ضد المعتقلين الفلسطينيين في
سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه بعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب، تحيط سرية كثيفة بأماكن وظروف
اعتقال الفلسطينيين من
غزة الذين أسرهم الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من الطلبات الملحة
من المنظمات غير الحكومية المتخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان، فإنها لم تتمكن اللجنة الدولية
للصليب الأحمر حتى الآن من الوصول إلى القواعد العسكرية التي يتم استجوابهم فيها بعد اعتقالهم، وذلك لعدة أسابيع في كثير من الأحيان.
ومن جهته، لم يكشف الجيش عن عددهم أو هوياتهم،
ويرفض التعليق على اتهامات سوء المعاملة التي تتسرب من هذه المعسكرات. وبحسب صحيفة
"هآرتس" العبرية، فقد استشهد حوالي 27 أسيرا من غزة هناك منذ السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر. وكل حالة وفاة ستكون موضوع تحقيق يعهد به إلى مكتب المدعي العام العسكري.
ويقع المخيم الرئيسي الذي حددته وسائل الإعلام
الإسرائيلية في قاعدة "سدي تيمان"، على مسافة ليست بعيدة عن بئر السبع في
صحراء النقب. وهناك مستوطنة أخرى، تقع في مستوطنة "عناتوت"، التي تؤوي بشكل
خاص النساء المعتقلات وكذلك الفلسطينيين من غزة الذين كانوا في أراضي الـ48 أو الضفة
الغربية صباح يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
من جانب آخر، أعربت جيسيكا مونتيل، مديرة
منظمة "هموكيد" غير الحكومية الإسرائيلية، عن "مخاوف جدية للغاية"
بشأن أوضاعهم مشيرة إلى أنه "منذ بداية الحرب، وعلى عكس ما يحدث عادة، فقد رفض الجيش
أن يعطينا أدنى معلومات عن هؤلاء الأسرى"، بشأن ظروف الاحتجاز. وبموجب قانون صدر
سنة 2002، فإنه يُعامل الفلسطينيون في غزة باعتبارهم "مقاتلين غير شرعيين" ولا
يستفيدون من نفس الضمانات التي يتمتع بها أسرى الحرب. ومنذ السابع من تشرين الأول/
أكتوبر، يمكن احتجازهم لمدة تصل إلى 75 يومًا دون أي اتصال بالعالم الخارجي قبل عرضهم
على القاضي. وبمجرد الانتهاء من هذه الخطوة، يعود المتهمون إلى السجون الإسرائيلية.
أما الآخرون فتتم إعادتهم إلى قطاع غزة.
التعتيم الذي فرضه الجيش
وبحسب الأرقام التي حصل عليها مركز
"هموكيد"، فإنه ارتفع عدد "المقاتلين غير الشرعيين" الخاضعين لسيطرة
خدمات السجون من 105 في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 793 في بداية شهر آذار/ مارس.
ويشير ناجي عباس، من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية غير الحكومية، إلى
أنه "بناء على هذه البيانات، يمكننا تقدير أن الآلاف من سكان غزة محتجزون في هذه
القواعد العسكرية منذ بداية الحرب".
وتزعم الصحيفة؛ أن من بين هؤلاء المعتقلين
بعض مهاجمي حماس الذين شاركوا بشكل مباشر في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأنه تم
القبض على الآخرين في وقت لاحق خلال العمليات البرية في القطاع، دون معرفة نسبة قيامهم
بنشاط عسكري. وأعلن الجيش يوم الثلاثاء، في أعقاب مداهمة جديدة لمستشفى الشفاء في مدينة
غزة، أنه قام بنقل 160 فلسطينيا للتحقيق.
مصدر مطلع على نقابة الأطباء الإسرائيلية
وعلى الرغم من التعتيم الذي يفرضه الجيش، فإن شهادات متسقة تشير إلى أن سجناء معسكر "سدي تيمان" يقضون أيامهم مكبلي الأيدي
ومعصوبي الأعين. وفي نهاية شهر شباط/ فبراير، سُمح لممثلي لجنة الأخلاقيات في نقابة
الأطباء الإسرائيلية بزيارة المستشفى الميداني الذي أقيم في هذه القاعدة. ويتكون المرفق
من عدد قليل من الحاويات وخيمة شبه مفتوحة يجلس تحتها ما بين خمسة عشر إلى عشرين سجينا
طريحي الفراش. ومن بينهم مرضى والعديد من الجرحى بالرصاص.
وبحسب مصدر مطلع فإنه "يتم تقييد أيديهم
إلى أسرتهم من معصميهم وكاحليهم، معصوبي الأعين ويرتدون حفاضة واحدة فقط - بحيث لا
يحتاج الموظفون إلى تحريكهم عندما يقضون حاجتهم. وفي الموقع، يُطلب منا ارتداء قناع
وعدم التحدث إلى السجناء، الذين يتم التعرف عليهم فقط من خلال سلسلة من خمسة أرقام.
إن اكتشاف مكان كهذا على الأراضي الإسرائيلية أمر غير واقعي على الإطلاق".
يستقبل المستشفى الميداني في قاعدة
"سدي تيمان" الجرحى الذين وصلوا للتو من غزة وغيرهم ممن خضعوا للتو لعمليات
جراحية في المستشفيات الإسرائيلية.
وأوضح المصدر ذاته أنه "بعد حصول هؤلاء
المرضى على الرعاية، فإنها تسعى المؤسسات العمومية إلى إخراجهم في أسرع وقت ممكن، خشية تعرضها
لردود فعل سلبية من قبل السكان".
وأضافت الصحيفة أنه في بداية الحرب، اقتحم
مئات من القوميين المتطرفين مستشفى بالقرب من تل أبيب، الغاضبين من سماع أن فلسطينيين
من غزة تم أسرهم بعد المجزرة في الكيبوتس يتم رعايتهم هناك. وقال المصدر ذاته:
"في هذا السياق، ومع محدودية الموارد، فيبدو أن الطاقم الطبي في سدي تيمان يبذل
قصارى جهده لتزويد هؤلاء الأشخاص بأفضل رعاية ممكنة".
شهادات نادرة
وتسلط الشهادات النادرة للفلسطينيين العائدين
إلى القطاع بعد احتجازهم في قاعدة عسكرية إسرائيلية ضوءًا أكثر قسوة على المعاملة المخصصة
لهم.
وقال باسم، وهو مدرس يبلغ من العمر 24 سنة، تم تغيير اسمه الأول بناء
على طلبه، إنه تم القبض عليه في 21 كانون الأول/ ديسمبر في وقت مبكر من بعد الظهر عندما
لجأ إلى مقر الهلال الأحمر في جباليا، شمال القطاع. وبعد احتجازه لمدة أسبوعين في
معسكر للجيش لم يتمكن من تحديد مكانه، فقد أعاد الجيش الشاب بعد ذلك إلى معبر كرم أبو سالم.
وبمجرد وصوله إلى الجانب الفلسطيني، تمت رعايته من قبل فريق الهلال الأحمر وهو الآن
في رفح.
في يوم اعتقاله، أدلى باسم بشهادته عبر
رسائل صوتية مسجلة ردا على أسئلة الصحيفة، حيث قال: "لقد وضعنا الجنود في شاحنة
وبدأوا بضربنا بالعصي. كما أنهم قاموا بإهانتنا، ونعتنا بأبناء العاهرات وأشياء أكثر إثارة
للاشمئزاز، لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات، بينما كنا مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين".
وبعد ساعات قليلة، تم أسر باسم وعشرات الفلسطينيين في نفس الوقت الذي فهم فيه أنهم
قد تم نقلهم من غزة.
ويروي قائلا: "في تلك المرحلة، جردونا
من ملابسنا وقاموا بتفتيشنا أثناء انتزاع هوياتنا. كنا في فناء فارغ، وكان الجو باردا
جدًا. وفي كل مرة حاولت الجلوس يقوم أحد الجنود بضربي".
ويتابع قائلا: "في وقت لاحق، قال لي
رجل: لا تخف، أنت آمن هنا. فهمت أنه كان رقيبا. سألني إذا كنت أرغب في استخدام المرحاض.
وضعت الماء على وجهي، وبينما كنت أرفع قطعة القماش التي عصبت عينيّ لأنظر في المرآة،
طلب مني جندي آخر أن أنزلها فورا. ثم أمرني بالركوع وأجبرني على البقاء على هذه الحال
ست ساعات. وفي كل مرة حاولت فيها العثور على وضع أكثر راحة، كان يصرخ في وجهي".
"وجباتنا
اقتصرت على قطعة خبز"
وأوردت الصحيفة أنه تم نقل باسم، الذي يقول
إنه لا علاقة له بـحماس، إلى مخيم آخر. حينها، أصبحت الروتينية الشاقة جزءًا من الحياة.
يتحدث قائلا: "كانوا يوقظوننا كل يوم حوالي منتصف الليل ويبدأون بوضعنا في طابور
قبل إطلاق العنان للكلاب ذات الكمامات علينا. ثم أخذونا إلى الفناء وأجبرونا على الركوع
دون أن نتحرك. لم يكن مسموحا لنا بالتحدث، وكانت وجباتنا تقتصر على قطعة خبز". وتحدث باسم عن جلسات "تعذيب" يومية وفترات نوم تقتصر على ساعة أو ساعتين.
قال: "في أحد الأيام، ربطوني إلى الحائط ثم بدأوا في ضرب خصيتي. وكل هذا ليس سوى
جزء صغير مما فعلوه بي...".
وفي 19 شباط/ فبراير، أدانت أربع منظمات
غير حكومية إسرائيلية أمام المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب "التصعيد
الوحشي" الذي بدأ يظهر منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر "الذي يتسم بما
يبدو أنه عنف منهجي ضد الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل". وكانت المنظمات نفسها
قد طلبت في وقت سابق من محكمة العدل العليا الإذن للجنة الدولية بزيارة أماكن الاحتجاز.
في الوقت الحالي، تتجاهل الحكومة الأمر.
علاوة على ذلك، فإن حماس لا تسمح بزيارة الرهائن
الـ 134 الذين ما زالوا محتجزين في قطاع غزة. ويبدو أن قسمًا كبيرًا من الشعب الإسرائيلي،
الذي صدمته مذابح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، يؤيد هذه السياسة.
ويؤكد قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى
والمحررين في السلطة الفلسطينية، أن سوء معاملة الأسرى الفلسطينيين لا يقتصر على القواعد
العسكرية. ووفقا له، فقد تدهورت ظروف الاعتقال بشكل كبير في السجون الإسرائيلية حيث يعاني
غالبية الفلسطينيين المحرومين من حريتهم. وقال: "لقد انتقلنا من حوالي 5300 أسير
عشية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى أكثر من 9500 اليوم، في حين أن الاكتظاظ في
نظام السجون الإسرائيلي معروف للجميع".
ويوضح قائلًا: "على مدى خمسة أشهر،
حُرم الأسرى الفلسطينيون من العديد من الحقوق التي حصلوا عليها من خلال المفاوضات المضنية
بالإضافة إلى الإضراب عن الطعام. لقد سلبوا أجهزة الراديو الخاصة بهم، وغلاياتهم، والحق
في تناول الطعام. لقد تم تشديد نظامهم الغذائي إلى حد كبير - لدرجة أن معظمهم فقدوا
الكثير من الوزن. وتم تعليق الزيارات العائلية، بينما تخضع زيارات المحامين لقيود صارمة".
ومن جهته، يؤكد جميل سعادة، أحد قيادات هيئة الأسرى الفلسطينيين، أن "الإهانات
والاعتداءات الجسدية على الأسرى أصبحت يومية".
تعرض للضرب في زنزانته
ووفقًا لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان
غير الحكومية، فقد توفي عشرة سجناء منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في السجون الإسرائيلية. ويوضح ناجي عباس أنه "بالنسبة لخمسة منهم، تمكنا من حضور التشريح، وتمكنا من التأكيد
على أن الوفاة حدثت إما بسبب نقص الرعاية، أو بسبب الضربات العنيفة، أو مزيج من الاثنين".
وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر، فتحت السلطات الإسرائيلية تحقيقا بعد
الوفاة الوحشية التي تعرض لها ثائر أبو عصب، وهو أسير يبلغ من العمر 38 سنة كان يقضي
عقوبة طويلة لتورطه في هجوم ارتكب في سنة 2005. ووفقا للصحافة الإسرائيلية، فإنه يُزعم أنه
تعرض للضرب المبرح في زنزانته في سجن "كتزيوت" على يد تسعة عشر شخصًا من
سجانيه.
وتحدثت الصحيفة عن نبيل (الذي لم يرغب في الكشف عن اسمه الحقيقي)، وهو
من سكان بيت لحم، والذي أمضى للتو أربعة أشهر في سجن "عوفر"، وتحدث عن ظروف
اعتقال سيئة للغاية؛ حيث تم اعتقاله في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، وتم وضعه رهن الاعتقال
الإداري لمدة ستة أشهر بعد ثلاثة أيام من الاستجواب. ويقول نبيل إنه فقد 25 كيلوغرامًا
من وزنه خلال فترة سجنه، ويصف برعب مصير السجناء القادمين من غزة، ويؤكد لنا:
"كان هناك ثلاثة وعشرون منهم محبوسين في القسم المجاور لنا، حيث كانت تتعالى الصرخات
بصورة دائمة. كنا نسمعهم ينبحون مثل الكلاب، هذا أمر جنوني. ولم يسمح لهم بالأكل أو
النوم. السجناء الذين كانت زنزانتهم الأقرب إلى زنزانتهم لم يسمعوا شيئا كهذا من قبل".